الوضع الذي تعيشه المراكز الاستشفائية الجامعية المتمثل في خوض الأطباء الداخليين والمقيمين لإضراب مفتوح منذ فاتح شهر أكتوبر الفارط، وإلى غاية اليوم، فضلا عن تنظيم مجموعة من الاعتصامات المحدّدة، التي لم تعد مقتصرة على النهار، بل أضحت تشمل حتى ساعات الليل، للتأكيد على حجم الغضب والألم الذي تحسّ به هذه الفئة من مهنيي الصحة، دفع بوزير الصحة البروفسور الحسين الوردي للتحرك والتفاعل مع هذا المخاض ، فقرّر هذا الأخير التأشير على قرار اقتطاع أجرة 30 يوما للمضربين/المحتجين، ووجّه سهم الاقتطاع صوب ما يعتبره رأس الحراك وهو الدارالبيضاء كخطوة أولى، وهو الفعل الذي بسببه وجد الأطباء الداخليون والمقيمون غير المتعاقدين أنفسهم محرومين من الأجر الهزيل الذي يتلقونه المتمثل في 3400 درهم، الذي لا يستجيب لأية معايير مهما أردنا النبش في تفاصيلها، وهذه هي الفئة العريضة، إلى جانب زملاء لهم يشكلون نسبة 20 في المئة، المتعاقدين والذين سيفقدون بدورهم أجرتهم التي تساوي 8700 درهم، وذلك تحت مبرّر أن الأجرة لا تُصرف إلا نظير العمل، وهو ما لايتوفر في حالة الأطباء الداخليين والمقيمين المضربين عن العمل! منطق/مبدأ الأجرة مقابل العمل، لم يتناوله وزير الصحة من كل الجوانب، فقط اختار الشقّ الذي يرضيه فحسب، وتناسى أو تجاهل أن الأطباء الداخليين والمقيمين لم يتوصلوا بمقابل مادي نظير الخدمات الطبية التي ظلوا يقدمونها خلال أوقات الحراسة وذلك على مدى 8 سنوات، مفضّلا الإقدام على هذا القرار بهدف كسر شوكة الإضراب، وشقّ صفّ المضربين/المعتصمين/المحتجين، وهو لايستحضر خطوة بالغة الخطورة ظلّ عدد من الأطباء الداخليين والمقيمين يلوّحون بها ويهددون بالإقدام عليها، وتتمثل في شلّ حركة أقسام المستعجلات وعدم تقديم خدماتهم بها، لولا وجود عقلاء يساهمون في تنمية وعيهم الجماعي، ويستحضرون مصلحة المواطن/المريض، ومصلحة الوطن في بعده الشمولي، علما بأن هذا الطرح يدافع عنه عدد منهم، وارتفعت حدّته بعد إقدام وزارة الصحة على قرار الاقتطاع، معتبرين أن المؤسسة الوزارية التي تبرّر عدم صرف الأجر بكونه إجراء عقابيا لعدم العمل، يجب أن تتحمّل مسؤولية شلّ المستعجلات هي الأخرى، ما دام الأطباء هم مضربون ولايتوصلون بأجرتهم، وما دام تعويض الحراسة لم يتسلموه منذ 8 سنوات، هذه الحراسة التي هي عمل هو بدون أجر لايجب القيام به إذا ما تم اعتماد نفس القياس؟ إن الغليان الذي تعيشه المراكز الاستشفائية الجامعية لايحتاج إلى من يصب الزيت على النار لتأجيج الصراع، أو من يدفع إلى توسيع رقعته/مداه كي لايظل مقتصرا على رقعة وزارة الصحة ويمتد إلى ملعب الحكومة ككل، حتى يتم تصنيفه ضمن خانة «الاحتجاج سياسي»، في خطوة للتملص من المسؤولية، والحال أن الأمر لا يتجاوز المطالبة بتنفيذ وعود رسمية تم تضمينها بمحضري اتفاق تم توقيعهما مع وزيرة الصحة السابقة، في 2007 و 2011، وبما أننا في دولة للمؤسسات التي تحترم استمرارية الإدارة وقراراتها ، فيجب تنزيل ما تم الاتفاق بشأنه على أرض الواقع، عوض الانتصار لرؤية واحدة ضيقة في تغييب تام للحكمة والنضج ورجاحة العقل في التعاطي مع هذا الملف. الأطباء الداخليون والمقيمون يطالبون بحقوق سابقة اتفق الجميع على مشروعية تمكينهم منها، ووحده الرفع من الأجور المطلب الجديد الذي رفع خلال هذا الحراك الأخير، وهم يثيرون الانتباه إلى الوضعية المزرية التي تعيشها المستشفيات العمومية في ظل انعدام أو قلّة وسائل العمل، وعدم توفر الشروط المادية والموضوعية لأداء مهمتهم على أكمل وجه في ظلّ الطلب المرتفع والعرض الضعيف، كما يحذرون من تبعات استقالات الأساتذة الذين تتناقص أعدادهم مقابل عدم التزام وزارة التعليم العالي بالتعويض، وهو ما يرخي بظلاله وسيزيد تفاقما على مستوى التكوين. الأطباء المحتجون ونتيجة لغضب جماعي يعدون عرائض تتضمن توقيعات استقالاتهم التي بلغت نسبتها بمراكش قرابة 100 في المئة، وبالدارالبيضاء 60 في المئة، ولائحة التوقيعات متواصلة، وهم في انتظار هذه الخطوة غير المرحّب بها من طرف العقلاء، المتتبعين للشأن الصحي، والمواطنين لتداعياتها وتبعاتها الخطيرة، قد يقدمون على أخرى لاتقلّ خطورة، وهي مقاطعة العمل بأقسام المستعجلات، مع مايعني ذلك من تهديد للأمن الصحي للمواطنين الذي يعاني اعتلالا يوميا، فكيف سيكون الوضع إذا ما تمت ترجمة هذه التهديدات، وهم الذين يتوفرون على ميكانيزمات للتعاضد فيما بينهم في مواجهة الاقتطاع من الأجر في أطول إضراب قطاعي يعرفه المغرب، ليكون ضحية هذه الحسابات في الأول والأخير هو المواطن، المعوز، الذي لا إمكانيات له للعلاج في مؤسسات تستثمر في مجال الصحة وتسعى لتحقيق أرباح مادية منه؟ إن المسؤولية تقتضي وقف النزيف، سيّما أن الأطباء الداخليين والمقيمين هم لايبتغون من الحكومة إلا الوفاء بالتزام حكومي، بعيدا عن أي مبررات لم يتم استحضارها حين تعلّق الأمر بقطاع آخر، مبررات عجز تغيب حينا وتحضر أحايين كثيرة، تكذبها وقائع ملموسة لسياسة بعيدة كل البعد عن الترشيد وعن خطابات الأزمة التي لاتريدها الحكومة إلا للموظفين والمواطنين الذين يكتوون بنارها ، بينما هي برد وسلام على آخرين!