الكل يعلم اليوم أن مرض السل، وفضلا عن كون المتسبب فيه هو جرثومة «كوخ» التي تتوزع ما بين نوعين أحدهما معدٍ والآخر غير معدٍ، والتي تنتقل من خلال السعال، العطس، وغيرها من الوسائل التي تؤدي إلى تفشي العدوى وإصابة أشخاص آخرين، فهذا المرض هو مرتبط بالهشاشة الاجتماعية، وبالفقر، وبسوء التغذية، كما أن الأمية تساهم بقسط وفير في عدم فهم واستيعاب المرض وظروف تطوراته ومضاعفاته، وكيفية التعامل معه على المستوى العلاجي، لهذا نجد أن العديد من المرضى المصابين بداء السل ينقطعون عن أخذ الدواء لمجرد إحساسهم بنوع من التحسن الظاهري، والحال أن وضعهم الصحي يكون في حاجة إلى مزيد من التتبع وتناول الدواء، مما يؤدي إلى تطور المرض إلى حالات السل المستعصية العلاج. وضع يتطلب منا اليوم التفكير وبشكل جدي في استراتيجية جديدة وفعالة للقضاء على مرض السل، من خلال إشراك الجهات، بمفهوم التقطيع الجغرافي الجديد 2015، بهدف التكفل بالمرضى المنتمين لكل جهة على حدة، وهو ما يتعين معه من جميع الفرقاء والمتدخلين المعنيين بتعددهم، العمل على تنظيم يوم دراسي وطني يجمع كل المسؤولين، لتدارس واقع المرض الذي ما يزال يسجل أرقاما جديدة في سجلات المرضى، لسنّ خطة بمقاربة تشاركية وشمولية، للوقوف ضد هذا المرض الذي يمكن استئصاله بمحاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية، على اعتبار أن المرض تتحكم عدد من المحدّدات الصّحية في أسباب انتشاره من عدمها، كأن يكون الشخص في صحة جيدة، تتوفر لديه وسائل النظافة، ويحظى تغذية متوازنة وجيدة، إضافة إلى توفر عنصر الراحة النفسية والجسمانية مقابل انخفاض درجة القلق والتوتر، وممارسة الرياضة، إلى جانب عوامل أخرى حين افتقادها، وحين نكون أمام حالات للفقر والهشاشة، والبطالة، واستهلاك المخدرات والخمور، وأمام وضعية للسكن تفتقد للتهوية الكافية، ولشروط النظافة اللازمة، خاصة في هوامش كبيرات المدن المعروفة بكثافة ساكنتها، فإننا سنكون لا محالة أمام حالات لمرض السل بتعدد أنواعه التي ترتفع كذلك في الفضاءات المغلقة، بالسجون، وغيرها من التجمعات الأخرى. إن لغة الأرقام المتداولة تؤكد أن داء السل ما يزال يحصد عدة أرواح بالمغرب، إذ في الوقت الذي ينتظر فيه المغاربة أن ينخفض عدد الإصابات بهذا المرض، جاءت إحصائيات منظمة الصحة العالمية مخيبة للآمال، إذ كشفت أن عدد الإصابات بداء السل ارتفع سنة 2014 مقارنة مع سنة 2013، إذ بلغ السنة الفارطة ما عدده 31 ألف حالة تم تشخيص إصابتها بالمرض، مقابل 29 ألف إصابة لسنة 2013، كما أن التقرير الصادر عن منظمة الصحة كشف أيضا أن داء السل لازال يقتل ضحاياه ويحصد أرواح المغاربة، إذ توفي جراء الإصابة به سنة 2014، ما مجموعه 3 آلاف مواطن مغربي، بينما فيما لم تبلغ نسبة من الشفاء منه والعلاج من الداء خلال سنة 2013، سوى 89 بالمئة من عدد الإصابات التي تم تشخيصها. وفي سياق تطور الداء، أظهرت إحصائيات منظمة الصحة، أن الإصابة بداء السل سجلت ارتفاعا سنة 2014، بنسبة 2000 حالة إضافية مقارنة بالسنة التي قبلها، إذ بلغ عدد الإصابات التي تم تشخيصها سنة 2014، 31 ألف إصابة، فيما بلغت سنة 2013، 29 ألف إصابة شفي منها 89 بالمئة. وفي سياق الحديث عن الأمراض القاتلة، كشفت منظمة الصحة العالمية، أن المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة يشكلون حوالي 47 بالمئة من عدد مرضى السل سنة 2014، إذ بلغت نسبة الإصابة بالسيدا من ضمن مرضى السل، 15 ألف شخص مصاب بالداءين معا. كما كشفت الإحصائيات نفسها أن الذكور المغاربة أكثر إصابة بداء السل مقارنة بالنساء، إذ بلغت الإصابات التي تم تشخيصها بالداء، في صفوف من تقل أعمارهم من الإناث عن 15 سنة 1074، مقابل 1002 حالة عند الذكور، في حين كان عدد الإصابات عند من تفوق أعمارهم 15 سنة مرتفعا لدى كلا الجنسين، إذ سجلت في صفوف الإناث 10422 إصابة سنة 2014، مقابل 15637 إصابة لدى الذكور. لقد أضحى من الاستعجالي بما كان تغيير مخطط عمل مكاتب الصحة البلدية «Bureau Municipal d'Hygiène / BMH» ، ودور الأطباء الذين يشتغلون تحت إمرة رئيس مجلس المدينة أو رئيس البلدية حضرية كانت أو قروية، لتشمل مهامهم التكفل الطبي بمرضى السل، وذلك بوضع برنامج معلوماتي يمكّن من تتبع هؤلاء المرضى حتى وإن غيروا عنوان سكناهم. (*) طبيب بالمركز الاستشفائي ابن سينا، وعضو اللجنة العلمية للموقع «صحة 21»