لساعات طويلة وقفت متسمرا أنظر إليها من بعيد، كانت جميلة وجذابة، والزي المخزني الذي كانت ترتديه زادها بها إعجابا... تبدو في أواخر العقد الثاني من عمرها، افتتنت بها منذ النظرة الأولى إليها، في ذلك الصباح الصيفي الباكر، الذي كنت أرتدي فيه قميصا أزرق اللون... عبرت الشارع الذي تنظم فيه السير أزيد من سبع مرات، وكل مرة كنت أعبره فيها كنا نتبادل النظرات، فاكتشفت حينها عينان سوادتان وواسعتان، وشفتان ناعمتان حمراوتان بلا أحمر شفاه، وقامة رشيقة، وشعر أشقر... لا أنكر أنه خيل إلي في تلك اللحظة أني بطل فيلم رومانسي قادر على تحدي كل الصعاب، خصوصا عندما كنت في حالة رضا عن النفس وثقة زائدة كان مصدرها لباسا جديدا كنت أرتديه. دنوت منها وقرأت لها السلام: فردت متشكرة: وأضافت، أنظر أمامك جيدا فأنت تعبر الشارع، فأجبتها بصوت متحشرج: حاضر... لكن، هل ذلك من خوفك علي؟ فردت علي بصرامة: ماذا؟ قلت لا شيء... أتذكر أني لم أنصرف ذلك اليوم حتى انتهى وقت عملها، حيث كنت مصمما على الحديث معها. لكن، لسوء حظي فقد نقلتها سيارة أمنية.. عدت يوم غد فلم أجدها في مكانها إلا شرطيا منتفخ البطن، يخرج قميصه من سرواله الواسع، كثير اللغط، ما أقبح الرجال أمثاله، اخترت أن أبقى في انتظارها، فمكث اليوم كاملا أنتظر لعلها تأتي، لكن من دون جدوى، وذات لحظة سألت نفسي ماذا أنتظر هناك؟ فأجاب خاطري عشقا رائعا لعله يتحقق. وفي أثناء ذلك الانتظار، كانت تأتيني بين لحظة ولحظة مكالمات هاتفية من والدتي، «ألو مصطفى، لقد حان وقت الغذاء، أين أنت الآن؟ فنحن في انتظارك». فأجيب بلعثمة في الكلام أني في ندوة علمية!... في اليوم الثالث، وجدتها في ذلك المكان نفسه، الذي يشهد على صدق إعجابي بها، فابتهجت من حيث أدري ومن حيث لا أدري، وبسرعة عبرت الشارع مقتربا منها، مرحبا «أشافة». فردت التحية، ملمحة. غير أنه في تلك اللحظة تملكني الخوف والخجل، خصوصا وأني لا أعرف كلام الغزل. فانتظرت إلى أن اقتربت من وكالة بنكية لتحتمي من حر الشمس، حين ذلك ذهبت إليها مستعجلا.. من فضلك أريد أن أتحدث معك. فأجابت: تفضل! بعد خجل كبير حاولت التغلب عليه.. قلت لها أرجو أن تتفهمي مشاعري فأنا قد أعجبت بك من أول لحظة رأيتك فيها، وقبل أن أكمل كلامي؛ فإذا بسيارة أمنية تقف حولنا، فيطل منها رجل شرطة من درجة عميد ممتاز، فيصرخ في وجهها عاليا: هل أنت هنا لتنظيم السير أو للتنزه؟ فأجابت «شاف، شاف» إنه يضايقني ويتحرش بي.. أما أنا، فقد صدمت من تصرفها وصرت تماما عاجزا عن الكلام. نزل شرطيان فقبضا عليا وجرجروني إلى «الستافيط» نحو سجن «عكاشة»، بتهمة التحرش ومضايقة امرأة شرطة أثناء مزاولة عملها مع سبق الإصرار والترصد! فذهبوا بي إلى مكتب النيابة العامة لأخذ أقوالي. ولما استنطقني ضابط بلكنته الجبلية: يا ابن الشفار يسحاب ليك السيبا في البلاد، شنو قاليك قران عقلك. تكلم.. تكلم! أجبت قائلا: قل في مسبتي ما شئت.. فجوابي لك هو حب جرني إلى عكاشة. * عكاشة: هو سجن مشهور في المغرب، يوجد في عين السبع بالدار البيضاء إحدى كبريات المدن المغربية. (*) باحث مغربي [email protected]