من المؤلم جدا أن نعاين كأطباء كيف يمكن لمواطن/مريض أن يفارق الحياة لأنه لم يجد دما يسعفه ويمنحه فرصة أخرى للعيش، وكم يكون الأمر بالمقابل سارا حين يتمكن مهنيو الصحة من إنقاذ مريض/مريضة على سرير المرض بعد منحه دفعة من الدماء، سواء تعلق الأمر بمرضى أصيبوا على إثر حادثة سير، أو تعرضوا لنزيف طارئ وغير منتظر كما هو الشأن بالنسبة لبعض حالات الولادة، أو بالنسبة لمن يعانون من أمراض مزمنة كما هو الشأن بالنسبة لمن يخضعون لحصص تصفية الكلي أو لمن يعانون من بعض أنواع أمراض الدم، الذين يكونون في حاجة مستمرة للدماء من أجل البقاء على قيد الحياة، علما بأنه ليس هناك من إنسان هو في منأى عن الحاجة للدم، فكل واحد يمكن أن يتعرض لحادث عرضي، منزلي أو في مقرات العمل أو بالشارع العام، فيجد نفسه محتاجا للدم، ويكفي أن نعلم أن من بين كل 10 أشخاص يلجون المستشفيات، هناك شخص يكون في حاجة إلى الدم، خاصة خلال خضوعهم للعمليات الجراحية، سيما تلك التي تتسم منها بالتعقيد كجراحة القلب، أو نتيجة لمضاعفات الولادة، أو بالنسبة لمرضى الدم والمصابين بسرطاناته وغيرهم ممن هم في حاجة للدم طيلة حياتهم. التبرع بالدم خطوة إنسانية راقية، تعبر عن نبل المتبرع وإيمانه بمساعدة الغير، مساعدة واسعة الأثر والمدلول، فضلا عن إيجابياتها المتعددة الأبعاد هي الأخرى، وذلك بالوقوف على الوضعية الصحية للمتبرع من خلال تحليل دمائه المتبرع بها، وتجديد الدورة الدموية، مع إمكانية العودة مرة أخرى للتبرع في غضون شهرين أو ثلاث، مع حصوله على بطاقة متبرع تخول له الاستفادة من الدم متى كان في حاجة إليه. خطوة التبرع لايجب أن تقف فقط عند الأشخاص/الأفراد بشكل أحادي، بل يجب أن تمتد كذلك إلى المؤسسات، وهنا أود أن أشدد على دور المصحات الخاصة التي يمكنها أن تساهم في الرفع من منسوب احتياطي بنك الدم على الصعيد الوطني، هذه المصحات التي منها من يكون في حاجة يومية إلى ما بين 10 و 15 كيسا من الدماء، بحسب طبيعة تخصص كل مصحة على حدة، ونوعية الأمراض التي تتعامل معها. مصحات يبلغ عددها حوالي 350 مصحة خاصة، هي قادرة على المساهمة في إنقاذ أرواح المواطنين على مدار السنة من خلال تبرعات مبرمجة بالتنسيق مع مراكز تحاقن الدم، بتطوع مهنييها من أطباء، ممرضين، إداريين، وكل العاملين، الذين يمكن أن يقدموا الشيء الكثير من خلال الدماء المتبرع بها، التي ستساهم لامحالة إلى جانب تبرعات مؤسسات ومقاولات وجمعيات وأفراد في الرفع من منسوب الحياة، فكل كيس دم واحد يمكن من إنقاذ أربعة أشخاص عند فصل مكوناته، وبالتالي فهذه دعوة للجميع، من أجل برنامج وطني لتبرع المصحات الخاصة بالدم. (*) اختصاصي في جراحة التجميل والسمنة