خصص منتدى وكالة المغربي للأنباء اللقاء الرابع الذي يدخل في إطار التعبئة والتواصل حول الرؤية الإستراتيجية للإصلاح التربوي 2015 -2030، لموضوع النهوض بالبحث العلمي والابتكار، بعد أن عرفت الأسابيع المنصرمة لقاءات تم الوقوف فيها على الخطوط العريضة للرؤية الإستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وعلى رافعات التجديد التي تقترحها فيما يخص النموذج البيداغوجي الجديد والهندسة البيداغوجية للغات بالمدرسة المغربية؛ ومنظور جديد لمهن التربية والتكوين؛ ودور التكوين المهني في تثمين رأس المال البشري. واعتبر عبد اللطيف ميراوي عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في هذا اللقاء، النهوض بالبحث العلمي والابتكار يعد مدخلا أساسيا لإصلاح المدرسة المغربية، ومجالا يتوقف النهوض به على استهداف النواظم الثلاثة لبناء منظومة تربوية جديدة قوامها الإنصاف والجودة والارتقاء الفردي والمجتمعي. وأوضح ميراوي، أن البحث العلمي والتقني والابتكار يحظى باهتمام متزايد في السياسة العمومية، بالنظر لمكانته الاستراتيجية والحيوية في تحقيق تطور البلاد، اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وتعزيز مكانتها وقدرتها التنافسية على الصعيدين الإقليمي والدولي. وذكر نفس المتدخل أن النظام الوطني للبحث العلمي يتوفر على مؤهلات مهمة، تتجسد على الخصوص في وجود إطار مؤسساتي وقانوني مشجع، وموارد مالية (رغم محدوديتها)، وبنيات متنوعة وجهوية للبحث، إلا أنه مُطالب اليوم برفع عدة تحديات أبرزها الزيادة المطردة في ميزانيته وتنويع مصادرها، وتأهيل الكفاءات البشرية، وتجديد حكامة البحث، والنهوض بكافة مجالاته، وإطلاق دينامية واسعة للإبتكار. واعتبر ميراوي أن بلوغ الأهداف المتوخاة بخصوص تنمية البحث العلمي والتقني والابتكار، وتطوير إنجازيته على المستويين الجهوي والوطني، يقتضي نهج سياسة استشرافية، تأخذ بعين الاعتبار ضرورة العناية برأس المال البشري في إطار منظومة تربوية تسعى إلى تمكين أكبر عدد من المواطنات والمواطنين من تعليم عال يؤهلهم للبحث والإبداع والتجديد، وتعزيز التكامل في مجالات البحث بين ما هو نظري وما هو تطبيقي وميداني، وبين ما هو علوم دقيقة وتقنية وتطبيقية، وما هو علوم إنسانية واجتماعية، وبحوث فنية وأدبية وثقافية.كما أوضح في هذا السياق أن الرؤية الاستراتيجية للمجلس قد أكدت أيضا على التكامل الذي يطبع العلاقة بين الجامعة والمؤسسات الاقتصادية، ويقوي من مساهماتها في مجال البحث العلمي والتقني والابتكار، بالرغم من الإكراهات التي تعاني منها سياسة البحث العلمي والتقني على المستوى الوطني. مشددا في نفس الوقت على أن الجامعة المغربية تظل مدعوة لتكون أحد المنابع الرئيسية للمعرفة ولتجديدها، وللنهوض بالمهام الداعمة لتنمية اقتصاد البلاد والارتقاء بمجتمعها، وذلك في تفاعل بين أنشطة التعليم والبحث والابتكار. وعدد ميراوي مقترحات الرؤية الاستراتيجية للاصلاح، وفق سبع مستويات تهم النظام المؤسساتي للبحث وبنياته وتنسيق سياسة البحث والتكوين والتأهيل من أجل البحث وتحفيزه وتمويله وأخيرا التتبع والتقييم. من جانبه أبرز عبد الكبير بلاوشو، عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، خلال نفس اللقاء, أن البحث العلمي يشكل المحرك الحقيقي للرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي التي تؤكد على التكامل بين الجامعة والمؤسسات الاقتصادية، موضحا في نفس الوقت أن الرؤية الاستراتيجية للمجلس تروم التوصل إلى نموذج بيداغوجي مبتكر يضع البحث العلمي في صلب بنائه. وفيما يتعلق بتوجيه البحث العلمي والابتكار نحو أهداف تنمية البلاد، أكد بلاوشو إلى أنه ينبغي لذلك ربط التعلم باستراتيجيات البحث والابتكار في مختلف المستويات التعليمية، بدءا بالتعليم الأولي والابتدائي إلى التكوين المهني والتعليم العالي، وذلك عبر تطوير التربية على الإبداع والابتكار وحرية الاختيار،وكذا ثقافة الابتكار من خلال التشجيع على العمل الجماعي والتشاركي، ومأسسة هذا العمل في فضاءات تعلمية خاصة، والاعتراف به على مستوى التقييم.كماأشار إلى إلزامية ربط التكوينات المهنية بمشاريع الابتكار التقني وفي المهن، وليس فقط بالتكوين من أجل ممارسة المهن، وكذا توفير شبكات متعددة بين مؤسسات التكوين المهني والتقني وبين الجامعات والمؤسسات الاقتصادية والمقاولات، على أساس تقاسم ثقافة للإنتاج والابتكار، وتبادل المعرفة وتحويلها إلى منتوج قابل للاستثمار والتسويق. ويرى بلاوشو أن هذا التوجيه رهين بربط البحث والابتكار في العلوم الاجتماعية والإنسانية والفنون والآداب ببرامج التنمية البشرية والبيئية، وتعزيز بنيات البحث بمؤسسات التعليم العالي بشراكات فاعلة مع المقاولات، وتوسيع وتعزيز التعاون الدولي بين بنيات ومختبرات البحث الوطنية لأجل تنمية الابتكار، والعمل على نشر نتائج البحث العلمي والابتكار والتعريف بها، وتحفيز المبتكرين، وإدماجها في التكوينات المتوسطة والعليا، بغاية تكريس ثقافة الابتكار وخلق تنافسية على الصعيد الوطني، علاوة على إحداث شبكات للمهتمين بنفس مجالات البحث والابتكار مع تشجيع اندماج المقاولات في هذه الشبكات قصد توفير ظروف ملائمة للتنمية والإبداع التكنولوجيين، وتوجيه البحث العلمي والابتكار نحو بناء مجتمع المعرفة وولوج الاقتصاديات الجديدة. وبخصوص آليات حكامة منظومة البحث العلمي، قال بلاوشو بأنها تهم آلية النظام المؤسساتي للبحث من خلال ،بالخصوص، وضع نظام وطني ومؤسساتي مندمج بين مؤسسات البحث العلمي، للحد من التشتت السائد في تدبير منظومة البحث العلمي والتقني والابتكار، وإعادة هيكلة قطاع البحث العلمي والتقني وتنظيمه، وإشراك كل الفاعلين في ميدان البحث العلمي من قطاعات حكومية وجامعات ومراكز البحث ومختبرات وشبكات ومؤسسات التنسيق ومقاولات في تحقيق الأهداف الإستراتيجية للبحث العلمي في علاقة بالمشاريع القطاعية الإستراتيجية للبلاد. وتهم هذه الآليات كذلك بنيات البحث من حيث الحرص على جودة بنيات البحث وتدبيرها مع العمل على تشجيع البحث الأساسي والمستقل، وتوسيع البنيات الجامعية للبحث الأكاديمي والعلمي والتكنولوجي وهيكلتها في علاقتها بالشعب الداخلية للجامعة ومشاريعها في الدراسة و التأطير، وإرساء بنيات وطنية وجهوية للبحث والابتكار البيداغوجي من أجل تطوير سياسة الابتكار والتجديد في هذا المجال، وإحداث أقطاب جديدة للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية تكون مبنية على الشراكة والتعاون وعلى تشجيع التخصصات الذكية. أما فيما يتعلق بالعرض الثالث الذي تقدم به عبد الكريم مدون, عضو المجلس الأعلى للتربية التكوين والبحث العلمي والكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي تمحور حول موضوع «مقومات تأهيل منظومة البحث العلمي» التي تم تحديدها في أربعة مقومات المقوم الأول يهمم التكوين والتأهيل من أجل البحث والمقوم الثاني يتعلق بالتحفيز البحث ، و المقوم الثالث يتمثل في تمويل البحث واخيرا المقوم الرابع المتعلق بالتتبع والتقييم. فبالنسبة للمقوم الأول أكد مدون فيه على العمل في الأمد القصير على وضع برنامج عمل يهدف إلى توظيف وتكوين 15000 أستاذا باحثا في أفق 2030 ، ثم تكوين الباحثين لتعلم واكتساب مهارات التواصل و الريادة وقيادة المشاريع، والمبادئ الأخلاقية ذات الصلة، مع اعتماد أنشطة موجهة، خاصة، لتنمية الكفايات المهنية العامة المفيدة في البحث والابتكار، فضلا عن استثمار خبرة أساتذة التعليم العالي المتقاعدين وتجربتهم في تغطية الخصاص في مجال التكوين والتأطير والبحث وتوفير شروط ممارسة الحرية الفكرية والأكاديمية على صعيد الجامعات في إطار القواعد المؤسسية، وفتح المجال أمام الطاقات الإبداعية في التأطير والتدريس والبحث والابتكار والتنشيط . واضاف مدون في هذا السياق أنه لابد من نشر ثقافة البحث منذ التعليم المدرسي، والاعتماد على نتائج البحث في مختلف المجالات التقنية، والهندسية، والاجتماعية، والإنسانية والفنية والأدبية، من أجل الرفع من جودة المناهج والبرامج وذلك على مستوى التعليم المدرسي، ولاسيما في الثانوي التأهيلي، وكذا على مستوى التعليم العالي؛ والاعتراف بالدراسات والتكوينات ما بعد الدكتوراه، مع تعميمها على أساتذة التعليم العالي كافة، وتثمين قيمتها، من بين ما تستند عليه السياسات الهادفة إلى تطوير البحث العلمي وتنميته، ثم وضع نظام للتقييم من خلال تدبير المسار المهني للأساتذة الباحثين على مستوى الجامعات، وربطه بالإنتاج وبالبحث العلمي والمردودية، فضلا عن تضمين النصوص المنظمة لوضع هيئة التدريس بالتعليم العالي تحديدا موحدا لمهنة الأستاذ الباحث، يكون شاملا لمختلف كفايات الأساتذة الباحثين بمختلف أبعادها، ومكرسا لاستقلالية المبادرة في مجالات البيداغوجيا والبحث والابتكار. وبالنسبة للمقوم الثاني شدد مدون على إرساء نظام للمنافسة في البحث العلمي، لخلق دينامية للتميز والابتكار بين الباحثين وطنيا ودوليا، وبين الجامعات ومختبرات البحث، ووضع شبكات الكفاءات حول المواضيع ذات الأولوية وطنيا، ودعمها بكفاءات أجنبية عن طريق التعاقد، والتوجه نحو خلق أقطاب الكفاءة في المعرفة والبحث والابتكار لترسيخ الإنجازات العلمية، ثم وضع نظام تعويض عن الأداء، بهدف تشجيع وحفز النبوغ والتميز بالنسبة للباحثين، خصوصا في أنشطة البحث والتطوير التي تستلزم الرفع من التمويل، ثم تسهيل عمليات الرفع من التمويل وصرفه فضلا عن تيسير حركية الباحثين المغاربة وطنيا ودوليا، من أجل الاستفادة من مشاريع البحث والابتكار على الصعيد العالمي. وبخصوص المقوم الثالث الذي يهم تمويل البحث, أكد على ضرورة الرفع التدريجي من نسبة الناتج الداخلي الخام المخصصة لتمويل البحث العلمي، لكي ترقى إلى نسبة 1% في المدى القريب، و1,5 % في 2025، و 2 % سنة 2030، مع التوجه نحو تنويع مصادر تمويل البحث بمؤسسات التعليم العالي وجعله موجها بالأساس نحو البحث التدخلي، ثم الحفز الضريبي للمقاولات التي تنتج أبحاثا، بشراكة مع الجامعة، ذات أهمية اقتصادية واجتماعية بالنسبة للبلاد، فضلا عن تقوية الصندوق الوطني لدعم البحث العلمي والابتكار، يمول من الدولة ومن الخواص ومن التعاون الدولي (الميثاق الوطني للتربية والتكوين – المادة 128). أما المقوم الرابع أشار مدون إلى ضرورة وضع نظام للحكامة والتدبير المعقلن بمؤشرات مضبوطة لتتبع وتقييم البحث العلمي والتقني والابتكار. وعلى غرار ذلك، يتعين وضع نظام مماثل لتتبع وتقييم البحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية والفنون والآداب، وتعزيز مكانتها باعتبار أهميتها في تأهيل الرأسمال البشري، وفي تنمية البلاد.