- مازلتم متمسكين بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وقد مر على المسيرة الوطنية من أجل نفس المطلب شهران ونيف دون جدوى! هل من خطوات لاحقة ؟ - الأمر لم يعد يعنينا وحدنا كمنتدى لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان،فالقضية مجتمعية وروادها الفاعلون السياسيون وصانعو القرار. صحيح أننا بصدد التحضير للطبعة الثانية من المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في غضون شهر مارس أي قبل دورة أبريل البرلمانية، ليتحمل الجميع مسؤولياته ويدمج التوصيات ومطلب تفعيلها وأجرأتها ضمن برامجه السياسية والانتخابية على السواء،لأنه اعتبارا من هذا التاريخ، ستنطلق الحملة الانتخابية الفعلية وقبل الأوان أقول هذا، وقد أنذرت أحداث العيون والاحتجاجات الاجتماعية في باقي مناطق المحيط والهامش المغربيين بوجود تجاوز تنظيمي وسياسي للأحزاب وكذا وجود تحد للمقاربة الأمنية، وصرنا أمام أمر واقع ينذر بكافة الاحتمالات خارج رقابة العقل السياسي والتحليل الفكري. - ألا ترى أن ما وقع في تونس من شأنه أن يؤثر على انتظاراتكم وكذا أجندة الدولة في العلاقة مع التوصيات ؟ - بلى، لقد حان الوقت لكي تتحمل الدولة كامل المسؤولية،خاصة وأن جميع التقارير المنجزة حول أحداث العيون ومخيم كديم إيزيك، تؤكد خطورة الوضع وسوء تدبيره بل وتطاول جهات غير مختصة ولا تملك الصلاحية والصفة الشرعية للمعالجة. إن السياقات الجارية مفيدة لنا كطيف حقوقي من أجل رد الاعتبار للحق في التنمية ضمن جبر الضرر الجماعي والفردي الحقيقي والمطابق للمعايير الدولية . - إن طريقة المعالجة الأحادية للقضايا المصيرية لم تعد وحدها تبرم توجساتنا وهواجسنا اليومية ،إنما أيضا «الضوء الأخضر» و«البطاقات البيضاء » التي سلمت لبعض الكائنات الانتخابية لكي تهندس مسارنا الوطني برعونة وطيش كاد يؤدي بمصير البلاد إلى الفتنة والحرب الأهلية من أجل كمشة مقاعد في صحرائنا الجنوبية،أحيلكم على تقرير اللجنة الحقوقية التي نحن عضو فيها.ما جرى في تونس يوحي بحلول خطيرة لسنا مؤهلين لتداعياتها. لقد أكدت التجربة التونسية أن تزيين الواجهة بشعارات الانفتاح والليبرالية والنماء الاقتصادي لم ينفع مع واقع مرير محسوس التدهور والتردي وملموس نتائج الانحسار في الحريات والكبت الثقافي،مما يؤكد صحة ما نعته الحركة التقدمية المغاربية والعالمية حول خطورة آثار سياسات التقويم الهيكلي اللاشعبية الظالمة،باعتبار أن الفقر ظلم فاضح .وأنا أتساءل مع الحكومة حول إرادتها في مراجعة مكتسبات صندوق دعم المواد الأساسية، استجابة لنصائح البنك العالمي الذي اتضح أنه لاتهمه إلا مصالحه بدليل نموذج تونس حيث تخلى الأصدقاء والحلفاء عن «حارسهم » في ضفة البحر الأبيض المتوسط. في نظركم من يعارض تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ؟ - تصوروا معي كيف أننا نظمنا يوم 31 أكتوبر 2010 مسيرة وطنية من أجل تطبيق التوصيات وكانت ناجحة كميا ونوعيا،غير أن جهات معينة غيرت الأنظار ب180 درجة نحو حرب كلامية صغيرة مع حزب في الخارج، وهي ذريعة حاول بها بعضهم تأجيل اللحظة الديمقراطية التي بدأت تلوح في الأفق من خلال انخراط أغلب مكونات الطيف الحقوقي والسياسي من جراء وقع مسيرتنا الوطنية،وأنا لاأتكلم عن ذوي النيات والغيرة الوطنية والديمقراطية الحسنة،إن هناك أطرافا وأجهزة داخل الدولة والمجتمع نفسه تعارض كل مشاريع التقدم والتنمية،كل من موقعه رغم الأقلية العددية لهذه اللوبيات المقاومة،وبالمناسبة وهي شرط،أذكر بأن هذه اللوبيات لم تحرك ساكنا عندما حاولت الولاياتالمتحدةالأمريكية تصدير «ديمقراطيتها » إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط،لقد عارضت القوى التقدمية والتحررية هذا التدخل «الديمقراطي»الإجباري بالمطالبة بالإصلاحات الذاتية للأنظمة بوضعها في إطارها الصحيح من حيث العلاقة بين الدولة والمواطنين،وليس في إطار علاقة المواجهة بين المجتمعات الوطنية والغرب لاسيما الولاياتالمتحدةالأمريكية،وقد أكدت التجربة والتاريخ هوية من يحمي فعليا الوطن وكرامة مواطنيه والسيادة والشرعية، بل أظهرت أن «الانقلابات» تخطط وتدبر من قبل المحيط والقاعدة الاجتماعية للنظام السياسي،وبالتالي نعتبر أن الإصلاحات تقوي الدولة بدل أن ترهنها ضعيفة أمام التحولات الدولية السريع. - ماهي عناوين هذه الإصلاحات الذاتية وما هي حدود علاقة الخارج بها ؟ - إننا لانعني سوى تعميق مشاركة المواطنين في صنع القرار،وتعزيز الشفافية والمساءلة والانتماء إلى حكم القانون . وإذا كان لابد من الاستعانة بالخارج، فنقتصر فقط على إعمال المعايير الدولية الخاصة بالمشاركة في الحكم و بناء الديمقراطية ضدا على إدارة «العملاء» الذين لا هم لهم إلا الحكم و لو على حساب وحدة الوطن والسيادة والقانون.ولقد صادق الملك على منتوج التسوية السياسية المدونة في تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، والذي تم تسويقه دعائيا إلى الخارج،وتبنته بعض الفعاليات البرلمانية وجعلت منه برنامجها السياسي والتأسيسي. - ألا يعني إعمال المعايير الدولية الخاصة بالمشاركة في الحكم مسا بالسيادة الوطنية عن طريق التحايل القانوني الدولي؟ - بل بالعكس إن إعمال المعايير الدولية يستند إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني اللذين يحرمان التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لأي بلد لأنها تؤطر المشاركة السياسية ضمن معايير إقامة العدل و حكم القانون. فمنظومة حقوق الإنسان التي بدأت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتطورت من خلال العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية و السياسية وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،وقد صارت الاتفاقيات ملزمة لكل الدول الموقعة على المواثيق ذات الصلة،بل يمكن القول بأن صفة الإلزام انتقلت إلى كل دولة تعترف بالقانون الدولي كمصدر من مصادر التشريع فيها،هذه المنظومة على الأقل تحمي الدول نفسها تجاه الاختراقات الاقتصادية والمالية التي غيرت من مفهوم السيادة الوطنية بأن صارت المجتمعات رهينة السياسات النيوليبرالية التي يهندسها الرأسمال العالمي عبر الشركات المتعددة الجنسية والمؤسسات المالية الدولية،وقد عشنا في وطننا ومازلنا نعيش آثار سياسة التقويم الهيكلي السيئة الذكر. - ماهي الحلول في نظركم في الحالة المغربية ؟ - الدولة في عهدها المسمى جديدا في حاجة إلى دستورها الخاص والذي به ستقطع مع دولة الراحل الحسن الثاني، ويبدو أن الدولة لم تجدد دماءها بنخبة جديدة ومازالت تعمل بدستور متقادم لايليق بتنمية مواطنة منشودة،وأمام فشلها في تطبيق التزاماتها وتوصيات مستشاريها كحد أدنى؛فإنه لايسعني إلا القول بأن الانتقال يمشي على رأسه، وبدل أن نلمح مؤشرات عدم التكرار بدأنا نعايش مؤشرات مؤسسة تكرار الماضي الموؤود فرضا ،أما الحلول فكنا نصبو إلى طي صفحة الماضي الذي واجه فيه العهد السابق انتظارات المجتمع بالقمع والاضطهاد،والآن فينبغي دمقرطة الحوار العمومي وتوسيع الحريات، كنا ومازلنا نتمنى أن توجه إلينا الدولة هذا السؤال في إطار الإشراك في الهم التنموي ،وهذا يعني بالأساس أن الحل في التنمية حرية والتنمية تربية،فلا تنمية بدون إطلاق المبادرات في الإبداع والتعبير والمشاركة في التفكير والتنفيذ،ولا تنمية بدون دمقرطة المعرفة بتعميمها واقتسام المعلومة،ولقد اثبتت التجربة التونسية كيف أن جيش العاطلين حركتهم ثورة «الإنترنيت » التي فكت عنهم الحصارالإعلامي وعبأتهم كمنظم جماعي. وفي نظري، ينبغي تقدير مستوى النضج الذي بلغه الوعي المجتمعي في علاقته بالتعبير الحر والاحتجاج السلميين والحضاري،هذا السلاح الذي صار يخيف الأنظمة البوليسية ويكذب لها حقيقتها الأمنية الخرافية،لأن من يملك الحقيقة الاجتماعية والمعلومة، يملك الشارع، ويملك كل وسائل التأثير والضبط . ومن الأفضل أن نحاسب مؤسساتيا على أن نحاسب على الطريقة التونسية، والمشاركة والإشراك السياسي في التدبير وفق المقاربة التشاركية الديمقراطية يتيح فرصة توزيع وتقاسم المسؤولية اقترانا وتضامنا، ويفوت الفرصة على «الخارج» من إمكانيات توريط الدولة في الفساد والإفساد بواسطة عملائه ووسطائه المندسين باسم جلب الاستثمار وجلب الخبرات التقنوقراطية،مما يستدعي رد الاعتبار للكفاءات الوطنية والعمل السياسي النبيل وتخليق الحياة العامة .