«عبد الرحيم بوعبيد شخصية ذات تفكير عميق في الأشياء مشفوع بشجاعة في المبادرة واتخاذ المواقف الايجابية في المراحل الدقيقة من حياة المغرب وحياة الاتحاد الاشتراكي كحزب ينشد التغيير،وكان بوعبيد يعتبر العمل الوحدوي ما بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال أمرا أساسيا، ولهذا وافق على الاتفاق السري الذي حدث سنة 1991 ما بين اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال والمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وهو ما أسفر عنه صياغة المذكرة الشهيرة حول الاصلاحات. تلك المذكرة التي تم تقديمها للملك الراحل الحسن الثاني في اكتوبر 1991 أي ثلاثة أشهر قبل وفاة عبد الرحيم بوعبيد. واللافت في شخصية الرجل هو تواضعه الجم، ذلك التواضع الذي جعله يزهد في منصب الكاتب الأول خلال المؤتمر الاستثنائي سنة 1975 وقد عانينا أنا والشهيد عمر بنجلون الامرين في إقناعه بالقبول» هكذا يستحضر محمد اليازغي شخصية الراحل عبد الرحيم بوعبيد, ذلك القائد الاتحادي الكبير, ويمكن القول أن تعرف اليازغي على عبد الرحيم بوعبيد كان على مراحل ومحطات «في الواقع عندما انخرطت في حزب الاستقلال أواخر سنة 1950 كان أول من تعرفت إليه من قادة الحزب هو المهدي وذلك قبل أسابيع من نفيه من طرف المقيم العام الفرنسي ولكنني كنت أسمع عن عبد الرحيم بوعبيد كمسؤول عن النضال النقابي الذي كان ينخرط فيه العمال المنتمون للحزب داخل المركزية النقابية الفرنسية, وكان بوعبيد هو الذي دعا إلى القيام بإضراب عام تضامنا مع الشعب التونسي إثر اغتيال فرحات حشاد, كما أنني كنت معجبا بالافتتاحيات التي كان ينشرها عبد الرحيم طيلة الفترة الممتدة ما بين سنة 1950 وسنة 1952 في جريدة الاستقلال الناطقة بالفرنسية، وكانت افتتاحيات بليغة وعميقة شكلت صوتا متميزا للدفاع عن حق المغرب في استقلاله. لكن الاتصال الأول المباشر مع عبد الرحيم بوعبيد سيكون سنة 1956 عندما سيتم تعيينه وزيرا للاقتصاد والمالية، وكنت أشغل آنذاك منصب مفتش بمديرية الميزانية بوزارة المالية, وهنا بطبيعة الحال تتبعت وعايشت الجهود والخطوات الجبارة التي قادها سواء على صعيد تحرير الاقتصاد المغربي أو على مستوى فك الارتباط بالفرنك الفرنسي، عبر إنشاء الدرهم المغربي وتأسيس بنك المغرب» وماذا عن المحطات الحزبية في تلك المرحلة؟ «عندما أوشكت انتفاضة 25 يناير أن تقوم, كان لنا مع مجموعة من الشباب لقاء مع عبد الرحيم بوعبيد لمناقشة الأزمة التي كان يعانيها حزب الاستقلال في تلك الفترة, وشعرنا خلال هذا اللقاء ان بوعبيد كان يفضل الحفاظ على وحدة الحزب ومعالجة المشاكل داخل الحزب ، لكنه انساق في النهاية مع اخوانه واختار ألا يكون بعيدا عنهم. وبعد ذلك توطدت العلاقة بيننا وزادتها الأحداث المتوالية التي ميزت تلك الفترة تمتينا, خاصة مع محنة الاعتقال سنة 963 1,حيث اعتقلت لمدة 33 يوما، وعندما أطلق سراحي عزمت على السفر إلى الخارج واستشرت عبد الرحيم في الأمرو الذي حاول اقناعي بالعدول عن فكرة السفر، لكن الامور كانت قد تفاقمت, فقررت العمل إلى جانب اخواني في الخارج, وطبعا عدت إلى المغرب بعد الانفراج الذي لاحت بوادره بعد انتفاضة مارس سنة 1965 حيث تعبأت أنا والأخ عمر بنجلون وباقي الاخوة لتصحيح الوضع داخل الحزب, وكان عبد الرحيم بوعبيد هو قائدنا الذي سيقود انتفاضة 30 يوليوز 1972 بغية اخراج الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من الجمود وفسح المجال أمام الشباب المغربي للانخراط في العمل النضالي الديمقراطي. وأذكر أنه قبل هذه الانتفاضة اجتمع اعضاء اللجنة المركزية واللجنة الادارية في دار الحاج ادريس بنبركة, حيث تم اتخاذ قرار بإبعاد العناصر البيروقراطية من قيادة الحزب والشروع في التحضير للمؤتمر الوطني. وفي يناير 1973 توصلت بالطرد الملغوم الشهير الذي جعل عبد الرحيم بوعبيد يثور ويزداد عزما على التغيير. وهكذا بدأ التحضير للمؤتمر الثالث الذي قررته اللجنة المركزية المنعقدة بفاس وأنا في المستشفى. لكن احداث مارس 1973 اوقفت التحضير ليستأنف سنة 1974 لعقد المؤتمر الاستثنائي في 75 وتم اعداد ثلاثة مقررات . التقرير الايديولوجي والذي حضره عمر بنجلون والتقرير السياسي الذي اعده عبد الرحيم بوعبيد والمقرر التنظيمي الذي حضرته انا, وفيما يخص التقرير الايديولوجي كان عبد الرحيم بوعبيد حريصا على مراجعة مسودته الاولى حتى لا يغلب عليه الطابع النظري. وكان بوعبيد يسعى من وراء ذلك ايجاد مرونة في التحليل تسمح بإعطاء أدوات عمل لتعبئة الجماهير بعد إقناعها بالاشتراكية. هل راجع المقرر التنظيمي الذي حضرته؟ «لا, كان متفقا عليه والمقرر كان وثيقة داخلية, وتجدر الاشارة إلى ان التقرير السياسي لبوعبيد حدد الخط السياسي للحزب. نعود إلى قضية الاستفتاء ومحنة ميسور, هل توطدت العلاقة بينكما أكثر؟ «لقد عبر عبد الرحيم بوعبيد عن قناعته داخل المكتب السياسي بخصوص اجراء الاستفتاء في الصحرآء, معتبرا تنظيم هكذا استفتاء دون شروط وربطه باستفتاء وطني أمر غير مقبول, خاصة وأن الحملة الدعائية التي كانت تروج لها أجهزة الاعلام المغربية كانت توحي بأن موضوع الصحراء انتهى بعدما قال الملك بالاستفتاء. وقد صاغ عبد الرحيم بيان المكتب السياسي في الموضوع وكانت فيه عبارات لم ترق الحسن الثاني.. وكان يتوقع كل ما يمكن أن يحدث أثناء صياغة البيان بما في ذلك السجن. اثناء الاعتقال ما الذي لفت نظرك في يوميات عبد الرحيم بوعبيد؟ «كان عبد الرحيم كما هو دائما شجاعا وبمعنويات مرتفعة وايمان بالأهداف, لكن سوف يحدث شيء سيؤلمه ويؤلمنا جميعا إنه تراجع الفريق البرلماني .فقبل الذهاب إلى ميسور عبرنا عن رفضنا بتمديد الولاية التشريعية لمدة سنتين, لكن الاخوة لم يصمدوا على هذا الموقف وكان ذلك مؤلما. كيف تقيم اليوم العلاقة الجديدة التي كانت بين بوعبيد والحكم؟ «عبد الرحيم بوعبيد كان ينتمي لحزب له أهداف والوسائل الموصلة لتلك الاهداف مسألة اساسية, والعلاقة مع الحكم كانت مبنية على المبادئ وعلى المرونة والتعامل حسب الظروف في نفس الوقت». كيف عشت الأيام الاخيرة لعبد الرحيم؟ «قبل وفاته بثلاثة أشهر, كان الحدث السياسي الهام هو الاتفاق على مذكرة الاصلاحات مع حزب الاستقلال، وأذكر أنني زرته في باريس حيث قدمت مشروع المذكرة التي سيوقعها بعد عودته إلى المغرب رحمه الله»