أظهر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما، من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك أول أمس، رؤيتهما المختلفة لمدخل التسوية في سوريا، لكن مواقفهما التقت على ضرورة فتح باب التسوية، بل إن الرئيس الاميركي أعلن أمام زعماء العالم، أنه مستعد للعمل الى جانب ايرانوروسيا للتوصل الى هذا الحل، وذلك على الرغم من الموقف التقليدي لأوباما الرافض لبقاء الرئيس السوري بشار الاسد. وعلى الرغم من هذا التباين والالتقاء، الا ان المشهد الأوسع للصورة بالأمس في نيويورك، هو ان روسيا قدمت نفسها كلاعب دولي له وزنه الذي لا يمكن تجاهله، اذ اعلن بوتين وهو يهاجم الاعتداءات «السافرة» التي قام بها الغرب في المنطقة، بوضوح انه ماض في خوض المواجهة مع الارهاب لا في سوريا وحدها، وانما في العراق ايضا، داعيا الدول الاخرى الى الانضمام اليه في هذه الحرب مثلما فعل الحلفاء قبل 70 سنة عندما واجهوا سوية «الشر النازي» ووجه بوتين انتقادا لاذعا إلى واشنطن والدول التي تدعم المسلحين «المعتدلين» الذين ينتقلون مع أسلحتهم إلى «داعش» الذي تم تربيته لإسقاط أنظمة غير مرغوب فيها، محذرا من أن عناصر التنظيم ليسوا جهلة و«من السابق لأوانه معرفة من سيستغل من». وحرص بوتين على التذكير بالفشل الغربي في ليبيا الذي اوصلها الى ما آلت اليه من تدهور، ليؤكد هنا ان موسكو ماضية في قرارها دعم الدولة السورية وقواتها المسلحة في مواجهة الإرهاب وجاء خطابا أوباما وبوتين، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم لقاؤهما المنفرد في ما بعد، كمثال على ما يمكن أن يتمخض عن اجتماعهما وجها لوجه، وهو الأول بينهما منذ حوالي العامين، وتناول بحث الأزمات حول العالم، خصوصا سوريا واليمن وأوكرانيا. وتصافح الرئيسان خلال عشاء أقامه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لزعماء الدول. وكان بارزا أن بوتين لم يكن حاضرا في قاعة الأممالمتحدة عند إلقاء أوباما لخطابه. ومد أوباما يده بحذر إلى روسيا وإيران، مقترحا العمل معا لإنهاء سفك الدماء في سوريا. وقال «الولاياتالمتحدة مستعدة للعمل مع كل الدول بما فيها روسيا وإيران لحل النزاع، ولكن ينبغي أن نقر بأنه بعد هذا الكم الكبير من المجازر وسفك الدماء، لا يمكن العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل الحرب». وانتقد داعمي الأسد الذي وصفه بأنه «طاغية وقاتل أطفال»، داعيا إلى عملية انتقالية تؤدي إلى رحيل الرئيس السوري. وقال «عندما يقتل ديكتاتور عشرات الآلاف من أبناء شعبه، فإن هذا لا يعود شأنا داخليا في بلده فذلك يتسبب بمعاناة إنسانية بحجم يؤثر علينا جميعا». وأضاف «الواقع يحتم التوصل إلى حل وسط من أجل إيقاف الاشتباكات المسلحة، لكن الواقع يحتم وجود مرحلة انتقالية منظمة من الأسد إلى رئيس جديد مع حكومة شاملة» لكن بوتين رد بقوة على خطاب أوباما. وقال إنه بعد انتهاء الحرب الباردة ظهر الغرب على انه «مركز الهيمنة الجديدة» في العالم وتولى بغطرسة حل النزاعات بنفسه من خلال القوة. وحمل بوتين واشنطن مسؤولية تدفق الإرهابيين إلى المنطقة، وذلك بعد عدوانها السافر على العراق وليبيا. وقال «حاليا نشهد نفس العدوان السافر من خلال دعم ما يسمى المعارضة المعتدلة (في سوريا)، حيث يتم تدريبهم وتسليحهم ثم ينتقلون إلى الدولة الإسلامية، التي تم تربيته كوسيلة لإسقاط أنظمة غير مرغوب فيها، وتنظيم الدولة يقوم بالزحف إلى مناطق متعددة في الشرق الأوسط والعالم. لا يمكن الحديث هنا عن خطر الإرهاب العالمي من جهة ومن جهة أخرى التغاضي عن قنوات التمويل، بما فيها تجارة الأسلحة وتجارة النفط غير الشرعية. أولئك الذين يفكرون بهذا الشكل نقول لهم انتم تتعاملون مع رجال قساة لكنهم ليسوا جهلة ومن السابق لأوانه معرفة من سيستغل من. والمعلومات الأخيرة حول تسليم الأسلحة الأميركية إلى الإرهابيين من قبل المعارضة المعتدلة أفضل مثال على ذلك». وقال «روسيا كانت دائما تواجه الإرهاب، ونحن اليوم نقدم مساعدة عسكرية وتقنية للعراق وسوريا وغيرهما من الدول في المنطقة التي تواجه الإرهاب. ونعتقد أنه سيكون خطأ فادحا التخلي عن التنسيق مع الحكومة السورية والجيش السوري الذي يواجه الإرهاب، ويجب الاعتراف بأنه ليس هناك أي قوة فعالة أخرى تواجه الدولة الإسلامية والتنظيمات الإرهابية سوى الجيش السوري ووحدات الحماية الكردية، وعلينا أن ننطلق من هذه الحقيقة. نحن لا نستطيع أن نتحمل أكثر من ذلك». ودعا دول العالم إلى «تقديم مساعدة إلى الحكومة الشرعية في سورياوالعراق ومؤسسات الدولة في ليبيا». ودعا بوتين إلى «تشكيل تحالف حقيقي لمواجهة الإرهاب الدولي على غرار التحالف الذي كان يواجه الشر النازي». وجاءت كلمة الرئيس الإيراني حسن روحاني متناغمة مع تصور بوتين، حيث دعا إلى تحالف دولي ملزم لمحاربة الإرهاب وعدم السماح لأي دولة باستخدام الإرهاب كأداة للتدخل في شؤون الدول الأخرى. وحذر روحاني، الذي التقى بوتين، من انه «إذا أردنا النجاح في محاربة الإرهاب، لا يمكننا إضعاف الحكومة في دمشق، والتي يجب أن تكون قادرة على مواصلة القتال». وأضاف «إذا أخرجنا الحكومة السورية من المعادلة، فان الإرهابيين سيدخلون دمشق، وسيسيطرون على البلد بأكمله الذي سيتحول إلى ملجأ آمن للإرهابيين». وأعلن استعداد طهران للمساعدة في اجتثاث الإرهاب من المنطقة، ونشر الديموقراطية في سوريا واليمن. وكان بان كي مون رمى كرة حل الأزمة السورية في سلة خمس دول، معتبرا أن الولاياتالمتحدةوروسيا والسعودية وإيران وتركيا تملك مفتاح الحل السياسي للصراع. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند استبعد الأسد من أي حل سياسي. وقال إن «وجود تنظيم إرهابي (داعش) يرتكب المجازر ويقتل ويغتصب ويدمر التراث الأساسي للإنسانية لا يبرر نوعا من الصفح والعفو عن النظام الذي تسبب بنشوء هذا الوضع. كلا». وإذ تطرق إلى «التحالف الواسع» الذي طالب به بوتين، اعتبر هولاند أن هذا التحالف «ممكن ومأمول به وضروري» لكنه أكد أن «هذا التحالف يجب أن يتمتع بأساس واضح وإلا فانه لن يبصر النور أبدا»، لكنه أبدى أسفه لكون «بعض الدول تريد إشراك بشار الأسد في هذه العملية». وحاول الاستفادة من موضوع الهجرة لتسويق الفكرة التركية عن «منطقة حظر طيران» في شمال سوريا. وقال «سيبحث (وزير الخارجية الفرنسي) لوران فابيوس في الأيام المقبلة حدود المنطقة وكيف يمكن تأمين هذه المنطقة وما الذي يفكر فيه شركاؤنا». وأضاف «يمكن أن يجد (الاقتراح) مكانا له في قرار لمجلس الأمن الدولي يضفي شرعية دولية على ما يحدث في هذه المنطقة». وبرأي العديد من المتتبعين والمراقبين فإن نوايا الرئيس الروسي واضحة وتتلخص في هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» ومساندة النظام السوري انطلاقا من أن الأسد يمثل «حصنا» في وجه المتطرفين، بينما ترفض الولاياتالمتحدة أي حل سياسي يتضمن بقاءه في العملية السياسية لأنها ترى في بقاءه «استمرارا لتأجيج الصراع الطائفي». وإذ يؤكد أن موسكو لن تشارك مطلقا في حرب برية ضد «داعش» في سوريا، لم ينف بوتين إمكانية توجيه ضربات روسية ضد التنظيم في سوريا. وتحدث بوتين عقب محادثات دامت حوالي تسعين دقيقة مع أوباما عن «لقاء بناء وعلى قدر كبير من الانفتاح»، مشيرا إلى استعداد موسكو لتحسين علاقاتها مع واشنطن والعمل على تجاوز الخلافات الراهنة».