1 - الورقة الأولى : وحده يحمل هم وجهه.... وجها يسافر بعيدا في شرود القصيدة بحثا عن وهج الحروف.... ....،ولأن رأسه مضمار خيول برية ممعنة دوما في الهروب ، ترفس بحوافرها في غياهب جمجمته المحشوة بكل الأسئلة قديمها وحديثها ...... إنه الآن يجالس ذاته هناك على كرسي في أقصى ركن من القصيدة ، يسائلها يتأملها بنظراته الثاقبة ،وبدهشة شعرية كاشفة لامتداداتها فيه ... ونظرا لهذا كله هاهو يسقط شقيا ذات غواية أسفل رؤاه مدرجا بأحلامه / بخيباته / بهزائمه / بفداحاته / .......واندحاراته ....تكتبه ويكتبها . 2 - الورقة الثانية : تبقى اللغة هي المادة الأولى التي منها وبها يتشكل البناء الشعري. وإذا كان النثر يستخدم هذه اللغة ،فإن ثمة فروق جوهرية بين لغة الناثر ولغة الشاعر ،فلغة الناثر وسيلة في ذاتها تؤدي غرضا وتوصل إلى غاية ومضمون مرسوم له سلفا . أما لغة الشاعر فهي تنأى وتنفلت عن التحديد و الغرضية ،ويستحيل الفصل بينها وبين الكيان النفسي و الوجداني و الانفعالي للذات الشاعرة إذ تتماهى فيه ويتماهى فيها . و الشاعر يحس دوما أن الأشياء والعالم حوله يندان عن الوضوح والتحديد ،واللغة هي وحدها الكفيلة بالكشف و والتعبير عن كنههما ، فهي تتماهى مع ذاته و حالاته النفسية، وذلك من أجل ابتكار أساليب و سياقات تركيبية و انزياحات خاصة بها تختلف اختلافا كليا وجوهريا عن استعمالاتها العادية في التواصل أو عند الناثر. 3 - الورقة الثالثة : صديقي الشاعر....هذا الذي مايزال يحمل هم وجهه ،يقتفي أثر لغة : « تختصر كل شيء : العطور ،والأصوات ، والألوان ....» على حد تعبير أرثر رامبو . صديقي الشاعر مذ حمل هم وجهه وهو على قلق كأن تحته الريح ،والقصيدة بالنسبة إليه خيمة يحملها ،ينصبها ويقيم تحتها أنى شاء في أرض وسماء الله الواسعتين ،وبما أنه ليس في الشعر ما هو نهائي محسوم تماما مثل أي تساؤل فلسفي وجودي ،فإن الشاعر اللغافي منذ مجموعاته الشعرية الأولى : 1 - وحدي أحمل هم هذا الوجه 2 - حوافر في الرأس 3 - امتدادات 4 - الكرسي وهو يبحث عن ذاته الشاعرة وعن بصمته الخاصة ، منصتا لتجربته الذاتية الداخلية بما تجيش به من انفعالات و قلق و تساؤلات وخيبات و أفراح...وهي شروط كفيلة أن تؤسس لقصيدة حرة غير تابعة أومكرورة أو نمطية ...قصيدة رحبة الجمال متعددة الموضوعات ولا أقول هنا المواضيع وتجعل الشاعر ذا موفق من العالم والأشياء من حوله . 4 - الورقة الرابعة : ليست القصيدة حلما قسريا ، بل هي رؤيا منبثقة عن تدبر واع ، وبحث حثيث للشاعر في امتداد لتجربة أربعين سنة أوما يزيد ، تجربة اختزنت و غذت نفسها بنسغ ضاربة في جمالية اللغة وعمق الفكرة ، اختمرت وتعتقت بكامل أوجها وألقها . « يسقط سهوا « نصوص بالغة الفتنة مفرطة في غوايتها الشعرية ، تجيش حسا ورهافة ، وتحاصر حواسك بدهشة متوترة ، كلماتها تنساب انسياب نهر يحفر مجراه عميقا...عميقا. وللأشياء في نصوص المجموعة بعد آخر غير ما تحمله أسماؤها من دلالات قسرية محدودة في قواميس اللغة : فللوردة وللنجمة ولساعة الحائط ،وللوحة الموناليزا و...و.... و...دلالات وإيحاءات أخاذة بعيدة الرؤية تنم عن شاعرية خصبة ، بل حتى الأيام لا تشبه أيام الأسبوع العادية ف»السبت يطل عليك بلا مساء «،و الثلاثاء «يصطدم بجدار من حديد « ...إنه حلم شعري عميق الدلالات والإيحاءات تحتاج معه إلى مفسر أحلام حاذق ، أو قراءة مستبصرة نفاذة .... رؤى وأحلام شعرية تتمنى معها القارئ ألا يفيق كأنه غارق في سكر يأخذ القلب والخاطر.. « يسقط سهوا « باقة نصوص ترجك ....تقلقك...لا تسلمك إلى سكينة أو مصالحة مع ذاتك ، لا تجد بها جوابا ...لأنها تطوح بك بعيدا في دوامة أسئلة تتناسل باستمرار ، وهذه هي متعة القراءة الحقة التي تمنحها لك كل تجربة عميقة مبنية على أسس من لاشتغال المتواصل و الكد والحفر و الهدم والبناء....