يتعرض روبرت موغابي، الذي يسير زيمبابوي بقبضة من حديد منذ استقلال هذه المستعمرة البريطانية السابقة في 1980، لضغوطات متنامية من أجل التنحي عن السلطة، وذلك على خلفية أزمة اقتصادية حادة تعصف بهذا البلد في إفريقيا الجنوبية. ويتعرض موغابي، البالغ من العمر 91 سنة، لانتقادات معارضيه بسبب "تدبيره الكارثي" للملفات الاقتصادية لبلد أضحى يعيش أزمة سياسية كبرى، مما جعل الأصوات تتعالى في صفوف المعارضة، داعية إلى الإطاحة بموغابي. ويجبر الفصل 109 من دستور زيمبابوي الحكومة على المصادقة على ملتمس رقابة، في حال تبنيه من قبل ثلثي برلمان البلاد. غير أن المؤسسة التشريعية خاضعة لهيمنة حزب موغابي، مما يجعل من الصعب الإطاحة بموغابي عن طريق التصويت بالبرلمان. ويعتبر محللون متخصصون في قضايا زيمبابوي أن فرضية مماثلة تظل على الرغم من ذلك قائمة لا سيما وأن موغابي لم يعد مرحبا به من قبل العديد من أعضاء حزبه السياسي، الذين يرغبون في رحيل قائدهم. واتخذ النداءات من أجل رحيل موغابي منحى آخر خلال الأسبوع الماضي عقب خطاب حول وضع البلاد للرجل القوي في هاراري. فالخروج الإعلامي لموغابي الذي اعتبر "مخيبا للأمل" من قبل مناصري حزبه، لم يقدم الجديد من أجل إنقاذ البلاد من التوترات الاجتماعية التي تتزايد حدتها، حسب المحللين، الذين يشيرون إلى أن الوضع تفاقم بسبب الاتهامات بالرشوة التي تحيط بالحكومة. وابرز وزير المالية السابق، تينداي بيتي أن الخطة التي أعلن عنها موغابي في هذا الخطاب لإنقاذ اقتصاد البلاد ليست جديدة، مبرزا أن الخطاب كان موجها لتحويل الانتباه عن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد. فاقتصاد زيمبابوي الذي حقق معدل نمو ناهز 9.2 بالمائة ما بين 2009 و2013، يوجد اليوم في وضعية ركود حاد، إذ يتوقع الخبراء تسجيل معدل ناقص 3 بالمائة في 2015 وناقص 7 في 2016. ويعد الانكماش والعجز في الميزانية غير المسبوقان، وانهيار الطلب، والبطالة الكثيفة فضلا عن النقص الكبير في الاستثمارات، أهم خاصيات زيمبابوي اليوم، التي توجد حسب المحللين، على شفير انفجار اجتماعي وانعدام استقرار سياسي ذي تبعات جسيمة. ولبدء التغيير على أعلى مستوى في هرم الدولة، أحدث المعارضون مجموعة ضغط أطلق عليها اسم مجموعة التجديد. ونقلت جريدة "ذو ديلي نيوز" اليومية عن جاكوب مافومي، المتحدث باسم المجموعة قوله "يجب الإطاحة بالرئيس، لأن الأمر يتعلق بمستقبل البلاد. إن الأمر يتعلق بقضية أمن وطني". وتدعو المجموعة إلى إطلاق أرضية وطنية تضم كافة التيارات السياسية في البلاد بهدف رفع مقترح ملتمس الرقابة ضد الحكومة بالبرلمان. "الوضع الراهن للاقتصاد وتفكك النسيج الاجتماعي يستدعيان تصويتا آنيا"، يضيف مافوم، الذي يمضي بعيدا في تبريره للإشارة إلى أن موغابي يجب أن يغادر السلطة بصفته رئيس هذه الحكومة. وعبر حزب المعارضة إم دي سي، عن طريق المتحدث باسمه أوبرت غوتو عن إرادته المشاركة في الحركة ضد الرئيس موغابي كوسيلة لإخراج البلاد من أزمتها. هذا الحزب الذي يسعى لأن يكون الأكثر شعبية، اقترح عقد مؤتمر وطني لمناقشة الوضع. يقول غوتو "حان الوقت بالنسبة لموغابي ليغادر، إذ أنه ليس قادرا، بالنظر لسنه المتقدم، على ضخ التغيير الضروري للبلاد". وفضلا عن الإصلاحات السياسية، يطالب مناهضو موغابي بانخراط ديمقراطي حقيقي في بلادهم. وفي هذا الصدد، يبرز نكوبي أن "زيمبابوي في حاجة لنظام دستوري قائم بذاته لتمكين الشعب من العيش في حرية والتصويت في انتخابات نزيهة وشفافة وذات مصداقية"، منتقدا إقدام الحزب الحاكم على شل البرلمان بسبب هيمنته. وفي خضم هذا الغضب المتصاعد، يواصل أنصار موغابي الدفاع عن الإنجازات الاقتصادية لرئيسهم، الذي وضع، حسب هؤلاء، أسس الاقتصاد الزيمبابوي الحديث. من جانب آخر، تعتبر التقارير الدولية أن زيمبابوي في حاجة لتغيير سياسي لتحتفظ بالأمل في التمكن من الخروج من الأزمة المتعددة الأبعاد، مشيرة إلى أن الكلمة الأخيرة ستكون للجيش في هذا السياق. إذ سيقوم الجيش بكل ما في وسعه لتمكين أحد أعضاء الجهاز العسكري الأمني من تولي الرئاسة بعد رحيل موغابي، يقول المحلل بيدزيسايي روهانيا، مضيفا أن المتشبثين بالنظم الأمني سيبذلون ما في وسعهم للدفع بمرشح من الحرس السابق لتولي زمام الأمور في البلاد. ويذكر المحللون في هذا السياق، بالتصريح الذي أدلى به قائد قوات الدفاع فيتاليس زفينافاش بمناسبة الانتخابات الرئاسية، أشار فيه إلى أن "المنظمات الأمنية لم تدعم سوى قائد قادر على النهوض بالقيم والتقاليد والمعتقدات الزيمبابوية التي ضحى من أجلها آلاف الأشخاص خلال الكفاح من أجل الاستقلال». «من هذا المنطلق، فإن الجهاز العسكري الأمني سيعرقل أي مرشح لا يستجيب لمعاييره الخاصة»، يضيف المحلل روهانيا. ويوضح الأكاديمي إيبو ماندازا بهذا الخصوص أن موغابي يدين ببقائه في المعترك السياسي للسيطرة التي أحكمها طيلة سنوات حكمه على المؤسسات العسكرية والأمنية، مضيفا أن الجيش يظل في قلب الحياة السياسية للبلاد، ويرتقب أن يضطلع بدور حاسم في قضية خلافة الرئيس موغابي.