أكّد الدكتور ادريس رشد، الطبيب العام والاختصاصي في التغذية والحمية الطبية، الذي هو ضيف حوار صفحتنا الطبية لهذا الأسبوع، على كون المعلومة التي هي في متناول الأطباء على وجه التحديد، بما أننا نتحدث في المجال الصحي، لايجب أن تبقى حكرا عليهم، لايدلون بها إلا خلال فحصهم للمرضى، سواء بالمستشفيات أو العيادات الخاصة، هذا لو أدلوا بها، بل هي علمٌ بفعل إدراك عقلي وجب تعميمه حتى تسود النصيحة الصحية سواء في الجانب الوقائي أو في الشق العلاجي، محمّلا المسؤولية كذلك لوسائل الإعلام التي دعاها للانخراط في هذا البعد التوعوي التثقيفي وأن تخصص حيزا ومساحات مهمة في هذا الصدد لقرائها ولمتتبعيها. دعوة الدكتور ادريس رشد للتواصل والمساهمة في نشر ثقافة صحية ليست بالغريبة على يومية "الاتحاد الاشتراكي" التي ظلت رائدة في التعاطي مع القضايا الصحية، وخصصت حيزا من صفحاتها على الدوام لهذا الباب، لكن واقع الأشياء يؤكد على أن هاته الدعوة يبدو أنها لاتجد صداها عند "أهل الدار" من بعض مهنيي الصحة، بل الأكثر من ذلك أن عددا منهم لايجد حرجا في التعامل مع هذا الموضوع بنوع من اللامبالاة والاستهتار، علما بأننا لانتحدث عن الإفصاح عن أسرار تدخل في نطاق السر المهني لبعض الأطباء والمسؤولين في وزارة الصحة، التي هي الأخرى فيها نقاش إذا ما استحضرنا المادة 27 من دستور فاتح يوليوز 2011، التي تشير بالنص الصريح إلى أن "للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العمومية، ولا يمكن تقييد الحق في المعلومة"، والتي تعد وحدها كافية دون الرجوع إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 91 وغيرها، بل نحن نتحدث عن قضايا صحية عامة لها راهنيتها وأهميتها عند المواطنات والمواطنين. ومناسبة القول توصلنا بدعوة من وزارة الصحة بتاريخ 4 غشت، صادرة عن المركز الجهوي لتحاقن الدم بالرباط، التي تدعو المواطنين إلى التبرع بالدم بشكل مستعجل نظرا للنقص الذي لوحظ في أعداد المتبرعين مقابل ارتفاع أعداد المحتاجين لعمليات نقل الدم، وبما أن الموضوع له أهميته القصوى ولأن الأمر يتعلق بقضية حساسة، بادرنا إلى الاتصال الهاتفي في اليوم الموالي بطبيبة أمراض الدم والمكلفة بالتواصل الدكتورة نجية العمراوي بالمركز الوطني لتحاقن الدم، وأخبرناها برغبتنا في إجراء حوار نتطرق من خلاله إلى وضعية مخزون الدماء على الصعيد الوطني، والأسباب التي تؤدي إلى تسجيل خصاص كل سنة خلال فترة الصيف بالخصوص، والعوامل التي تؤدي إلى عدم الإقدام على التبرع بالدم بالشكل الكافي، والتعريف باستراتيجة توضيح المغالطات المنتشرة والتشجيع على التبرع بالدم، لو وجدت، وغيرها من الأسئلة حتى نساهم في إيصال هاته الرسالة إلى قراء الجريدة مساهمة من "الاتحاد الاشتراكي" في التأكيد على أهمية التبرع بالدم وإنقاذ حياة الأرواح، فارتبكت متحدثنا متسائلة إن كانت مطالبة بالأجوبة هاتفيا في حينه، فقمنا بعرض مجموعة من الخيارات استقرت من بينها على أن ترسل لنا رسالة نصية قصيرة تتضمن عنوان بريدها الالكتروني كي نوجه من خلاله الأسئلة فتجيبنا كتابة في أقرب وقت، وبالفعل وجّهنا لها الأسئلة وانتظرنا انصرام يومين فشرعنا في بعث الرسائل النصية تباعا لتذكيرها باستعجالية توصلنا بالأجوبة لأن الموضوع هو بالغ الأهمية، وبأن الظرفية الزمنية لاتتحمل تأخيرا، فلم نتوصل بأي جواب، فانتقلنا إلى الاتصال الهاتفي بها، وظلت مكالماتنا هي الأخرى بدون ردّ إلى يومنا هذا؟ ليست الدكتورة نجية العمراوي التي نهجت هذا الأسلوب في "التواصل"، بل سبقها في ذلك مدير مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض البروفسور عبد الرحمان المعروفي، الذي بدوره نحتفظ برسائل عدة وجهناها له ظلت دون جواب، وتبين لنا أن هذا المسؤول الذي خلف الدكتور عمر المنزهي، يحب الظهور من خلال شاشة التلفاز ويختارها وسيلة "للتواصل" مفضلا إياها عن وسائل أخرى، ولايهتم بالرد على المكالمات الهاتفية والإجابة عن الرسائل النصية القصيرة التي يتوصل بها؟ تواصل وإن ظل يردده كلفظة/مصطلح بدون مدلول عدد من المسؤولين خلال اللقاءات العامة، فإنه يتبين من خلال الممارسة اليومية على أنهم يريدونه، لو "تواصلوا" فعلا، أن يكون على المقاس، فيبلغون الرسالة التي يريدون توجيهها من خلال وسائل الإعلام إلى من يهمهم الأمر، ويتغاضون عن أشياء/قضايا أخرى إن بدت تفاصيلها/ملامحها قد تسؤهم، وهنا أستحضر بعض عناوين إقبار المعلومة، التي قد يجد فيها بعض المسؤولين عن التواصل في ديوان وزير الصحة هم أنفسهم في حيرة من أمرهم يحاولون تنميق الكلام والبحث عن ذرائع للحفاظ على ماء وجه وزارة الوردي حتى وإن لم يستطيعوا حتى إقناع أنفسهم بتلك الأجوبة، ومن بينها المبادرة بتكذيب بعض الأخبار التي كانت تتناقلها بعض وسائل الإعلام أو حين استفسارهم عن حقيقة ظهور حالة من حالات الإيبولا في هذا المكان أو ذلك، لكن حين الاستفسار عن طبيعة الحالة التي كانت توجد بهذا المستشفى أو الآخر لم يكن يقدّم أدنى جواب والاكتفاء بالقول أن الأمر لايتعلق بالإيبولا فقط! ومن بين العناوين الأخرىّ، على سبيل المثال لا الحصر، مطالبة الجريدة بإرسال "فاكسات" بشأن حوارات مع عدد المسؤولين في قضايا صحية متعددة، تظل هي الأخرى دون ردّ، وإن أحالها الوزير على المصالح المعنية كل حسب اختصاصه، ليتأكد بأن ثقافة التواصل والإفصاح عن المعطيات والمعلومات هي "تربية" مفتقدة عند عدد كبير من المسؤولين والموظفين الذين منهم من تدرّج في هرم المسؤولية ترافقه وصية تحذيرية بتجنب الصحافة وعدم التواصل معها، أو محاولة استعمالها لغايات معينة، متناسين أن المعلومة الصحيحة هي تقطع الطريق على الإشاعات وتساهم في الاستقرار عوض زعزعته!