مسقط الرأس: السجن، التهمة: بدون، مدة الحبس: ترتبط بمدة حبس الأم. أبرياء قادتهم الظروف إلى خلف القضبان حتى قبل أن ترى أعينهم المغمضة أولى إشعاعات نور شمس حرموا منها لا لشيء سوى أنهم أبناء سجينات. ظروفهم ليست ككل الرضع والصغار، ملبسهم من عطايا المحسنين وفضاء حياتهم زنزانات مغلقة تنعدم فيها أبسط متطلبات الحياة، يستنشقون هواء مفعما بالجريمة والعنف، الذي إن لم يمارس عليهم فكثيرا ما يسمعون تفاصيله وجزئياته. مسقط الرأس: السجن، التهمة: بدون، مدة الحبس: ترتبط بمدة حبس الأم. أبرياء قادتهم الظروف إلى خلف القضبان حتى قبل أن ترى أعينهم المغمضة أولى إشعاعات نور شمس حرموا منها لا لشيء سوى أنهم أبناء سجينات. ظروفهم ليست ككل الرضع والصغار، ملبسهم من عطايا المحسنين وفضاء حياتهم زنزانات مغلقة تنعدم فيها أبسط متطلبات الحياة، يستنشقون هواء مفعما بالجريمة والعنف، الذي إن لم يمارس عليهم فكثيرا ما يسمعون تفاصيله وجزئياته. أبرياء مع وقف التنفيذ ليس لهم أي حق في ممارسة حياة طبيعية خالية من التشوهات والتي كثيرا ما تنتج مجرمين محتملين بعد مغادرتهم جدران المؤسسات السجنية. هؤلاء الأطفال, منهم من دخل السجن جنينا وآخرون تكونوا نطفة داخل أرحام أمهاتهن نتيجة الخلوة الشرعية ليحرموا فيما بعد من معانقة دفء الأب, إلا بعد شهور أو سنوات إذا ما كتب لهم ذلك، وحتى إن اختلفت معاناتهم ,يبقون جميعا «أولاد الحبس». رحلة عذاب في ساعات من ليل بهيم بين أحضان تلك الجدران التي احلولكت بالسواد, لتضم في ثناياها رائحة الموت كل لحظة، وكأنها قبور صممت لدفن الأحياء، بعد طول حرمان من الشمس والهواء والجود بقليل من الغذاء، وضجيج الأبواب الفولادية يهز المكان، في ذلك السجن المظلم، الذي يخفي داخله صنوفا من ألوان العذاب والقهر والحرمان ولا تسمع فيه إلا صرخات «أش» و»اسكت» الناتجة عن من تربوا في حظيرة الجريمة أو القمع، وأصبحوا لا يتقنون إلا فن الإذلال بعد أن تجردت نفوسهم من أدنى معاني الإنسانية لتصاب بالخبث والنجس, وهي تحرم ذلك الطفل الذي طالع لحظة ولادته داخل تلك الزنازين، وجوها مصابة بالبؤس، أبت إلا أن تضع القيود في أطراف تلك الأم المستضعفة، التي استعصت على الانكسار، رغم آلام المخاض وقسوة الظروف لحظة الولادة داخل أو حتى خارج الزنزانة. وصف يعجز عن رسم المعاناة التي عاشتها فاطمة خلال لحظة ولادتها لجنينها الذي تمرد على قوانين السجانين ورفرفت روحه إلى السماء العليا بلا قيود رافضة البقاء في مكان لا يليق بمقام روح طاهرة لا ذنب لها في تهمة باطلة نسبت إلى أم غرر بها وقادتها العواطف إلى مصير لم تكن تحلم به على الإطلاق. بدأت قصتها بعلاقة عاطفية وخطوبة فحمل خارج دائرة الزواج، حمل أنكره بكل جبن والد لا يعرف معنى المسؤولية «نكرني فالأول ومن بعد مدة اتصل بيا وتلاقينا فالقهوة ووعدني باش غادي نتزوجو، نضت من حداه شي شوية ورجعت وبقينا تندويو عادي، شوية قال ليا باش غادي يمشي يجيب كارو.... مارجعش ولقيت لبوليس دايرين بيا» عملا بالمثال القائل «الحيلة أحسن من العار» تخلص هذا الزوج المفترض من فاطمة والتهمة كانت ثقيلة حيازة وترويج كيلوغرام ونصف من مخدر الشيرة، التهمة التي حكم عليها بسببها بسنة ونصف نافذة. «الوحم واعر تتبغي شي حاجة ما تتلقيهاش، وحتى المحابسيات ما تيرحموش دخلت وأنا فالشهورة الأولى ديال الحمل عانيت بزاف، باش ندير بلاصتي نجفف ونطيب للكابرنات العذاب والجحيم تا حدما يعقل عليك وايلا بغيتي شي حاجة خصك مقابل، وأنا ما قدرتش نقول لواليديا راني حاملا وماكرهتش ما نولدش هذاك الولد مكرهتش نحيدو، وحتى السجانات لا يفرقن بين الحامل وغير الحامل». صمت ودموع قبل أن تسترجع فاطمة لحظات المخاض والولادة «جاني الوجع مع 2 ديال الليل, أنا تنتوجع وكلشي تيغوت عليا سكتي خلينا نعسو لا حنين لا رحيم.. بقيت هاكاك حتى ولدت.. ما دوني لا لسبيطار لا والوا، ملي تزيرت ولدوني المحابسيات ومتيعرفوش ملي خرج الولد مات فالبلاصة عاد جابو الفرمليات ديال الحبس ولكين كان فات الفوت». تنكر للحقيقة «الحبس ماشي ساهل عاد وانتي حاملة وعندك ولد، هاديك غابة الصحيح فيها لي تيعيش هاني، دوزت 3 سنين ديال المعاناة، مع الدخلة عظيت وحدة قطعت ليها ودنها باش نحيد عليا الحكرة.. حيث كون ما درتش هاكاك كون كلاوني وردوني خدامة». قانون الغابة كما جاء على لسان خديجة هو السائد لضمان ربح احترام وخوف السجينات اللواتي يمارسن العنف على بعضهن البعض. كان همها الوحيد البحث داخل زنزانات المعتقل عن ما تغذي به جنينها سيما وأنها وحيدة لا تستفيد من زيارات الأهل و»الكفة» فسبيلها الوحيد إلى ذلك كسب تعاطف السجينات وما تجود به إدارة السجن من وجبات هزيلة. بعد انتهاء فترة الحمل دقت ساعة الولادة أوجاع وألام ولا من يهتم، فهنا المشاعر مغيبة والضمائر دخلت في سبات عميق. «مع الفجر بداني الوجع فالصباح بكري، بقيت تنتوجع حتى كنت غادي نموت وبقيت تندوز عاد باش داوني للسبيطار، ما ولدت تال 2 ديال النهار». بولادتها انطلقت معاناة أخرى، مغادرتها السجن لم تسقط عنها صفة السجينة «حالة وخلاص انت والدة ونافسة ورابطينك بالمينوط مع النموسية وبوليسي واقف عليك ولدك إلا بكا متقدريش تهزيه، وحتى نظرات باقي الأمهات ومن يزورهن لا ترحم». الطفل اليوم يبلغ من العمر عشر سنوات يجهل تماما هذه الحقيقة المرة التي عاشها بمعية أمه التي ترفض إخباره بتفاصيل هذه الأحداث الأليمة، معللة ذلك بعدم رغبتها في أن يصاب الطفل بصدمة أو يتأزم نفسيا. معاناة ووفاة لا تختلف قصتها كثيرا عن سابقاتها، نعيمة كانت ضحية زوج ووسط لا يرحم اقتيدت للسجن ظلما، وإن ضبطت متلبسة بحيازة كميات من المخدرات ومحاولة إدخالها إلى السجن. «راجلي كان مشدود بتهمة ترويج المخدرات، أنا تندي ليه الكفة واحد المرة صاحبو جاب ليا صندالة وقاليا ديها ليه، انا ما كنت عارفا والو ملي قلبوني في الدخلة لقاوها عامرة حشيش، شدوني وتحاكمت ودخلت للحبس»، دخلت السجن وهي حامل في شهرها الثاني حيث وجدت واقعا لا يرحم «كانوا تيفرضوا عليا الخدمة والذل باش يعطيوني ناكل حيث أمي مرا مريضة ومعنديش لي يجيب ليا الماكلة، العصا كنت تاناكلها تنعس فوق مانطة نص مغطية بيه والنص مفرشاه، بقيت هكاك حتى جا وقت الولادة» بهذا الموعد الذي تسعد له كل الأمهات دخلت نعيمة مسلسل آخر من العذاب, ولادة مستعصية ونزيف حاد في غياب كل الظروف التي من شأنها إنقاذ الجنين. وبعد ساعات من الاستجداء وطلب النجدة نقلت إلى مستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء حيث أنجبت طفلا ميتا، معاناتها لم تقف عند هذا الحد بل تدهورت صحتها ونجت من الموت بأعجوبة. الأمر الذي استلزم بقاءها في المستشفى أزيد من ثلاثة أسابيع، لتعود إلى السجن بجرح جديد وتواجه مرة أخرى جحيم الكابرانات وواقع الاستعباد, حيث يصبح لزاما على السجينات الأضعف في هذه الحلقة تقديم فروض الولاء والطاعة لوليات نعمتهن، وهو ما يصطلح عليه في هذا العالم الغريب بالمعاشرة التي تفرض على النزيلة تلبية كافة متطلبات مضيفتها. تجارة الرضع رغم المعاناة والحرمان ف»أولاد الحبس» يمثلون بالنسبة للبعض غنيمة حقيقية، هم مصدر كسب سهل حيث بمجرد قدومهم إلى هذه الحياة يتحولون إلى سلعة قابلة للبيع والشراء بحسب العرض والطلب وبأثمان مختلفة. فالقانون الداخلي للسجون ينص على إمكانية إبقاء الأطفال صحبة أمهاتهن حتى بلوغهم سن الثالثة، غير أن الأم لا تحتفظ بمولودها في كثير من الحالات إلى أن يبلغ هذه السن، بل تقوم بتسليمه فورا بعد ولادته إلى أحد أفراد أسرتها الذي يتكفل بمهمة تمريره إلى «مشتريه». في خضم البحث حول وضعية الأمهات المرفقات بأبنائهن، وطريقة التعامل معهن من طرف إدارة السجون، وكذلك من طرف السجينات، تبين وجود سوق لبيع الرضع في بعض هذه المؤسسات، وهذه السوق تدار داخل السجن تحت مظلة القانون. رائدات هذا المجال، كما أفاد به المتحدث، تعرضن على السجينات اللواتي يدخلن السجن وهن حوامل بطريقة غير شرعية، التخلص من المولود بعد الولادة، خصوصا إذا كان غير معترف به من طرف الأب. هؤلاء السجينات توفرن للحوامل كل شيء وتعتنين بهن وتجلب لهن المأكولات واللباس إلى حين وضع المولود. بعد ذلك تتكلفن بالجزء الصعب من عملية الاتجار، غير أن إخراج الأطفال من السجن لا يكون بطرق ملتوية، حيث يتغلب دهاء هؤلاء الكابرانات على قوانين إدارة السجن التي لم تستطع إيجاد طريقة لفضح هذه التلاعبات لحد الساعة، فالأطفال، يخرجون من السجن بطريقة قانونية ليس فيها أي لبس، إذ تكتب الأم إقرارا بتسليم الطفل إلى أحد أفراد أسرتها خارج السجن، وينص الإقرار على عدم رغبتها في الاحتفاظ بالمولود، بينما يتم خارج السجن، تسليم المال إلى فرد من أسرتها محل ثقة، إلى أن تنهي عقوبتها الحبسية وتحصل على حصتها من العملية. تضارب الآراء الفاعلون الاجتماعيون والحقوقيين وإن كانوا يتوحدون حول ضرورة إنصاف هؤلاء الأطفال ,تختلف رؤية كل واحد منهم لزوايا تغيير هذه الأوضاع، ففي هذا الإطار اعتبر خالد الشرقاوي السموني، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان,أن أطفال السجون هم ضحايا لا يمكن أن نحملهم أخطاء أمهاتهن، فلهذا يجب التفكير في إيجاد حلول تخفف من معاناتهم بتوفير مرافق تتوفر على ظروف لائقة لعيش هؤلاء، هذا دون أن ننسى الحديث عن الجانب النفسي للأطفال الذين تترسخ مثل هذه الصور في مخيلاتهم رغم صغر السن, مما قد يؤثر على شخصياتهم في المستقبل.. واستنكر المتحدث سياسة التعتيم التي تمارسها مندوبية السجون داخل المؤسسات التابعة لها مما يمنع من رصد مثل هذه الظواهر والمساهمة في حلها. من جهة أخرى صرح عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين أن معاناة أطفال السجن لا تنحصر فقط في من يعيشون مع أمهاتهن داخل المعتقل, بل حتى الأطفال الناتجين عن علاقات الخلوة الشرعية، حيث أن تمتيع السجناء بهذا الحق وخاصة معتقلي السلفية الذين لا يؤمنون بالقوانين الوضعية وهم ضد العمل بقوانين الدولة ويعتبرون أن عقود الزواج جاهلية, أفرز مشاكل عديدة، مما ترتب عنه أطفال دون تسجيل ودون هوية, علما أن معظمهم يتزوجون فقط بالفاتحة وهو ما يحيل على مشكل أكثر تعقيدا يستدعي رفع دعوات إثبات نسب وغير ذلك من التعقيدات الإدارية لتسجيل هؤلاء الأطفال, زد على ذلك ولادة أطفال دون معيل، مما يزيد من معاناة الأسرة وحرمانهم من التمدرس.. وربما هذا ما جعل الدولة تفطن لمثل هذه الأشياء وتمنع كليا الخلوة حسب نفس المتحدث. وحسب إحدى الممرضات المسؤولات بجناح الولادة بالمركز الاستشفائي ابن رشد بالدارالبيضاء، أوضحت أن حالات الأمهات السجينات التي تتوافد على المركز تبقى قليلة جدا بحيث لا تتعدى حالة إلى حالتين في السنة وأنهن يتمتعن بنفس الرعاية التي تستفيد منها الأمهات الأخريات، وأن المساعدات الاجتماعيات يعملن على دعمهن والتكفل بهن وبمواليدهن. دار الأمهات في خطوة محمودة وسابقة من نوعها, تم مؤخرا بالمؤسسة السجنية عكاشة بالدارالبيضاء، تدشين «دار الأمهات» وهو جناح خاص بالنساء السجينات المرفوقات بأطفالهن صغار السن، لحماية الأطفال في الوسط السجني، الدار تتسع لأربع وعشرين من السجينات وهي المنشأة الوحيدة من هذا النوع داخل كافة السجون والمنجزة من طرف مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء بشراكة مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بغلاف إجمالي قدره 4,7 مليون درهم. حيث تشتمل على 12 غرفة، وحضانة للأطفال، ومكان مخصص للرضاعة، وفضاء للاستراحة، وحديقة للألعاب، وقاعة للرياضة، فضلا عن مركز للتكوين المهني. الدار توفر لنزيلاتها وأطفالهن مجموعة من الخدمات كتوفير وسائل التعليم الأولي لفائدة الأطفال الذين يتيح لهم سنهم ذلك. كما تم وضع فريق طبي متخصص في طب النساء والتوليد وطب الأطفال رهن إشارة الأمهات النزيلات وأطفالهن. وأكد عز الدين بلماحي، منسق مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، أن إحداث دار الأمهات، تعد بمثابة بنية اجتماعية توفر للنزيلات ظروفا حسنة لتربية أطفالهن وتسهيل اندماجهن في سوق الشغل بعد الإفراج عنهن. وقال إن الدار «توفر لهن جميع الإمكانيات التي تساعدهن على تربية أطفالهن في ظروف حسنة مثل الظروف المتوفرة للأطفال خارج الفضاء السجني». وأضاف بلماحي أن مؤسسة محمد السادس تسعى إلى تعميم هذه التجربة، التي تعد الأولى من نوعها، على مختلف المؤسسات السجنية، وخاصة المراكز التي تضم نزيلات مرفوقات بأطفالهن.