باستثناء اللوحة التي تعلو البوابة الرئيسية للمستوصف القروي والتي كتب عليها بخط رديء «المستوصف القروي» ، فلا شيء آخر يوحي بكونه بناية حكومية أو يمت بصلة إلى مفهوم«الصحة » !! إذ تصادفك مباشرة بعد اجتيازك البوابة الرئيسية بناية على شاكلة اصطبلات الحيوانات أو تلك التي تختص بتربية الدواجن ! وما أن تخطو الخطوة الأولى نحو قاعة الانتظار حتى تصفعك على وجهك رائحة تزكم الأنوف بنكهة البهائم ! أما من جهة السكن الإداري، فتخالك أمام مقطع مستعرض لحي قصديري لأحد كاريانات ابن امسيك أو السكويلة ! الوضع في الداخل ليس بأحسن حال منه في الخارج بل أسوأ : «بلاط» أرضي متسخ ومحفر، جدران متسخة ودعامات خشبية نخرة أخذ منها الإهمال والقدم كل مأخذ ؛ خزانات حديدية صدئة فارغة إلا من الهواء . كراسي وطاولات أشبه بالتي يستعملها الجزارون لعرض اللحوم وأحشاء البهائم في الأسواق . ستائر متسخة وأسرة متلاشية. خدمات التمريض والعلاج جد ضئيلة، الأدوية وإن توفرت تكون منتهية الصلاحية أو بكميات ضعيفة حتى البسيطة منها، كالتي تستعمل في علاج الجروح والتعفنات أو مواد التلقيح، ففي غالب الأحيان تكون نفقتها من جيوب المواطنين !!من ناحية الأطر البشرية يكفي القول بأن هناك ممرضة واحدة لحوالي أربع عشرة ألف نسمة ، حسب إحصاء 2004 وإسقاطات 2009 !! ربما كانت المقارنة أقل حدة لو تعلق الأمر بالقطيع فقد تكون النسبة: بيطري واحد لكل ألف رأس وبذلك تصبح الحظوظ أوفر بالنسبة لقطيع الماشية منها عند البشر ! يعود تاريخ بناء هذه البناية المخضرمة إلى أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وهاهي الآن تتسلل خلسة وفي غفلة من الزمان داخل الألفية الثالثة، مستغلة بذلك طابع الأمية وعدم الاكتراث لدى عموم الساكنة وغياب استراتيجية واضحة في هذا القطاع ، وانعدام الحس بالمسؤولية لدى الجهات المعنية بالإدارات الترابية، فرغم الإنذارات ونواقيس الخطر التي دقها عدد من المواطنين وبعض القوى الحية، إما بشكل فردي أو جماعي، ومن خلالها حاولوا لفت انتباه الجهات الوصية إلى الوضع المأساوي والمزري الذي آل إليه القطاع الصحي، إلا أن كل هذه المحاولات لم تجد الآذان الصاغية، لتبقى الحالة على ماهي عليه حتى إشعار آخر، ولكن هذا لا يمنع من طرح بعض الأسئلة التي تبدو مشروعة: ماموقع مستوصف كريديد من الإعراب في أجندة الوزارة ؟ أما كان حريا إصدار شهادة وفاة لهذا المستوصف؟