كانت معطيات دراسة قامت بها مندوبية الحليمي قد كشفت أن المغربيات يمارسن الشعائر الدينية لفترة زمنية أكثر من الرجال، حيث تخصص المرأة المغربية ما معدله 72 دقيقة كل يوم لممارسة طقوسها الدينية، ما يمثل 68 في المئة من مجموع وقتها»، وفق المندوبية السامية للتخطيط، وبعدها كشفت دراسة لوزارة الاوقاف والشون الاسلامية خاصة بالتعليم العتيق أن النساء أكثر إقبالا على حفظ القرآن في المدن المغربية، بحضورهن في المراكز التابعة للمجالس العلمية المحلية كمتمدرسات أو مؤطّرات متخصّصات في تحفيظ القرآن، وفي المقابل يهيمن الرجال على التعليم العتيق والكتاتيب القرآنية التي تضم غالبية من الأطفال. وأكدت المندوبية السامية في السياق نفسه، في بحثها حول طرق استخدام المغاربة للزمن، أن تديّن المغربيات سائر في تصاعد، باعتبار أن الفترة الزمنية التي تخصصها النساء المغربيات للشعائر الدينية انتقلت من 48 دقيقة في اليوم سنة 1997 إلى 72 دقيقة سنة 2012. وكانت الاستاذة زهراء ناجية الزهراوي قد ساهمت ضمن الدروس الرمضانية بدرس عن إسهام المرأة في بناء الشخصية المغربية اورد ت فيه» نماذج من إسهام المرأة في الشخصية المغربية في جانبين أساسيين هما: إسهام المرأة بالسلوك والمشاركة وحمل العلم، وإسهام المرأة في العمل والإبداع». ومما جاء في ذلك تقول الاستاذة »في موضوع الجانب الأول، جمعنا قاموسا لشهيرات النساء في تاريخ المغرب، ترجمنا فيه لثلاثمائة وخمس وسبعين من النساء، اشتهر ما يقرب من ثلثهن على أساس الانتماء للتصوف، وما يزيد عن الربع على أساس المشاركة في السياسة، والربع اشتهرن بحمل مختلف العلوم، ثم تتوزع شهرة الباقيات على المقاومة وأعمال الإحسان والأدب والطب والفن. نماذج من هؤلاء الشهيرات أولهن خيرونة الأندلسية الأصل الفاسية النشأة والدار في منتصف القرن السادس الهجري. لازمت مجالس العلامة عثمان السلالجي المتوفى سنة 574ه إمام الأصول والعقائد، فتخرجت به فقيهة ضابطة متقنة لعلم العقائد، ولأجلها ألف السلالجي كتابه الذي عنوانه «البرهانية» في العقيدة الأشعرية، فكانت رائدة في نشرها وتقريبها من النساء بفاس. وقد نهج بعض علماء سوس نهجا شبيها بنهج السلالجي من أجل تقريب الفقه المالكي من النساء لما علموا من أن المرأة هي العنصر الفعال في تنشئة الأجيال والحفاظ على هوية الأمة. وعلى رأس هؤلاء الشيخ محمد بن سعيد المرغيثي المتوفى سنة 1089ه الذي ألف مختصرا فقهيا مبسطا برسم ابنته رحمة لتلقين وتعليم النساء أمور دينهن. أما الشيخ محمد بن ناصر الدرعي فقد وضع مقررا إجباريا لأهل بيته، قبل أن ينتقلن للتبحر في العلوم، فبعد حفظ الناصريات للقرآن الكريم يتبعنه بقراءة المنظومات التي كتبها لهن الشيخ في التوحيد والعبادات والتوسل. فكان ممن تتلمذ عليه ابنته سارة التي خضعت لبرنامجه فشبت عالمة ناسكة أفادت النساء إفادة مشهودة. ورغبة في إفادة الناس وتحقيق التواصل مع من لا يتقن اللغة العربية عمد بعض العلماء إلى ترجمة بعض المؤلفات المعتمدة في الفقه المالكي إلى الأمازيغية مثلما نجد عند الشيخ أكبيل الهزالي الذي ترجم مختصر خليل إلى الأمازيغية. وكان ممن استفاد منه الفقيهة عائشة بنت الطيب الاغرابوئية الاكمارية، التي أتقنت هذا المؤلف وتصدرت مجالس الوعظ الخاصة بالنساء في جهتها. إضافة إلى مساعدة زوجها فيما يتوقف عليه من الفتاوى بالرجوع إلى كتاب الفقيه المشهور بتبسيط الفقه بالأمازيغية، وهو أوزال أو الهوزالي. وممن تخرجن به من الفقيهات وعم نفعهن النساء والرجال أم هانئ العبدوسية التي ترجم لها العديد من العلماء المغاربة والأجانب ومنهم الشيخ أحمد بابا السوداني في كتابه « نيل الابتهاج « وذكر بأن جدة الشيخ أحمد زروق كانت من جملة من تتلمذ عليها، حسب كناشة حفيدها. وإذا كان هؤلاء النسوة قد حصرن اهتمامهن في العلوم الشرعية، فإن هناك من اشتغلن بالعلوم العقلية والمنطق على وجه الخصوص، مثل العالية بنت محمد الطيب بنكيران التي تخرجت على والدها وبرزت في المنطق، فكانت تدرس الرجال بعد الظهر والنساء بعد العصر. وقد لقي تخصصها في المنطق اهتمام الرحالة الفرنسيAuguste Moulieras الذي جاء للمغرب مكتشفا سنة 1895م، ونقل أخبارها ومشيختها وقدمها الراسخ في المنطق وتعجب قائلا: «تصوروا معي امرأة عربية تدرس المنطق»، ثم يتوجه إلى من ينعت المغرب بالتخلف قائلا: «لاحظوا معي كيف أن العالية لا تقوم بتحفيظ القرآن بالطريقة العقيمة التي نعرفها، فالذكاء المغربي يحلق في سماء العلوم وهو علم البرهان كما عرفه الرِّواقيون، إنه العلم الذي حددهHamilton وKantمعيارا للفكر. هذه اعترافات رحالة أجنبي تكشف مكانة المرأة المغربية العلمية ودورها الرائد في تكوين الشخصية المغربية رجالا ونساء . وقد اشتهرت بعض الأسر بتعليم بناتها على أيدي الآباء أو الأقارب، وهؤلاء المحظوظات هن من كان لهن النصيب الأوفر في التعليم ومن ثمة في بناء الشخصية المغربية، وخير مثال لهؤلاء النسوة هندو بنت عبد الله المجلسي، المرأة المغربية الصحراوية المتألقة علما وتربية. اشتهرت بالتدريس والتأليف والتحقيق. ومن أعمالها نسخ مخطوط عمها عبد القادر المجلسي المتوفى سنة 1937م والذي عنوانه «ثمان الدرر في هتك أسرار المختصر»، وهو في ستة أجزاء، ضمنه فتواه في توغل الاستعمار الأوروبي في الصحراء، فندد بالسياسة الاستعمارية وحذر من الجبن والاستسلام، وبذلك اكتست فتواه أهمية بالغة في التاريخ السياسي والديني بالمغرب لما تطرقت إليه من روابط البيعة والدفاع عن الوحدة الترابية. إدراكا من هندو المجلسية لدلالة هذه الفتوى قامت بنسخ هذا المخطوط سنة 1953م في ظروف طبعت بالتوتر واشتدت فيها المؤامرة على الشعب المغربي، فاستطاعت أن تبث عبرها مقوما من ثوابت الأمة التي تطبع الشخصية المغربية وهو إمارة المؤمنين والتمسك بالبيعة والدفاع عن الوحدة، وهي مبادئ كانت تبثها في الأقاليم الصحراوية عبر حلقات الوعظ التي كانت تكتسي صبغة دينية سياسية. وكان أولَ من استفاد منها ابنها أحمد حبيب الله الذي درس عليها القرآن وعلوما أخرى، وتشبع بمبادئها التي ظلت تدافع عنها حتى توفيت عام 1972م. ووفق ما قرره ابن خلدون في حق المغاربة، من طبع مميز لهم في باب حفظ كتاب الله العزيز، نقف على مثالين للنسوة اللائي اعتنين بالقرآن عناية خاصة وحذقن فيه ووقفن حياتهن على نشره وتدريسه، ومنهن المقرئة خديجة الحميدية الفاسية التي حفظت القرآن برواية ورش وقالون والمكي، وكانت عارفة بوجوه هذه القراءات وأحكامها. فكان ممن تخرج على يدها الشيخ عبد الحفيظ الفاسي الذي أجازته في القراءات الثلاث سنة 1323ه. وإجازة المرأة المغربية للرجل تتردد في كتب التراجم، كما نجد في حالة مومنة بنت عبد الله بن يحيى الفاسي المجاورة بالحرمين الشريفين، والتي أجازت الشيخ عبد الله بن عمر بن العز بن جماعة. عالمات الحديث ومثل عائشة الصنهاجية العالمة بالحديث، وقد روى عنها العلامة ابن حجر بواسطة. وإذا كان التصوف تربية وتزكية ذات أثر في سالك طريقه وفي غيره من الناس في محيطه، فقد دخل في تشكيل وجدان الشخص المغربي وسلوكه الاجتماعي، وقد برزت في ذلك نساء متصوفات تصدرن للتربية الروحية فكان لهن حضور في المجتمع ونلن تقدير العامة والخاصة لا سيما العلماء: فالعالم القاضي يوسف التادلي تبرك بمنية الدكالية دفينةِ مراكش سنة 595ه. وكانت هذه المرأة ذاكرة مرجعية للحياة الصوفية، دؤوبة على لقاءات رباط شاكر في عهدها. كما أن القاضي المؤرخ أحمد بن قنفذ القسطنيطيني زار الولية الصالحة فاطمة الصنهاجية بأزمور للتبرك، وطلب الدعاء منها. ولم يكن دور الصوفيات مقتصرا على الدعاء والتربية الروحية، بل تجاوز ذلك إلى التدخل في الإصلاح السياسي. فهذه الولية الشهيرة لالة عزيزة السكساوية الرجراجية جمعت بين العلم والتربية الروحية، مما أكسبها الثقة والاحترام بين قبائل الأطلس الكبير الغربي، فكانت دعوتها مستجابة، وإرشاداتها نافذة في السكان، وقد استطاعت أن تحقن دماء المواطنين بمهمتها السفارية بين وزير السلطان أبي عنان، فارس بن ميمون، قائد الحركة إلى الجبل، وبين عبد الله السكسيوي المناصر للأمير المريني أبي الفضل الذي كان السكسيوي في طاعته وخدمته، وقد تدخلت السيدة عزيزة أو للا عزيزة، ونجحت في عقد الصلح بينهما سنة754ه. ومن العلماء الذين زاروا هذه الولية، ابن قنفذ المذكور، مؤلف» أنس الفقير وعز الحقير»، وقد أورد فيه ذكرا لمكانتها العلمية. أما فاطمة الهلالية المعروفة ب»تاعلاَّط»، العالمة السوسية، فقد ترجمها الحضيكي في طبقاته، ووصفها برابعة زمانها. وإذا انتقلنا الى الجانب الإحساني الذي يعتبر من الشيم التي تطبع الشخصية المتميزة، نجد أن المرأة المغربية قد أبانت، عبر العصور، عن توجهها الإحساني الذي تلتقي فيه مختلف شرائح نساء المغرب، حسب مؤهلاتهن المادية، من أميرات وعالمات وصوفيات قرويات وحضريات. وقد تعددت أوجه مشاركة المرأة الإحسانية من بناء للمساجد والقناطر وإطعام المحتاجين وخدمتهم، لا سيما إطعام طلبة الزوايا الأفاقيين الذين هم في وضعية طلبة داخليين، وتلامذة الكتاتيب القرآنية. وأبرز ظاهرة عرفها إحسان النساء هي ظاهرة الوقف. وأبرز مثال عليه فاطمة بنت محمد الفهري، أم البنين، وأختها مريم حيث تركت كل منهما معلمة خالدة تحمل ذاكرة امرأة من أهل البر والإحسان. لقد وجدت الأختان في المحيط الديني والتربوي ما دعاهما لتوظيف نصيبهما في الإرث في العمران الديني. فبنت فاطمة أم البنين جامع القرويين المعلمة التاريخية. وبنت أختها مريم مسجد الأندلس. نضيف إلى هذا المثال الشهير في فاس مثالا من العهد السعدي بمراكش حيث نجد مسعودة الوزكيتية أم السلطان المنصور الذهبي التي بنت مسجد باب دكالة، فكان من أكبر المساجد بالمدينة وأغناها بما حبست عليه من الأوقاف، وما وفرت له من الكراسي العلمية ومن الكتب المودعة في خزانته، كما قامت هذه السيدة بإصلاح قنطرة أم الربيع وقنطرة واد إسيل التي في مدخل مراكش، وإصلاح عدد من الطرق. وفي باب الوقف حظي حفظة القرءان بالجزء الأكبر من وقف النساء: فخديجة بنت محمد المنوني حبست جزءا من تركتها على قراء الحزب بعد صلاة الصبح والمغرب كل يوم، وعلى قُرَّاء دلائل الخيرات كل جمعة بمسجد الحسن بن مبارك بمكناس، وذلك سنة 1230ه. ورقية بنت الحاج عبد الواحد صفيرة المعروفة بشدة تعلقها بكتاب الله، حبست ثلث ممتلكاتها على الطلبة الذين يقرأون القرآن بمسجد القرويين، صباحا ومساءا وذلك سنة 1245ه. وبعد مجال العلم والولاية والإحسان نورد امثلة على ما كان للمرأة من مشاركة في الحياة السياسية التي يفترض فيها أن تكون حكرا على الرجال، بيد أن المرأة امتازت بأدوار حاسمة سيما من موقعها كأم وكزوجة، بدءا بكنزة الأوربية، زوجة المولى إدريس الأكبر الذي جعل من المغرب دولة مستقلة عن الخلافة ببغداد، فقد ظهر أنها اكتسبت من زوجها خبرة في تدبير الشأن العام والعمل السياسي، ومما يدل على حكمتها ورباطة جأشها بعد مقتل زوجها نجاحها وهي حامل في شهرها السابع في سياستها مع أولي الأمر وحفاظها على الملك لابنها. ولما وَلي الملك ازدادت خبرة واهتماما بالسياسة فكانت مستشارته في مهمات أمور الدولة. وانعكست توجيهاتها على مجرى الأمور، وبفضلها استمر حكم الأدارسة قرابة قرنين من الزمن. ومن أمثلة المرأة الزوجة التي استطاعت أن تدخل السياسة من بابها الواسع وتكون لزوجها وزيرة صدق زينب النفزاوية التي أعانت زوجها يوسف بن تاشفين على أعباء إمارة المسلمين بدهائها وحسن سياستها، وجعلت أبا بكر بن عمرو اللمثوني، زوجها السابق، يلتحق بالمجاهدين في الصحراء، دون أن تسيل قطرة دم بينه وبين ابن عمه. فكانت مستشارة ابن تاشفين في التدبير السياسي إلى أن توفيت. وبالشمال المغربي انفردت السيدة الحرة عائشة بنت علي بن راشد باستحقاقات قلما حظيت بها امرأة أخرى، إذحققت لنفسها السلطة ودخلت مع المجاهدين ضد الغزو الأجنبي بأسطولها الذي كان مرابطا بمارتيل. وبعد وفاة زوجها محمد المنظري الصغير خلَفته في الحكم فكانت «حاكمة تطوان»، الى أن اعتزلت السياسة عند قيام الدولة السعدية. ومن الأميرات الأمهات اللواتي كان لهن الفضل في الحفاظ على ولاية العهد الأميرة سحابة الرحمانية البربوشية التي قادت المعارضة مع ابنها الأمير عبد الملك السعدي وإخوته. واستطاعت أن تحظى باستقبال الخليفة العثماني سليم الثاني وتقنعه بعدم التدخل في شؤون النظام بالمغرب، ومن جملة ذلك احترام قرار محمد الشيخ في ولاية العهد من الابن الأكبر فالكبير، فنجحت في مسعاها. أما عائشة مباركة البربوشية فيقول عنها زوجها السلطان المولى إسماعيل «كانت أعقل من أغلب الرجال»، حظيت عنده بنفوذ كبير في تدبير الشأن السياسي، سيما الوساطة في تدبير الشؤون العامة على المستوى الداخلي والسفاري . ولا يخفى ما كان لزوجة هذا السلطان، الأميرة العالمة، أم الملوك وجدة الملوك، خناثة بنت بكار، من أدوار في تدبير الشأن السياسي وتميز بمشاركتها العلمية التي تشهد عليها هوامشها على كتاب «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر العسقلاني، وقد عم إحسانها المشرق والمغرب، من ذلك ما ظهر في وقائع حجتها مع حفيدها سيدي محمد بن عبد الله، وهي حجة أنفقت فيها أموالا وذخائر طائلة على الحرمين الشريفين. وأوقفت دارا في الحرم المكي على الطلبة. وفي الشأن السياسي عُرفت عنها أمور منها الوساطة للسفراء الأجانب في إطلاق سراح أسراهم وحل قضاياهم. وفي مطلع القرن العشرين، عندما بدأت أطماع الاستعمار الأجنبي تمتد إلى قبائل ومدن المغرب، اتخذ الدفاع عن الوطن مسارا آخر تجلى في حركة المقاومة التي هي ترجمة عملية في الميدان للشعور الوطني، وقد شاركت فيها المرأة بكل الوسائل المتاحة لها. النساء الشهيدات ومن أمثلة النساء اللائي سقطن شهيدات الوطن والعرش في مختلف مدن وقرى ومداشر وصحراء المغرب نذكر: يطو بنت موحى أحمو الزياني التي شاركت والدها في المقاومة بالأطلس المتوسط. ورقية احديدو فارسة قبيلة أيت يزدك التي هاجمت جيش المستعمر بالرغم من تقدمها في السن. ويطو بنت العربي المكلدي التي لازال النصب التذكاري الذي يحمل اسمها على جانب الطريق بين الحاجب وأزرو شاهدا على بطولتها. وفاطمة الزهراء شهيدة مراكش في 14غشت 1953م التي تركت صبيتها، وخرجت مع المتظاهرين للتعبير عن التمسك بالولاء والوفاء للملك الشرعي المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه. اقتدى بهؤلاء النسوة مئات من بنات جنسهن ترجمن وطنيتهن إلى مقاومة فعلية ودخلن في معركة الدفاع عن الشرعية وثوابت الأمة، ولقن الأجيال دروسا في التضحية من أجل الوطن بكل عفوية هي عفوية الشخصية المتأصلة. إن الشهرة عند الناس خاضعة لأمرين هما: وجود الشخص المعروف بعينه وصفته من جهة، وظهوره في فضاء من الفضاءات، من جهة اخرى، وعلى هذا الأساس فإن السؤال حول شهرة المرأة في الماضي لا يتوقف الجواب عنه على مدى الاستحقاق، وبالتالي لا يمكن أن يكون ما وصل إلينا في هذا الشأن مرآة لذلك الاستحقاق، لأنها بصفة أساسية مرهونة بداخل البيت، وبمهمات داخلية مكرسة معروفة لها لا تنتظر إلا منها، وعليه فاشتهار بعض أسماء النساء بمهمات تنسب على العادة للرجال كالعلم والصلاح المعترف به والزعامة السياسية والإحسان العمومي أمور استثنائية، لا لقصور النساء عنها، ولكن لأن المجتمع لم يكن في الماضي يرشح لها المرأة عادة ولا يتيح لها فرصة الظهور فيها بقدر ما يتيحها للرجال. ومع ذلك فإن ثلة من الأسماء التي ذكرنا، قد فرضن الظهور حتى في ميادين الرجال بنسبة قد تصل إلى عشر عدد مشاهير الرجال في تاريخنا، إذا اتخذنا كتب التراجم مرجعا في ذلك. وبهذا الاعتبار فإذا نحن أردنا أن نقترب أكثر من تقدير إجمالي كيفي لإسهام المرأة فيما يميز المغاربة من وجوه الحضارة أو مما يمكن أن يصدق عليه وصف الشخصية المغربية، فلابد أن نتخلى عن أمرين، أولهما ربط الإنجاز بأسماء بعينها، حيث تصبح المرأة جنسا لا شخصا، وثانيهما التوغل في أعماق الفعل الثقافي الذي يتسم بالمكتسب في ما تقوم به الحياة من المجهود وما تتميز به في جانب الذوق والأسلوب،ويرتبط الجانبان في الغالب بداخل الدار بمثابة مختبر لصنع جوانب ثرية من الحضارة، ومعظمها مما يتصل بالإتقان الذي يحيل عليه مفهوم المعروف، و بالإسعاد بصفة عامة».