بين بث الشائعات والتضليل يبدو التأكد من مقتل قيادي جهادي في سوريا او اي مكان اخر اشبه بمهمة مستحيلة تتخبط فيها اجهزة الاستخبارات احيانا لاسابيع او لاشهر وحتى لسنوات بحسب كوادر سابقين في الاستخبارات الفرنسية. فمنذ السبت تتحدث شبكات التواصل الاجتماعي عن مقتل عمر ديابي المعروف باسم عمر اومسن، غير المؤكد في هذه المرحلة، والذي انشأ كتيبة ناطقة بالفرنسية في سوريا وقام بحملة مكثفة للتجنيد عبر الانترنت. وصرح وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف لوكالة فرانس برس الاثنين «ان التحقيقات جارية وليس من قبل اجهزتنا فقط»، مشيرا الى ان الرجل يعتبر «مجندا هاما جدا» لشبان فرنسيين.لكن مثل هذه الاعلانات تتكرر على الدوام. فمنذ شهر مايو يتكرر الحديث بانتظام على الشبكة العنكبوتية عن وفاة سعيد عارف الجزائري الذي حارب الى جانب المجاهدين الافغان، وفرضت عليه الاقامة الجبرية في فرنسا لكنه تمكن من الهرب. وقبل ذلك رجح مقتل الفرنسي دافيد دروجون الشاب الذي اعتنق الاسلام وانضم الى صفوف تنظيم القاعدة في افغانستان ثم في سوريا، اثناء غارة لطائرة اميركية بدون طيار، قبل ان يتم نفي الخبر. واكد الان شويه القائد السابق لاستخبارات الامن في اجهزة الاستخبارات الخارجية الفرنسية (ديه جيه اس ايه) لفرانس برس «في الواقع الامر بسيط جدا: ان تأكيد مقتل هؤلاء الناس في تلك الاصقاع امر لا نستطيع فعله»، مضيفا «يجب التمكن من الحصول على الحمض الريبي النووي (دي ان ايه) او تقاطع شهادات ذات مصداقية. لكنه امر غير متوافر في هذا النوع من الحالات». فالمناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية او الجماعات المتفرعة من تنظيم القاعدة في سوريا والعراق ليست بمتناول عملاء الاستخبارات الاجنبية، خاصة وان خطر العمل فيها مباشرة كبير جدا مع تعدد عمليات قتل من يشتبه بانهم جواسيس. وقال الان شويه «بالنسبة لامكانية الوصول الى الارض لا اعتقد ان بامكاننا او امكان احد القيام بذلك»، مؤكدا ان «الامر خطر للغاية. يتوجب عدم التفوه بترهات. ليس لدينا احد، وبالتالي لا قدرة لنا على التحقيق او التدقيق». واكد قائد سابق لجهاز استخبارات طلب عدم كشف هويته ان «تسلل عملاء بامكانهم الاتصال بنا ليقولوا لنا - انه حي، وشاهدته - امر مستحيل، وخطر جدا. ان الحياة الحقيقية ليست كما هي في السينما. في افضل الحالات يمكن التحدث الى عملاء مزدوجين. اناس سيعطون معلومات، واحيانا بدون معرفة الى من يتكلمون فعلا. وهناك ايضا اولئك (الجهاديون) الذين يمكننا ان نستجوبهم عندما يعودون الى فرنسا، اذا وافقوا على الكلام...». وفي غياب مصادر مباشرة فان اجهزة الاستخبارات تراقب بالتأكيد كل ما يكتب او ينشر على الانترنت. وتقوم بالتخزين والتصنيف وتسعى الى التدقيق بفضل قدراتها على التنصت والرصد والمراقبة. واضاف المصدر نفسه «نجمع كما من الادلة: مثل ارقام هواتف. ونراقبها. وعندما يحل الصمت فجأة، ربما يكون (الشخص المعني) قد قتل». «لكنهم ليسوا حمقى، فهم يعلمون بانه يتم التنصت على مكالماتهم. وهم حذرون لذلك ينتقلون الى وضعية الصمت. نحاول الحصول على معلومات اخرى عما اذا كانوا لا يزالون احياء او لا، من خلال مراقبة اقربائهم. لكن ذلك لن يكون دقيقا على الاطلاق». وتابع «في اجهزة الاستخبارات، نتوخى الحذر الشديد على الدوام. فعندما كنت في الخدمة كنا نتعقب اثنين او ثلاثة، وكنا شديدي الحذر. حتى وان كنا شبه متأكدين بان الشخص قتل، فهو ليس كذلك بالنسبة الينا ما دمنا لم نشاهد الجثة او لم نحصل على الحمض الريبي النووي». وقال ايضا «تلك كانت الحال مع بن لادن، فالأمريكيون كان لديهم الجثة لكنهم حصلوا على الحمض الريبي لاحد افراد عائلته للتأكد من انه هو نفسه وليس شبيها له..». واعتبر الان شويه ان التحقق من خلال شهادة موثوق بها او دليل مادي يكون اكثر حسما ولاسيما ان بعض «الاهداف» قد يكون لديهم مصلحة في الايهام بمقتلهم. وقال «نظرا إلى أن تنظيم الدولة الاسلامية بدأ يتراجع على الصعيد العسكري، فإن عددا معينا من الاجانب، من فرنسيين وانجليز او شيشانيين، لديهم مصلحة في الايهام بانهم قتلوا ليتمكنوا من الاختفاء». «فبإمكانهم ان يطلبوا من رفاق لهم ان ينشروا على شبكات التواصل الاجتماعي عبارة - المسكين، قتل-. ذلك يمكن ان يكون مجرد تضليل». واضاف «انظروا الى مثل الملا عمر، فالشائعة عن وفاته تنتشر منذ عشر سنوات. قد يكون قتل.. لكن الشيء الوحيد الذي يمكن تأكيده فعلا هو ان ذلك سيصبح حقيقة يوما ما».