لعل وضعية الجوار، التي جعلت من قبيلة البحاثرة محيطا لمدينة أسفي من كل الجهات البرية، سبب في إثارة بعض المشاكل بين قائد القبيلة عيسى بن عمر، وعامل مدينة أسفي آنذاك الطيب بن هيمة. ونستشف من خلال الوثائق والمراسلات، أن طبيعة العلاقة كانت مطبوعة بنوع من التوتر، نتيجة للجوار وتداخل الحدود بين الإيالتين، ففخدة اولاد سلمان من قبيلة البحاثرة، كانت تحيط بأسفي من الجهة الجنوبية، وعرفت بعض المشاكل بسبب تعرض أحد صلحائها وإخوانه إلى استفزازات وهجومات ليلية، على يد بعض أعوان عامل المدينة، وتشير بعض الرسائل إلى أنهم "... اتخذوه جرحا، وأكلوا متاعه، وقبضوا عليه هو وإخوانه وجعلهم بمطفية، ثم شدوا وثاقهم... وما سرحهم من يده إلا بعض حفدة الشيخ بتطارحهم عليه بالعار. فاشتكى المعتدى عليه للقائد عيسى بن عمر، باعتبار تابعا لإيالته، وكتب القائد بدوره إلى العامل بن هيمة يطلب منه الحد من هجومات وتعديات التابعين له على إيالته، فكان جواب العامل مطبوعا بنوع من الاستخفاف، ولم يعر أي اهتمام للقضية، مما دفع بالقائد إلى رفع شكاية للسلطان، الذي أصدر كتابا باللوم والتوبيخ لعامل المدينة وأمره ب "...قصر المستخيرين على قبة الشيخ ومنعهم مما عداها من المنافع والدود عن بيت الخلاء". وتزداد ملامح الصراع الخفي بين القائد والعامل وضوحا، من خلال محاولة النيل من سمعة أسرة القائد، وذلك بقصد توريط أحد أفرادها في فضيحة أخلاقية تتصل بادعاء دمية من يهود أسفي، وهي لعولي بنت البلية، التي اتهمت ابن أخ القائد باغتصاب بنتها وافتضاضها، فاعتبر القائد أن هذا الاتهام كان بإغراء من العامل وقدم الدليل على براءة ابن أخيه بموجب شهادة عدول جاء فيها : "... أغراها من أغراها على أن ترمي بذلك السيد احمد بن القائد محمد بن عمر ... على وجه البهتان والفجور، وبقصد أداية عمه القائد السيد عيسى المذكور، وهتك مروءته" وإن ربط هذا الادعاء، بإغراء مجهول، يمكن أن نجد له تفسيرا في رواية الاشهاد التي تذكر بأن الدمية اليهودية: "... كانت في أيام المسغبة الماضية تطوف مع جدتها في القبيلة لطلب المعيشة... وأن عبدا اغتصبها وافتضحها فسألوه عنه من هو فلم تعرفه فبحث الخليفة عن القضية فلم يقف لها على حقيقة ثم ذهبت إلى مدينة آسفي فأغراها من أغراها... وذلك وبثبوت قاضي عبدة وأسفي". وتزداد حدة المنافسة أكثر بين القائد وعامل المدينة الجديد حمزة بن الطيب بن هيمة، حين تمكن القائد من توسيع دائرة نفوذ إيالته، بعدما أقره السلطان المولى الحسن سنة 1306ه/1888م على "المحارير" بجوار المدينة وأصبح القائد بذلك على مشارف مدينة أسفي، ولعل هذا الإقرار أدى إلى توتر وانفعال العامل حمزة بن هيمة، حيث ما إن تأكد من الخبر حتى "... قام وقعد وأراد توجيه ولده في عدد من العسكر وعامة المدينة لضربهم... فأخره أغا العسكر عن ذلك". مما خلق جوا من التوتر، واستدعى من القائد ضرورة إخبار السلطان بموقف العامل، وموحيا إليه، بأن رفض هذا القرار من طرف العامل، معناه، تحدى الأوامر السلطانية، والسعي نحو إيقاظ الفتنة بين البادية والمدينة حيث "... لو أنهم خرجوا لوقع ما لا يخفى من اشتداد نار الفتنة" ووصل صدى هذا الموقف" ...لأهل الزاوية الوصيلية فوقع بينهم شنئان وجروا ذيل التعدي على أهل محمد بن المقدم" ومعلوم أن فرعا من هذه الزاوية كان داخل مدينة أسفي، وتحت سلطة العامل بن هيمة. ومع ذلك فقد تدخل القائد عيسى بن عمر ليباشر أمر الصلح بينهم، لكن رد السلطان كان واضحا، فنبه القائد إلى أنه تجاوز إيالته، لذلك أمره بأن "... يكف عنهم ويخلي بينهم وبين عاملهم ومقدمهم وإلا فهو منه فضول". وتؤكد مجموعة من الرسائل أن القائد كان يخبر السلطان بكل خرق مارسه عامل المدينة ابن هيمة. فهل كان القصد من ذلك هو الإيقاع بابن هيمة ؟ أم أن ذلك كان يدخل ضمن خطة المخزن المركزي الرامية إلى استغلال جو النافسة، لمعرفة المزيد من الأخبار حول ممارسة ممثلي المخزن المحلي ؟ إن تعدد المراسلات في هذا الباب تجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأن السلطان المولى الحسن كان يسعى إلى تكثير مصادر أخباره حول أفراد مخزنه المحلي، ولعل هذا ما شجع القائد عيسى بن عمر، على أن يخبر السلطان بكل شاذة وفاذة تقع داخل المدينة. فحينما صدر الأمر للقائد "... باستخلاص العزيب الذي لابن زكريا بإيالة ابن الثمار بالثراء "وقام القائد بالتحريات اللازمة وتوجه "لمحل من قبيلته قرب أسفي" والتقى مع مالك العزيب" وخاطبه بالبيع فتمنع أولا.. ثم انقاد للبيع بريال 20000. ومعلوم أن سياق هذا الخبر ليس بريئا، بل هو إيحاء للسلطان بأن الطيب بن هيمة، على ذلك المبلغ الذي قدمه من أجل شراء "عزيب" اليهودي زكريا، وفي نفس السياق كتب القائد عيسى بن عمر إلى السلطان يخبره بتملص ابن هيمة من دفع كراء إحدى جنان المخزن التي كانت بحوزته، رغم التزامه بدفع "مائتي ريال كراء، وألف ريال إكراما... وإن ابن هيمة أبى الزيادة أو التسليم". ولم يجد العامل بدا، أمام ذلك إلا القبول بدفع ما التزم به، والرضوخ إلى "الزيادة التي زادها القائد عيسى ابن عمر في كراء جنان المخزن بأنه قبله بذلك الثمن".