مدرسة غينيا تعكس بوضوح أصول وماهية ومسار نشأة واندماج وانتشار الظاهرة الكناوية في المغرب. فالتاكناويت في الأصل مقاومة ثقافية خاضها عبيد إفريقيا من اجل اندماج اجتماعي في المجتمع المغربي يضمن الحفاظ على تمظهرات هويتهم الإفريقية. وبالتالي فهي تعبير عن المعاناة التي عاشها عبيد إفريقيا المقطعة أوصالهم العائلية والثقافية. هذه المقاومة الثقافية انتهت إلى اندماج جميل يجد صورته في الليلة الكناوية التي تحتضن الثقافة الشعبية المغربية من خلال مجموعة طقوس تدمج ثقافة الشفاء والتداوي بالأولياء والأضرحة "صرح للجريدة عبد الكريم لعسيري باحث في التراث الكناوي بالصويرة. الصويرة ملتاعة، حزينة، مصدومة توشح قلبها العاشق بالسواد ذات مساء يوم الأحد 02 غشت 2015 على الساعة الخامسة مساء. أتى المرض على ما تبقى من الجسد الضامر المنهك للمعلم محمود كينيا. احتضر جميل الروح لساعات على فراشه وقد تحلق حوله عشاقه توافدوا تباعا على بيته المتواضع يلقون على جسد أيقونة العقد الكناوي نظرة وداع أخيرة. تأكدت للمصالح الطبية الوفاة الوشيكة للمعلم مباشرة بعد إدخاله قسم العناية المركزة يوم 02 غشت 2015 . بلغ المرض مراحله النهائية. عاد محمود إلى حضن العائلة ليستقبل الموت الذي دعاه باسما منذ اعتلى منصة مهرجان كناوة شهر ماي المنصرم وسلم هجهوجه لابنه حسام وودع عشاقه وتوارى . فتح محمود بيته وقلبه لكل الذين عشقوه ونزل عليهم خبر احتضاره كالصاعقة ولو توقعوه ... أندري أزولاي مستشار الملك كان ضمن مودعي محمود كما كان في مقدمة مشيعيه إلى مثواه الأخير إلى جانب عامل إقليمالصويرة مباشرة بعد صلاة عصر يوم الأحد 02 غشت 2015 . هكذا أتى رحيل محمود كموجة جارفة تفقدك توازنك ولو وقفت متماسكا تنتظر قدومها بيقين. لحق بإخوته اجميعة، المعلم زيتون ثم المعلم عبد الله. ولم يتبق من أبناء المعلم بوبكر كينيا سوى زايدة والمعلم المختار. كان وداع محمود الحقيقي على منصة حفل ساحة مولاي الحسن بمناسبة حفل اختتام الدورة 18 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم شهر ماي 2015. ارتقى المنصة بجسد منهك وضامر فاجأ كل عشاقه الذين بكوه لحظتها بحرقة. أتذكر صور الكثيرين يرددون معه أغنية " مولاي أحمد" بأصوات خنقها الحزن والدموع. أتذكر لوعتهم وهم يدعون له بالشفاء. أذكر آخر ضربات هجهوجه ... خلعه عن كتفيه المتداعيتين وسلمه بعيون دامعة أمانة وارثا عائليا إلى ابنه حسام مع قبلة الرضى. في قمة مرضه ووهنه، كان محمود شامخا، رائعا واستثنائيا في عزفه وغنائه. أمتع جمهوره، استمتع بعشقه، وترجل عن سنوات نجوميته الطويلة متواضعا بسيطا كأني به يردد عبارة الصويريين الشهيرة ساعة تفرق الجمع " الله يسمح لنا". ينحدر محمود كينيا من أصول افريقية . جده من أبيه ينحدر من السودان أما جده من أمه فينحدر من غانا. هو كبير إخوة لازال منهم على قيد الحياة زايدة والمختار، فيما توفى الله برحمته كلا من اجميعة ، المعلم زيتون ثم المعلم عبد الله. يتفرد محمود في غنائه بجمعه بين الأسلوب الإفريقي والوطني والمحلي الصويري. فأسلوب عائلة كينيا هو السوداني باعتباره خصوصية وإرثا عائليا قادما من الجد عن الأم المعلم دا سامبا وعن الأب المعلم بوبكر غينيا . وهو ما تعكسه سبعة مقاطع سودانية منها "يرتى دزنا يرتى"، "هيد بيني كولومبارا"،"هيهي ياجان طايي"، و "تيمارماريا". كما أتقن محمود الغرباوي مثل باقي المعلمين المغاربة، وبصم على أدائه بالأسلوب الصويري مجسدا في الليلية الصويرية. " مدرسة غينيا تعكس بوضوح أصول وماهية ومسار نشأة واندماج وانتشار الظاهرة الكناوية في المغرب . فالتاكناويت في الأصل مقاومة ثقافية خاضها عبيد إفريقيا من اجل اندماج اجتماعي في المجتمع المغربي يضمن الحفاظ على تمظهرات هويتهم الإفريقية. وبالتالي فهي تعبير عن المعاناة التي عاشها عبيد إفريقيا المقطعة أوصالهم العائلية والثقافية. هذه المقاومة الثقافية انتهت إلى اندماج جميل يجد صورته في الليلة الكناوية التي تحتضن الثقافة الشعبية المغربية من خلال مجموعة طقوس تدمج ثقافة الشفاء والتداوي بالأولياء والأضرحة "صرح للجريدة عبد الكريم لعسيري باحث في التراث الكناوي بالصويرة. ضربة هجهوج محمود قوية وعميقة. تتردد كصدى ملح في داخلك. كصوت يناجي فيك ما توارى منك. حين تتابع أداء محمود أو تسمع موسيقاه، تحس بحنين قوي إلى أحجار زاوية سيدنا بلال، إلى طقوس الليلة والرحبة والجدبة. يعيدك رغم أنفك إلى المعنى الحقيقي للتراث الكناوي. أذكره سنة 2008 ، جالسته إلى جانب المرحوم عبد السلام البلغيتي،والمعلم السوداني. كانوا ناقمين على الجحود، والتوظيف التجاري والسطحي للتراث الكناوي. كانوا ناقمين خصوصا على لقطاء الموسيقى الكناوية الذين مسخوا هذا التراث الإنساني . أذكر المرحوم عبد السلام البلغيتي يردد عبارته الشهيرة على مسامعي " الروحانية ولات شطحانية". مات "المعلم". عند كل خسارة نكتشف إلى أي حد يذهب التراث الكناوي ضحية بساطة حاملي أسراره لا يريدون من الدنيا إلا " البركة". عند كل موت نقف على هول الإهمال والتعاطي الموسمي مع هذا الإرث الثقافي الذي يختزن ذاكرة حاملة لقيم التثاقف وموشومة بالوجع."على باب الله" يعيش الملعم الكناوي الأصيل... ويموت. رحم الله المعلم محمود.