كنت كثير الانشغال بنفسي ، حيث عزمت على التوغل داخل المغرب حتى يمكنني الإستفادة من خبرتي الطبية في خدمة الدولة هناك. كان أكثر الحديث أثناء ذلك الوقت ، في إسبانيا أو في الجزائر يدور حول إعادة تنظيم الجيش المغربي ، بمعنى، أعرب السلطان بعد معاهدة الهدنة مع إسبانيا، عن القيام بإجراءات إصلاحية. و لهذا قامت الصحف بنشر نداء ، الى كل أوروبي يمكن الإستفادة من علمه و كفاءته هناك ، بالتوجه إلى المغرب. لقد استأثر كل هذا باهتمامي ، فبدأت بوضع أفضل الخطط للمضي في غايتي . ونتيجة لتأقلمي عبر سنوات طويلة من الإقامة في الجزائر، كنت أعتقد، انه يجب علي أولا، حتى يمكنني التقدم بسرعة داخل المغرب ، الاحتكاك بسلوكات الأهالي والتعرف على عادات و أسلوب حياة هذا الشعب ، أكثر من محاولتي الإقتراب من السكان العرب في الجزائر. مكثت سبعة أيام في أكادير و استطعت أن أنال كفاية من الراحة. عن مغادرة المكان قصد التجول فلا حديث عن ذلك، حيث أن كل المحيط غير أمن للغاية. فقد صار هذا فعلا غير أمن للغاية بسبب المهربين، الذين يمارسون نشاطهم في منحدرات جبال شمال أغادير. مكان فونتي عند البحر هو فعلا، كما سبق قوله، المدخل الفعلي للقوافل اللأتية من السودان مباشرة، على الأقل بالنسبة لتلك ، التي سلكت سبيلها عبر نون. بعد ذلك إنضممت إلى قافلة عابرة، قصد الوصول في معيتها إلى تارودانت. لأنه حتى إذا لم يكن للإنسان من هنا ما يخشاه من نقص في الماء، فسلطة القوة تسود هناك كثيرا ، لذلك ينصج فيما يبدو بالسفر في جماعة. في نفس اليوم كانت لدي في فونتي للتو فرصة الإقتناع بكيفة إنعدام إحترام ملكية الغريب. فقد جاء غريبان هاربان إلى المدينة، حيث نُهبا عن أخرهما، حتى ملابسهما قد سرقت كلها. أكيد أن مجرد نزعة النهب عند البرابرة هنا، هي السبب المحرك لمثل هذه السلوكات، و ليست الحاجة إطلاقا. قد يجد الإنسان للرحامني عند واد الصويرة العذر، إذا كان لصا، لأنه يعيش في إحدى أفقر مناطق العالم ، لكن البلاد في سوس فهي إحدى أغنى أراضي المغرب كله. إنطلقنا من فونتي بعد الظهيرة، و بعد غروب الشمس توقفنا مساء في إحدى القرى ، دوار، بمعنى، مضرب الخيام، لا يعثرعليها الإنسان في هذا الجزء جنوبا من الأطلس، فكل السكان مستقرون. ومباشرة في اليوم الأول من سفرنا كان وجوبا علينا ، أن نشهد هجوما فعليا دليلا على نهب هذه القبائل. فقد سرق منا جمل ليلا . إذا ما فكر الإنسان ، أن الجمال تجتوا ليلا في دائرة موثقة السيقان الأمامية إلى بعضها، هكذا يمكنه تكوين فكرة عن مفهوم دهاء و جرأة اللصوص. رأيت الحيوان يساق في خطو سريع، إستيقضنا على الفور، أطلقت العيارات، لكن كل ذلك كان من غيرجدوى في ظلام الليل. في الصباح التالي حين إشتكى مالكو القافلة إلى شيخ المنطقة، وعد الرجل الوقورالمسمى الحاج العربي ، ببدل كل ما في وسعه من أجل العثورعلى اللصوص، لكن أكثر من ذلك لم يحدث . من حسن حظ مالكي الجمل الضائع، أن بقية الحيوانات الأخرى كانت قوية بما فيه الكفاية، حتى يمكنها تحمل حمولة الحيوان المفقود، التي تتكون من أربعة قناطر من السكر. لكن مع ضياع الجمل ضاعت تسعون مثقالا، ما يعادل مئة وسبعين فرنك. الأن و لأول مرة أطلع فعلا على حياة القوافل، الفطور بسيط يتكون من الزميتا (شعير محمر، خشن الطحن تملأ به القرب، يتذوق بعد أن يضاف إليه الملح، زيت أركان أو زيت الزيتون . الفقراء جدا يضيفون إليه الماء فقط)، سياقة الجمال، طهي الخبز مساء، أو حين يتم الوصول إلى قرية مضيافة يقدم الطعام من قبل سكانها فهذا هو المسار العادي لقوافل سوس. الطريق، الذي يتقدم متواصلا في إتجاه الشرق، وغالبا بموازاة مع النهر، يعد من أجملها، أما فيما يتعلق بغنى الطبيعة، فهي هنا كما يمكن للإنسان أن يتصورها فعلا . حين مر لمبيرعبر هذه الطبيعة الرائعة قدر المسافة من سنتا كروز (أغادير) إلى تارودانت بأربعة و أربعين ميلا إنجليزي، لابد أنه كان معكرالمزاج جدا. فهو لم يقل عنها شيئا أكثر من هذا: كانت الطريق جميلة، لكنها مملة، ذلك أننا لم نمرإلا عبرمرتفعات و غابات . ومع ذلك لا يمكن مقارنة هذه المرتفعات الرائعة إلا بطبيعة ومحيط لومبارديش دي بو البندقي. فعلا ينقص التيارالقوي لكن كيف هو رائع إنسياب الماء الذائب متجولا عبر سوس عبرالزيتون و جنائن البرتقال . وفي الشمال يبدي الأطلس الشامخ هو الاخر، قمم تلوج جد عالية، مثل مونت بلانش و جبال أخرى في سويسرا و تيرول. هكذا فعلا لم يخطأ على كل حال الأقدمون تماما، وهم يصفون جبل الأطلس الهائل، كعماد السماء. وهدُ الوادي هو جنان حقيقي ، قرية، دار بجانب الأخرى، أشجار الزيتون، التين، الرمان، التين الشوكي، المشمش، اللوز، البرقوق، البرتقال ، دوالي العنب تكون فوضى لطيفة. لكن مثما هوالمحيط رائع ، كذلك يبدو موحشا بحيث، أن الكل مسلح حتى مخمص القدمين . كل رجل يحمل بندقيته الطويلة العتيقة على ظهره، كثيرا جدا ما يرى الإنسان هنا بندقية فوهتين ، التي تتسلل إلى هنا من السنغال: فوق هذا لكل واحد خنجره المقوس غالبا بغمد مصنوع من الفضة . كنت في الواقع أنوي التوغل في منطقة نون، لكن نوبات الحمى المتواصلة، و ايضا ثوق العودة ثانية إلى الناس المتمدنين، و أخيرا الوصف، الذي يقدم في أغاديرعن المسمى الشريف سيدي الحسين، الذي يقيم في زاوية سيدي أحمد بن موسى و الذي كان علي المرور عبر منطقتها، جعلني أحجم عن ذلك. يحكى في أغاديرعن فضاعة و وحشية هذا الإنسان، أنه أمر حتى بقطع رأس أخيه و إبنه و قبل فترة قصيرة بإعدام مرتدين إسبانيين أيضا. هذا طبعا لا يمنع من ، تمتعه بصيت الولي الكبير خاصة في تلك الفترة، فأثناء تواجدي في أغادير، كانت تلك هي الفترة الرئيسية لزيارة زاويته، فهذه الفترة يطلق عليها إسم ? موقور?. من كل أنحاء المنطقة يشد ألاف من الناس الرحال إلى زاوية سيدي أحمد بن موسى ، حتى يحملوا لحفيد محمد مدخراتهم، ولينالوا مقابل ذلك البركة والتطهير من ذنوبهم. أظن، أن سيدي أحمد بن موسي، هو المكان المبين على خريطة بيترمان الصغيرة تحت إسم ٍفزان، أو كما قد نكتبه نحن الألمان وزان . حيث كثيرا ما يحرص الحجاج على القول، إنهم راحلون إلى وزان ، ثم حين كنت أعني ، أنه سوف يكون أمامكم قطع طريق بعيد، لأن وزان بعيدة جدا و وراء فاس، كانوا يجيبون، لا يريدون الحج إلى وزان مولاي الطيب ، و إنما إلى وزان سيدي أحمد بن موسى . غاتل، الذي توغل بعدي حتى نون لا يذكر هذا المكان. أكيد كان بإمكاننا الوصول في اليوم التالي إلى مدينة تارودانت، و بما أننا صرفنا الكثير من الوقت في البحث عن الجمل المسروق و لم ننطلق إلا وقت الظهر أولا، هكذا كان علينا قضاء ليلة أخرى هناك. وفي النهار كدت أتعرض شخصيا للنهب أو حتى للقتل . كنت قد إبتعدت قليلا عن القافلة، حين أو قفني فجأة رجلان مسلحان، و بينما كان حدهما يسأل، عن أخر المستجدات في أغادير، شد الأخر محبس بندقيته، كانت نيتهما دون جدال نهبي ، لولا أن لحق بي من حسن الحظ إثنان من القافلة، مسلحان هما الأخران، كانا قد تخلفا ايضا عن القافلة، و بذلك ردءا عني خطر، نهب قطع ملابسي . في نفس الوقت تلقيت من هما تأنيبا خشنا و منعاني ، من الإبتعاد مرة أخرى عن القافلة ، ذلك أن قائد أغادير حمل القافلة مهمة وصولي سالما إلى تارودانت. صارت سلسلة الجبال في علو دائم ، حتى حين يتوغل الإنسان نحو الشرق، يبقى مع أنه متقدما دائما فوق المستويات. أعداد دون نهاية من الأودية الفارغة، التي تحمل الماء في فصل الربيع فقط ، منسابة من الأطلس إلى سوس، لكن واحدا معينا فقط وهو(مبين بالضبط على خريطة بيترمانشن)على بعد بضعة ساعات جنوب تارودات يحمل الماء طيلة السنة. من المحتمل أن هذا هو النهر الذي ذكره غاتل، واد أيور. حين عبرته، في ذلك الوقت، لم أستطع الإستفسارعن إسمه . مساء توقفنا بمحض الصدفة عند بيت، يسكنه العرب (كل منطقة سوس سكانها دون ريب برابرة)، الذين لا يفهمون من البربرية إلا قليل أو لا شيئ منها إطلاقا. أي فارق في الإستقبال، بينما في المساء السابق، ونحن نقضي ليلتنا في إحدى القرى الكبيرة، لم يُحضر أحد أكلا، بل على العكس كنا مجبرين على إطعام أنفسنا بأنفسنا، قدم هنا سيد البيت الطعام لكل القافلة وعلى نحو من السخاء. وهنا كان لنا دليل أخرعلى، أن العرب أكثر ضيافة من البرابرة . في الصبح التالي كنا نتابع من جديد سيرنا قبل طلوع الشمس ، لم يكن أمامنا اليوم إلا قضاء نصف مسافة، حيث كان لابد من دخولنا إلى تارودانت وقت الظهيرة. يمينا على الضفة اليسرى للنهر بدت الأن ايضا سلسلة الجبال، الأتية من الشمال الشرقي والممتدة حتى الجنوب الغربي . فكلما إقتربنا من المدينة، إلا و ألفينا محيطا زراعيا، مع أنه بالكاد، كما هو في كل مكان، يتم إستغلال إثنى عشر جزء من مجموع أراضي البلاد. قبيل الظهيرة بقليل سألني أحد رفاقي ، إن كنت لا أرغب في مشاهدة المدينة، وبناء على إجابتي بالنفي، اُشير إلي نحوغابة نخيل قريبة، مضيفا: تلك هي المدينة، لكن المباني لا ترى بسبب النخيل الباسق و أشجار الزيتون الكثيفة. هكذا كان الأمر في الواقع، ونحن نواصل السير في غابة شجرالزيتون، فجئة وجدنا أنفسنا أمام البوابات، دون أن نلاحظ من قبل أقل شيئ من بنايات المدينة. كان الوقت ساعتها ظهرا، حين عبرنا بوابة المدينة. هناك إنفصلت عن أناس القافلة الطيبين، لأجل البحث عن مأوى، وقد كنت سعيدا جدا كذلك و أنا أجد بُويتا في أحد الفنادق. غير أن باب هذه الحجرة كانت جد منخفضة، بحيث، أن كلب صيد كبير لا يكاد يدخلها، دون الإنسلال ، ايضا حتى و إن إستطعت التمدد وفقا لطولها، هكذا كان العرض لا يشتمل على أكثر من نصف طول الجسم . بدل الأثات كانت الأرض تتكون من طين مدعوق جيدا.