قررت الكتابة ضد النسيان والكذب والخسارة والتواطؤ، قررت الكتابة لأن الأسوأ ربما لازال قادماً ليس فقط في سوريا ... هذا الكتاب ربما يلخص معركة شعب عازم على إنهاء دكتاتورية عمرت 40 سنة . شعب يتطلع للحرية، لكنه يغرق يوماً بعد آخر في الجحيم أمام أنظار مجتمع دولي غير مبال ... هذا الكتاب هو حكاية ربيع سوري بدأ كميلاد للحرية لينتهي في خراب جهادي له أبعاد وتداعيات إقليمية ودولية ... . سننسحب لكن بعض رجالنا سيبقون هنا للمراقبة شرح لي القائد طلاسي وهو يخاطب رجاله. هيا يا رجال، اركبوا السيارات بأمر أبو عرب. نعم، ليستعيد كل واحد مواقعه بسرعة يقول أبو صخر أحد الثوار حازم وصارم لا يفارق القائد طلاسي أبو صخر واسمه الحقيقي خالد الحمد الذي سيذكر اسمه ذات يوم في كل أرجاء العالم. الجيش الحر، جيش الشعب السوري والديمقراطي آمن بعدالة قضيته وبنهاية سعيدة لنضاله، يعاني من نقص حاد في المعدات وحتى الآن في التجربة في مجال حرب الشوارع لكون المؤسسة العسكرية التي ينحدر منها الجنود المنشقون مترهلة وقديمة، فهل يتسلل الاسلام الراديكالي أو ربما اقتحم ثورة السوريين عن طريق البيترو دولار؟ بعيدا عن الكاميرا يعترف أحد المقاتلين بأن أفرادا من السوريين السنة المقيمين في دول الخليج الغنية يدعمون ماليا الثورة بما يسمح للمنشقين من تغطية حاجياتهم الملحة: »لكن ذلك لا يشكل سوى قطرة ماء في صحراء بالكاد تكفي لشراء الدخيرة لجزء فقط من البنادق والأسلحة التي أخذنا معنا خلال انشقاقنا أم بالنسبة للحكومات العربية فإنها لا تعطينا شيئا«. يكفي ملاحظة تسليح كتيبة الفاروق طيلة مقامنا في بابا عمرو للتحقق من أن هذه التأكيدات ليست بعيدة عن الحقيقة: بنادق كلاشنيكوف بأعداد كثيرة بضع رشاشات من نوع ماغ 58 وقاذفات قنابل من نوع أريي جي 7 لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة هذه كل ترسانة كتيبة الفرقان وهي محظوظة نسبيا. "الاخوان المسلمون" في سوريا القوة الاسلامية المعارضة الأكثر تنظيما رغم 3 عقود من المنفى يتهمهم النظام كذلك كأحد مصادر تمويل الجيش السوري الحر، لم يكونوا متحمسين لتسليح الصراع وسيتأخرون في تمويل الثورة بالنظرة إلى »عقدتهم الكبرى تجاه العنف« كما يوضح رافائيل لوفيفر الباحث في العلاقات الدولية بجامعة كامبريدج في مقال بعنوان » الثورة والعنف في سوريا: ارث الاخوان المسلمين« في مجلة مشرق / مغرب عدد 213 خريف 2012، يسلط فيه الضوء على تأثير مجزرة حماه على استراتيجية الجماعة التي اعترفت في سنوات 2000 بنصيبها في المسؤولية عن حمام الدم لسنة 1982: »بعد أن ركزت على ضرورة استمرار وبقاء الربيع السوري سلميا لأطول مدة ممكنة، أجبرت الجماعة على الدخول بشكل أو بآخر في المواجهة المسلحة المباشرة مع النظام. ويتساءل عضو علماني في المعارضة السورية في فبراير 2012 قائلا: »نحن في اليسار، ولكننا أكثر قسوة من الاخوان المسلمين تجاه النظام، إنه شيء يثير الجنون«، بعد شهر في نهاية مارس قررت الجماعة في النهاية تمويل المجموعات المنضوية تحت لواء الجيش السوري الحر. »بالموازاة مع ذلك، أصدرت الجماعة مشروعا سياسيا جديدا يجدد تشبث الجماعة بقيام سوريا ديمقراطية« تحترم فيها حقوق جميع المجموعات الاثنية والدينية« في محاولة لطمأنة الأقليات بأن انضمامها لفصائل المعارضة لا يعني العودة إلى وضعية سنوات 1980. »كما أن قادة الجماعة ألحوا بذلك على كون تورط الاخوان المسلمين في عسكرة الثورة السورية لا يتعارض تماما مع نبذهم لاستعمال العنف، وقد صرح علي البايانوني الكاتب العام السابق للفرع السوري لجماعة الاخوان في ماي 2012 »أن الحق في الدفاع الشرعي عن النفس لا يتعارض تماما مع أهمية الطابع السلمي للثورة«. لكن، إذا كان الإخوان المسلمون لا يمولون بعد الثورة خلال تصويرنا في دجنبر، وأن المساعدة العسكرية القطرية أو السعودية لم تتجسد بعد على الأرض، ألم تلتحق عناصر سلفية راديكالية قد التحقت بصفوف الثورة؟ هل كان الجيش الحر مشكلا فقط من المنشقين يدعمهم المدنيون؟ في حاروكة غير بعيد عن رجال النقيب طلاس، لاحضنا مقاتلين يشبهون سلفيين أكثر من منشقين عن الجيش. »هؤلاء الملتحون كلهم جنود سابقون لكن لا أحد يتوفر على وقت لحلاقة وجهه، يشرح أبو عرب ردا على تساؤلات أحدهم في رتبة نقيب، لم يعلن بعد انشقاقه خوفا من الانتقام من عائلته«. المؤشر الوحيد على التطرف العقائدي وليس الديني الملاحظ في بابا عمرو اسم رجل له شهرة مثيرة، كانت الجماهير ترفع في بعض الأحيان اسمه خلال المظاهرات الليلية: عدنان عرور هذا الرجل محكوم عليه بالاعدام،وهو منفي في السعودية منذ 1982 وأصبح النجم البارز لدى المتظاهرين بفضل برنامجه الأسبوعي »مع سوريا حتى النصر« الذي تبثه القناة الكويتية، »وصال« خطاب هذا الجندي السابق الذي تحول إلى داعية سلفي، خطاب ناري تجاه العلويين الأقلية الحاكمة في سوريا، في بابا عمرو كما في كل سوريا، تزايدت أعداد الذين يتبنون هذا الخطاب الطائفي خاصة في أوساط الطبقات الفقيرة من الأغلبية السنية. هل هي حرب مذهبية على وشك الاندلاع في البلد؟ سينطوي ذلك على خطر حدوث انفجار اقليمي كبير، سنرى قريبا ارهاصاته. فإذا كان الجيش السوري الحر، في بابا عمرو كما في غيره يؤكد رفضه لأية طائفية وينفي بقوة وجود جهاديين سنيين بين صفوفه، فإنه بالمقابل يتهم نظام الأسد باللجوء إلى مقاتلين أجانب لقمع الثوار، وحسب الجيش السوري الحر فهؤلاء الأجانب يأتون أساسا من ايران التي تعتبر واحدا من أهم حلفاء دمشق وخلال الاستجوابات مع الضباط الأحرار بالرستن في غشت 2011، أكد طلاس ورجاله أنذاك أن عناصر من حراس الثورة الاسلامية الايرانية وعناصر من حزب الله اللبناني يشاركون في أعمال القمع في سوريا، كما أنه خلال هذه الفترة كشف سكان حماه في شهادات لهم أمام الكاميرا النظام ضد المدينة المتمردة في نهاية يوليوز والذي لقي ادانة واسعة من المنتظم الدولي »عندما أراد حماة صعد رجال إلى سطح مركز للشرطة وأطلقوا النار على العائلات التي كانت تحاول الفرار من المدينة رأيتهم بأم عيني عندما اكتشف الجيش أن الدخيرة نفدت من هؤلاء القناصة وأنهم سيسلمون أنفسهم لقصف مبنى مركز الشرطة من أجل قتلهم حتى لا يتم أسرهم أحياء ويتم اكتشاف أنهم ايرانيون! ثلاثة منهم ظلوا أحياء عندما توجهنا إلى عين المكان وطرحنا عليهم أولى أسئلتنا ظلوا صامتين. اعتقدنا أنهم مصدومون من هول القصف الذي تعرضوا له، في الواقع لم يكونوا يتكلمون العربية، تحققنا من أوراق هوياتهم التي كانت معهم، لقد كانت وثائق ايرانية إنهم ايرانيون. هذه الشهادات التي تحدثت لأول مرة عن تورط طهران وحزب لله اللبناني في المعارك في سوريا، ستؤكدها فيما بعد شهادات أخرى متعددة، إلا أن الدلائل على هذا التورط ظلت مع ذلك دلائل هشة. 21 دجنبر 2011 كانت الساعة تشير إلى الساعة 7 عندما طلب محمد من زوجته أن توقظني بسرعة بابتسامة عريضة. كان مضيفنا ينتظرنا فيالبهو. بمجرد ما رآني أشهر بانتشاء 5 جوازات سفر حمراء. للوهلة الأولى اعتقدت أن الأمر يتعلق بوثائق فرنسية. . لمن هذه الوثائق؟ ماذا حصل لأصحابها؟! إنها لإيرانيين! إنها جوازات سفر إيرانية تريدين دليلا ملموساً عن تواجد هؤلاء الأوغاد في سوريا؟ ها هو الدليل! لقد أسرنا خمسة إيرانيين وهذه الجوازات لهم. خلال عشر دقائق، وصلنا إلى مقر قيادة طلاس الذي كان يستعد لاستجواب الأسرى الخمسة. على الأرض تم وضع الأغراض التي وجدت في حقائب الأسرى مع حرص تمثيلي خاص بالتأكيد على أهمية ما تعتبره كتيبة الفاروق غنيمة حرب ثمينة. بطبيعة الحال، كميات مهمة من الريال (العملة الإيرانية) صور لمؤسس الجمهورية الاسلامية الإيرانية آية الله خميني والمرشد الأعلى الحالي للجمهورية علي خامنيئي، صور للأسرى مأخوذة في إيران وفي سوريا، في مساجد بالزي العسكري أو على متن دراجة نارية، وبالخصوص بطاقة تعريف عسكرية إيرانية. منذ عدة أشهر، يؤكد الجيش الحر أن إيران تزود نظام بشار الأسد بالرجال، وبهذا الاعتقال، حصل طلاس ورجاله أخيراً على الدليل لتأكيداتهم. واحد تلو الآخر تم اقتياد الأسرى مقيدي الأيدي إلى الخلف إلى القاعة المركزية لمقر القيادة، حيث كنا متواجدين رفقة طلاس الذي حرص على طرح أولى الأسئلة أمام الكاميرا. . ما اسمك أنت؟! ماجد والي من الجمهورية الاسلامية الإيرانية يركز طلاس وهو يضع جواز سفر الأسير بارزاً أمام الكاميرا. هذا اسمه وهذه صورته: ماجد والي، يضيف وهو يقرب الصفحة الرئيسية للجواز من رأس الأسير. ماجد هذه صورك؟ التقطت في سوريا؟ يسأل طلاس، وهو يظهر صوراً له وهو يحمل سلاحاً. لا. في إيران. . ماذا تفعل في سوريا؟ أشتغل في جندار، في المحطة الكهربائية. الأسرى الذين اعتقلوا وهم يلبسون بذلة العمل الزرقاء، كانوا عمالا في المحطة الكهربائية لجندار، البلدة التي تبعد حوالي 30 كلم إلى الجنوب من حمص. ولكن بالنسبة لطلاس ورجاله يتعلق الأمر بمتعاونين مع الجيش السوري »موقع جندار يوجد على بعد كلمترات من حمص، ماذا كانوا يفعلون هنا في المدينة وسط منطقة مواجهات؟ المرتزقة الإيرانيون هم في الغالب من القناصة. هؤلاء كانوا متوجهين لأخذ مواقعهم على البرج أمام بابا عمرو. ما كانوا يحملون معهم كانت بذلات رجال نظافة. لبسوها للتمويه حتى يتمكنوا من التحرك بسهولة في الشوارع والوصول إلى البرج. رأيناهم على الفور، هم ليسوا من عمال النظافة في الحي، ثم إنه لم يتم جمع الأزبال والنفايات في المنطقة منذ مدة«. تم تقديم باقي الأسرى أمام طلاس، في أعقاب كل استجواب يقترب مهند من الأسير المستجوب لمساعدته على الجلوس إلى جانب زملائه الأسرى الآخرين على سرير مرمي على الأرض، بينما يشير أبو عرب لأحد رجاله لجلب الأسير التالي. النقيب طلاس أبدى اهتماماً خاصاً بمن يعتقد أنه رئيس المجموعة سجاد أمينان. فهو صاحب البطاقة العسكرية التي أثارت على الفور انتباه الثوار، مدها طلاس نحوه وسأل بنبرة هادئة: »هذه لك، أليس كذلك؟ ما هو عملك؟« ظل الأسير صامتاً، فهو لا يتكلم سوى الفارسية، خلافاً لماجد والي الوحيد من ضمن المجموعة الذي يعرف بعض الكلمات العربية. »هذه بطاقة سجاد مع صورته بالزي العسكري. على البطاقة: »جيش الجمهورية الاسلامية لإيران«، كما قرأها طلاس أمام الكاميرا. بالنسبة للأسرى الإيرانيين، إنها فقط مجرد شهادة إعفاء من الخدمة العسكرية، أما الجيش الحر، فإنه يرى في ذلك تورطهم إلى جانب الجيش النظامي. وسواء كان الأسرى الخمسة جنودا قناصة أو مجرد مهندسين، كما أكدت السفارة الإيرانية في دمشق، تم اختطافهم، فإنهم يشكلون عملة مقايضة ثمينة للمبادلة مع المنشقين الذين تمكن النظام من القبض عليه. لكن هذه اللعبة قد تكون خطيرة. في نفس اليوم، طالبت السفارة الإيرانية بالإفراج الفوري عن رعاياها المفقودين وكانت لاتزال تجهل هوية مختطفيهم وكتيبة الفاروق لم تعلن أن الأسرى لديها إلا بعد مرور أزيد من شهر على الأسر (26 يناير 2012). بعد حلول الظلام، دوى انفجار قوي في الحي. في ليل بابا عمرو الحي المحروم من الكهرباء منذ عدة ساعات، كانت سيارة إسعاف مهترئة وعليها آثار رصاص القناصة تتجه بين الأزقة والدروب متجهة نحو المستشفى الميداني. كان ضحايا القصف يصلون بكل الوسائل إلى المستشفى. وحتى مهمة نقل الضحايا تبدو محفوفة بالمخاطر »انظروا إلى أضواء الإنارة الخلفية، يقول سائق سيارة