خلف قرار اقتراض مجلس مدينة الدارالبيضاء حوالي 200 مليار سنتيم من البنك الدولي عدة ردود متباينة. فهناك من رأى أن القرار يندرج في إطار خطوة "تدويل" العاصمة الاقتصادية وإدخالها المنتدى المالي العالمي، وهناك من رأى أنها خطوة غير مدروسة ولم يحن وقتها بعد. فبحسب الوثيقة المقدمة من طرف مسيري المجلس للتصويت على منح المكتب المسير الضوء الأخضر للاقتراض، فإن هذه الخطوة تهدف إلى "تطبيع الاقتصاد المحلي وجعله يخضع لمعايير ومقاييس محددة ومتعارف عليها". ومن "الناحية الاستراتيجية يهدف هذا الاقتراض إلى إدماج الدارالبيضاء في منظومة الاقتصاد العالمي، لما لها من ضوابط مالية تقنية، ستمكن أولاً من تقوية القدرات المالية والادارية للجماعة الحضرية، بالإضافة إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، مع ما يتطلبه العصر الحالي من وسائل حديثة، ثم تحسين مناخ الأعمال بالمدينة والرقي بها إلى مصاف العواصم العالمية الكبرى، بحيث ستتقوى جاذبية الدارالبيضاء، لتصبح فعلا قبلة لأكابر المستثمرين والرساميل" . ويبلغ الغلاف المالي الذي قدمته الوثيقة 200.000,000 دولار أمريكي، وتمتد مدة القرض على مدى 29 سنة بسعر فائدة يبلغ 1,20 في المائة تقريباً، مع إعفاء السبع سنوات الأولى من الأداء، على أن يتم إعداد وتهييء ملفات القرض، ابتداء من صيف 2015 تحت إشراف ممثلي البنك الدولي بالمغرب، وسيتم تقديم البرنامج النهائي للقرض بداية سنة 2016، لتبدأ الدفعة الأولى للقرض شهر مارس 2016. هذا هو مضمون الوثيقة التي قدمها المكتب المسير لمجلس المدينة لأعضائه بالمجلس للتصويت عليها في دورة يوليوز الأخيرة، وهي الدورة التي مرت في دقائق معدودة، وتم التصويت على هذه النقطة بالأغلبية الحاضرة، علماً بأن الحضور لم يتجاوز 40 منتخباً، لأن الجميع منكب على التهييء للاستحقاقات القادمة التي ستجري في الرابع من شهر شتنبر المقبل ؟. المعارضون لفكرة الاقتراض من البنك الدولي، وفي تصريحاتهم لجريدتنا، تساءلوا كيف لمثل هذا القرار الفجائي والأول من نوعه في تاريخ التدبير الجماعي بالمغرب، أن يمرر في الدقيقة 90 من عمر المجلس، ودون دراسة معمقة، معتبرين أن الوثيقة المقدمة للمجلس غير كافية، ولا تجيب عن الكثير من الأاسئلة، خاصة وأن الدارالبيضاء عاشت حالة بلوكاج دامت حوالي سنة ونصف وتتخبط منذ سنين في عجز مالي، ومع ذلك، لم تفكر في اللجوء إلى البنك الدولي إلا اليوم؟ ملاحظات هؤلاء لم تقف عند هذا الجد، بل ذهبت الى حد التساؤل والاستفسار عن كيفية اتخاذ هذا القرار، وهل مجلس المدينة التجأ الى الابناك الوطنية المغربية ولم يجد من يقرضه حتى يلجأ الى البنك الدولي؟ وهل مؤسساتنا البنكيةلا تتوفر على هذا المبلغ كي تقدمه لمدينة لها كل الضمانات القانونية؟ الوثيقة المقدمة للملجس لم تقدم أيضا، الاسس، المعتمدة لتحديد مبلغ القرض. ونوعية المشاريع التي سيتم تمويلها بهذا المبلغ، هل هي مشاريع مدرة للدخل، وتمكن من تسديد الدين؟ أم تدخل في إطار البنى التحتية، التي لن تجني منها المدينة أية مداخيل؟ المثير ايضا ،بحسب المتحفظين من فكرة الاقتراض، ان الجماعة الحضرية للدار البيضاء لها من "الباقي استخلاصه" اي المداخيل المستحقة لفائدتها، ولا يتم استخلاصها بحكم الفشل التدبيري، 300 مليار سنتيم. بمعنى ما جدوى الاقتراض مادامت هذه المبالغ موجودة، ويكفي فقط استخلاصها؟ الوثيقة كذلك لم توضح نوع الضمانات التي تقدم بها المسؤولون للبنك الدولي، للحصول على هذا القرض، ولم تحدد من جالس مسؤولي البنك الدولي وفاوضهم، وهل تمت دراسة جيدة لتوقيت الاقتراض بعملة الدولار، الذي هو في حالة صعود وانخفاض، وهو اليوم في "أبهى" ارتفاع، مقارنة مع اليورو؟ ونشير الى أن مجلس مدينة الدارالبيضاء بلغ الخطوط الحمراء، بخصوص الاقتراض من صندوق التجهيز الجماعي، ولم يعد مسموحا له بطلب الاقتراض منه، كما أنه بلغ أحلك وضعية مالية، إذ لا يحقق اي فائض مهم، يجعله يتبنى مشاريع كبرى، بل عاش لسنوات من منح قادمة من وزارة الداخلية، او غيرها من المؤسسات. أضف الى ذلك، ان ادارة المجلس المالية تعيش الكبوات تلو الأخرى، إذ لا تتمكن من استخلاص مستحقاتها ولا تدبر موارد ممتلكاتها بالشكل المطلوب والناجع؟