ظاهرة سيارات الدولة التي يستعملها موظفو الدولة تبقى ظاهرة فريدة في المغرب، إذا ما قورنت مع دول غربية وشرقية متقدمة كفرنسا وكندا واليابان، التي لا تستعمل سيارات الدولة إلا عند الحاجة وبكلفة أقل. في المغرب تبقى هذه الظاهرة هي صاحبة الحظوة لدى من يستعملها، بل ويتهافت من أجلها وزراء ورؤساء مصالح وموظفون ورؤساء جماعات حضرية وقروية. سيارات الدولة التي تعرف بسيارات" المصلحة أو الخدمة" والتي تحمل ترقيما باللون الأحمر تابعة لمصالح الدولة أو الجماعات المحلية، يتعدى عددها في المغرب 120000 سيارة، وهو عدد ضخم يفوق بكثير دول عظمى مثل الولاياتالمتحدة وكندا واليابان ، هذه الأخيرة لا تتوفر إلا على 3400سيارة رغم قوتها الاقتصادية. العديد من سيارات الدولة في المغرب "غير زايدا"، وتبقى فقط للتباهي أمام الناس، لأن "صاحبها" هو رئيس مصلحة معينة تكافئه الدولة بها، ليظهر أمام الناس كشخص ذي ميزة خاصة، ليظفر بالاحترام والسلطة...فيما آخرون يستعمل سيارة الدولة لقضاء مآرب شخصية الكل في المغرب يعرفها... سيارات الدولة كثر عنها القيل و القال خاصة في عهد حكومة التناوب الأولى الذي ترأسها عبد الرحمان اليوسفي سنة 1998، ففضل أن يقلص من خدماتها لمواجهة التبذير المالي الذي تشهده حظيرة سيارات الدولة . فلجأ الى التفويت ببيع "الزائدة" منها ، لمستعمليها من رؤساء المصالح و آخرين، مع منحهم تعويضا شهريا يحفزهم على استعمال سياراتهم الشخصية، لكن سرعان ما تبخر هذا الإجراء في حكومة إدريس جطو، لتعود حليمة إلى عادتها القديمة، وهو الأمر الذي يدل أن الإدارات المتخلفة والأكثر بيروقراطية هي التي تتوفر على عدد اكبر من سيارات الخدمة التي تشكل في مثل هذه الدول مصدرا مهما لهدر و تبذير المال العام. لكن اللافت في هذه الظاهرة الفريدة، هو القرارات التي تصدر من حين لآخر من رئاسة الحكومة ومن وزارة الداخلية، بعدم شراء سيارات الخدمة إلا عند الضرورة القصوى، خاصة في السنين الأخيرة للعجز الذي تعرفه ميزانيات الدولة لا يتم الأخذ بها، بل ما لوحظ هو مضاعفة عددها، والأدهى من كل ذلك هو شراء سيارات فارهة وبأثمان باهظة، ومن بين أصحابها وزراء ورؤساء دواوين ومصالح ورؤساء جماعات حضرية وقروية ضعيفة و هشة.... وفي الوقت الذي تمت مطالبة الإدارات و الجماعات الترابية، باقتناء سيارات "داسيا" التي تنتجها شركة "رونو" بالمغرب ، بسعر لا يتجاوز 9 ملايين سنتيم، تطالعنا مواقع التواصل الاجتماعي باستغراب كبير ، بنشر صورة لسيارة فارهة من نوع "ميرسيديس 200 الجديدة، يتم اقتناؤها من المال العام بمبالغ خيالية تزيد عن 90 مليون سنتيم... المغاربة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كشفوا كذلك، سيارات فارهة تحمل ترقيم جماعات قروية وحضرية،يستعملها رؤساء لمجالس لا تتوفر على مستوصف أو مدرسة أو بنية تحتية في المستوى، في حين تكون الميزانية متوفرة لاقتناء سيارات فخمة. والنموذج من الجماعة الحضرية للرشيدية التي حملت شعار محاربة الفساد كما قالوا في مستهل الولاية ، فلاحظ سكان المدينة بأن السيارة التي كان قد اقتناها الرئيس السابق للمجلس (س.ع) من نوع بوجو فارهة، كانت قد لقيت معارضة شرسة من مستشاري المعارضة لثمنها، من بينهم الرئيس الحالي، حيث اتهموا الرئيس السابق بتبذير المال العام فنغصوا عليه الاستمتاع بركوبها لمدة. اليوم يتباهى الرئيس (ع.ه) باقتناء أكثر من عشر سيارات "خدمة"، آخرها سيارة بوجو البيضاء الذي يفوق ثمنها 20 مليون سنتيم، تاركا البوجو السوداء التي مازالت في ريعان شبابها، وقام بتوزيع خمس سيارات بوجو أخرى على موظفين و مستشارين ، حيث في ظرف خمس سنوات استبدلوا سيارات (داسيا)، بسيارات (بوجو) الغالية الثمن، ليتبين للملاحظين مدى احترام الرئيس لمحاربة الفساد، ضاربا عرض الحائط التوصيات الداعية الى التقشف في كل شيء: الاستقبالات ، الندوات ، السفريات استهلاك الطاقة ، لتبقى هذه الأخيرة هي التي استجاب لها رئيس بلدية الرشيدية، حيث يعمد إلى إطفاء الإنارة العمومية بأهم شوارع المدينة في الساعة العاشرة ليلا بدل السادسة صباحا ، مسدلا عليها الظلام قبل الأوان لتشجيع اللصوصية كما عبر عدد من السكان... وتبقى قرارات الحكومة في ترشيد النفقات ومحاربة هدر المال العام،و الاستغلال البشع لسيارات الدولة،ليست سوى شعارات قصد الاستئناس وإلهاء الشعب الذي تنتزع منه أموال الضرائب لصرفها في أغراض ثانوية