غياب رؤية مستقبلية واضحة المعالم وخطة عمل لتنمية وإنعاش قطاع الصناعة التقليدية، سمة تطبع قرية الصناع التقليديين بمدينة وجدة وتحد من آفاق الحرفيين بالمنطقة، وضعية تسببت في حالة من الركود التجاري داخل قرية هجر الحرفيون محلاتها بحثا عن مورد عيش آخر يضمن لهم حياة كريمة. ففي الوقت الذي عرفت محلات القرية 80 انتعاشا، خلال السنوات الأولى من افتتاحها، زرع الأمل في نفوس أصحابها، أضحت اليوم أطلالا لا حياة فيها إلا من 12 محلا مازال أصحابها يقاومون في انتظار الذي يأتي. صناع تقليديون في مواجهة أحكام قضائية مصاريف كثيرة ومداخيل منعدمة أجبرت حرفيي القرية على عدم أداء المستحقات الشهرية المتمثلة في الواجب الشهري عن استغلال المحل المخول لكل حرفيي على أساس 10 دراهم للمتر مربع، فتراكمت عليهم الديون في وقت كانوا يأملون تحرك إدارة القرية ومعها الجهات المعنية من وزارة الصناعة التقليدية ومديريتها الجهوية وغرفة الصناعة التقليدية، في اتجاه إيجاد الحلول الكفيلة بالخروج من الوضعية المتأزمة التي تعيشها قريتهم، ووضع برامج جدية لتنشيطها بإقامة معارض وتظاهرات ثقافية وفنية تساهم في انتعاشها ، وبالتالي تضمن موارد مالية تساعدهم على أداء ما بذمتهم، قبل أن يصطدموا بإدارة القرية ترفع دعاوى ضدهم أمام المحكمة الابتدائية بوجدة وتحصل على أحكام، غالبية الحرفيين، لا يملكون طاقة لتنفيذها ما جعلهم يواجهون تهديدات بالسجن. يقول الحرفيون إن «إدارة القرية اعتمدت طابع الانتقائية في رفع الدعاوى القضائية حيث شملت بعضهم وتغاضت عن آخرين»، مشيرين إلى «أن المدير لا يتوانى في الوعيد والتهديد بإفراغهم من المحلات وإغلاق القرية وتسليم مفاتيحها للمديرية الجهوية للصناعة التقليدية، وكأن الأمر يتعلق بملكية خاصة وليس بمشروع حظي بالتدشين من قبل جلالة الملك من أجل إنعاش قطاع الصناعة التقليدية وإدماجها في القطاع الاقتصادي بمدينة وجدة». تجاهل محضر اجتماع يوم 29 فبراير 2012، انعقد بمقر ولاية الجهة الشرقية اجتماع ترأسه الكاتب العام للولاية بحضور المدير الجهوي للصناعة التقليدية ورئيس غرفة الصناعة التقليدية ومديرها ومدير قرية الصناع التقليديين ورئيس جمعية الإبداع لقرية الصناع التقليديين، وتم الاتفاق في محضر مذيل بتوقيعات الأطراف المذكورة (تتوفر الجريدة على نسخة منه)، على إرجاء النظر في مسألة أداء واجبات استغلال المحلات من طرف الصناع التقليديين إلى حين انتعاش القرية مع التماس إعفائهم من واجبات الاستغلال المتراكمة عن المدة الفارطة ومراسلة الوزارة الوصية في هذا الشأن، زيادة على تشكيل لجنة يترأسها المدير الجهوي للصناعة التقليدية متكونة من مدير الغرفة ممثل الولاية ومدير القرية، لإعداد برنامج تنشيط سنوي للقرية وتحديد تكلفته المالية وعرضه على أنظار مجلس التسيير للمصادقة عليه مع إشراك كل من مجلس العمالة ومجلس الجهة والجماعة الحضرية لوجدة في تمويله. محضر لم تفعل مضامينه، بل تم تجاهلها، وهو ما أثار استياء الحرفيين الذين وجهوا مراسلات عديدة إلى الجهات المعنية أملا في إنصافهم. فشل الإدارة في التسيير يؤزم الوضع يتذكر الحرفيون بحسرة كبيرة الثلاث سنوات الأولى من عمر قرية الصناع التقليديين، ويشدهم الحنين لفترة شهدت فيها قريتهم انتعاشا ملحوظا ورواجا تجاريا مهما بفعل المعارض والأنشطة المختلفة (الثقافية، الرياضية والفنية) والزيارات المتكررة لوفود وسياح أجانب... ويرجع الفضل –حسب قولهم- إلى طريقة التسيير السليمة للقرية حين كان يشرف على إدارتها إطار كفء عمل على تطبيق ما ينص عليه القانون الأساسي للقرية. وضع لم يستمر مع تعيين مدير جديد من طرف المديرية الجهوية للصناعة التقليدية لا تتوفر فيه شروط تسيير القرية التي ينص عليها القانون الأساسي، على «أن يكون إطارا ذا كفاءة يقوم بتنشيط القرية على طول السنة ويضع برنامجا للاستثمار داخل القرية والبحث عن الموارد الاقتصادية من أجل الحرفيين والعمل على تطوير وإعادة تكوين الحرفيين المتواجدين داخل القرية». انعدام إدارة فعالة وصارمة تسير قرية الصناع التقليديين وتعمل على تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، والمتمثلة في إنعاش قطاع الصناعة التقليدية وإدماجها في القطاع الاقتصادي، وخلق فضاء مندمج للإنتاج والعرض والتسويق وفضاء للتنشيط وفضاء لتنظيم الحرف وإبراز مؤهلات القطاع بالجهة الشرقية، مشكل أساسي ساهم في إقبار القرية ومعها أحلام الصناع الذين عقدوا عليها آمالا كبيرة للنهوض بحرفهم وتسويق منتوجاتهم، علما بأنه يوجد ضمنهم حرفيون نشيطون تبدع أناملهم تحفا فنية مبهرة. تسييس القرية «تم تسييس القرية» –يقول أحد الحرفيين- بعد إدماج غرفة الصناعة التقليدية بوجدة في التسيير على الرغم من أن القانون الأساسي لا ينص على ذلك، مضيفا بأنها ساهمت في اختلال الأمور داخل القرية، حيث بسطت سيطرتها من خلال بعض أعضائها الذين تمكنوا من الحصول على محلات من أجل استغلالها لأغراض انتخابوية.مشكل خلق تشنجا بين الحرفيين وبعض هؤلاء الأعضاء، الذين تم اتهامهم بتسييس قرية الصناع التقليديين وجعلها مكانا خصبا لكسب الأصوات الانتخابية. جمعية الإبداع سارت أمور قرية الصناع التقليديين في الاتجاه المعاكس لإرادة الحرفيين، خاصة وأنهم أبدوا من خلال تأسيس «جمعية الإبداع لقرية الصناع التقليديين» استعدادا قويا للنهوض بالقرية وبقطاع الصناعة التقليدية بالمدينة الألفية عبر الخلق والإبداع في حرف مختلفة. كما قدمت الجمعية مجموعة من المقترحات لمعالجة الاختلالات والخروج من الوضعية المتأزمة التي باتت تتخبط فيها قريتهم، إلا أنهم اصطدموا بجهات شغلها الشاغل هو محاربة كل فعل إيجابي يروم تأهيل القرية والنهوض بأوضاع الصناع التقليديين، وكذا محاربة الجمعية من خلال افتعال صراعات بعيدة عن الواقع المعيش وسط قرية أصبحت مهجورة بعد عزوف الصناع عن فتح محلاتهم بسبب الفقر وانعدام المداخيل وسوء التسيير، وكذا تنظيم معارض الصناعة التقليدية في الساحات بدل القرية التي كان من المفروض أن تحتضنها، خاصة وأن الكثير من ساكنة المدينة يجهل مكانها بسبب غياب لوحات الإعلان عن وجودها وعلامات التشوير الموجهة إليها، وكأن الأمر يتعلق بمخطط لإقبار مشروع وصلت تكلفة إنجازه إلى مليار و200 مليون سنتيم. وضع نفسي واقتصادي مزر حرفيو القرية وبعد الخسائر التي تكبدوها جراء سنوات الركود، وبعدما وجدوا أنفسهم مهددين بالسجن أصبحوا يعانون من وضع نفسي واقتصادي مزر دفعهم إلى توجيه مراسلات قصد الإنصاف إلى مجموعة من المسؤولين محليا ومركزيا، ويناشدون المسؤولين عن قطاع الصناعة التقليدية أن يتدخلوا لوقف النزيف الذي أصاب القرية.كما وجهوا مؤخرا مراسلة إلى وزيرة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي التضامني فاطمة مروان، يلتمسون فيها توقيف جميع المتابعات القضائية ضد صناع القرية ومساندتهم ودعمهم ماديا ومعنويا ليصبح مشعل هذه المعلمة متقدا، وتطبيق المذكرة الوزارية التي تنص على أن الجمعية هي المسير الحقيقي للقرية مع وضع طاقم إداري وإدماج الحراس والمنظفة في شركة خاصة للحراسة والتعجيل بإنشاء الواجهة لتصبح القرية قبلة للزوار. تعويض عن السنوات الماضية نظرا لما وصلت إليه أوضاعهم الاقتصادية وبعدما وجدوا أنفسهم يواجهون شبح البطالة، يطالب حرفيو قرية الصناع التقليديين الحقيقيين بتعويض عن السنوات الماضية، وتعيين مسؤول كفء يتمتع بخبرة في التسيير والتسويق، كما يطالبون بتجاوز الخلافات والحزازات وتغليب إرادة التعاون والتشارك والتشاور لصالح الصناعة التقليدية بالمدينة والجهة ككل، مع وضع مسؤولية تسيير القرية في يد مجلس تسيير يضم جميع المكونات المعنية، بالإضافة إلى ضرورة إشراك المعنيين بالأمر بالدرجة الأولى والمنخرطين في الجمعية والممارسين المبدعين والأخذ بعين الاعتبار طلباتهم. زيادة على ذلك يوجهون نداء إلى والي الجهة الشرقية ورئيس الجماعة الحضرية للتدخل قصد إنقاذ القرية من الإفلاس ووضع حد لمعاناة الحرفيين وانتشالهم من المشاكل التي يتخبطون فيها جراء تراكم الديون بسبب الركود التجاري الذي أجبر العديد منهم على عدم تسوية وضعيتهم المالية وبالتالي أداء المستحقات الشهرية بانتظام. تحفة طالها الإهمال تعد قرية الصناع التقليديين بوجدة تحفة لجمالية هندستها وهي أول قرية تم إنجازها في المغرب بناء على اتفاقية شراكة مبرمة بتاريخ 03 دجنبر 2001، بين مؤسسة محمد الخامس للتضامن والسلطة الحكومية المكلفة بالصناعة التقليدية ووكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في عمالات وأقاليم شمال المملكة ومجلس الجهة الشرقية، وكلف إنجازها أكثر من مليار و200 مليون سنتيم وتم تدشينها بتاريخ 13 نونبر 2003 من طرف جلالة الملك.تتكون القرية من 80 محلا مهنيا، خصص 27 منها لقطاع النسيج و6 محلات لقطاع الخشب و9 لقطاع الطين و8 لقطاع المعادن و5 لقطاع الجلد و21 محلا لصناعات مختلفة... زيادة على قاعة لعرض المنتوجات وقاعتين للتكوين، إضافة إلى إدارة القرية والمرافق.