تضمن دستور فاتح يوليوز2011 عدة صلاحيات جديدة للمجتمع المدني لم تكن متضمنة في الدساتير السابقة. ومن بين هذه الصلاحيات نجد حق المواطنين والمواطنات في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، والذي ورد بالضبط في الفصل 15 من الدستور. ولأجرأة هذا الحق وتفعيله أعدت الحكومة مؤخرا مشروع القانون التنظيمي رقم 14-44 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، حظي بالمصادقة من طرف كل من مجلس الحكومة ومجلس الوزراء في انتظار عرضه على البرلمان لتدارسه والتصويت عليه. رغم مايشكله مكسب تضمين الدستور لحق تقديم العرائض من طرف المواطنين والمواطنات من أهمية قصوى في تعزيز آليات الديمقراطية التشاركية من خلال دعم الدور الرقابي للمجتمع المدني ومساهمته في تتبع وتنفيذ وتقييم السياسات العامة، فإن هناك ماهو أهم، يتمثل في ضرورة ممارسة فعلية لهذا الحق من طرف المواطنين والمجتمع المدني عموما. مما يحتم وجود قانون تنظيمي يتضمن شروط شكلية وإجرائية ميسرة ومشجعة لهذا الحق. كما أنه يجب أن يعبر المشروع التنظيمي عن الإرادة الحقيقية للمشرع الدستوري. وأيضا لما عبرت عنه هيئات المجتمع المدني قبل وأثناء لقاءات الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة. فإلى أي حد يتحقق هذا المطلب مع المشروع التنظيمي رقم 14-44. بعد قراءتنا للمشروع التنظيمي رقم 14-44 والمتكون من أربعة أبواب تضم 11مادة، توضح شروط تقديم العرائض وكيفيات تقديمها والبت فيها، نخلص إلى بعض الملاحظات الأولية: أولا: وجود شروط شكلية وموضوعية وإجرائية مقبولة ومنطقية في مقابل شروط أخرى تعجيزية إذا كانت بعض الشروط الواردة في مشروع القانون التنظيمي المفعل لحق المواطنين والمواطنات في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية والواردة بالخصوص في المادتين 3و4 مقبولة وعادية. مثل أن يكون الهدف من العريضة تحقيق مصلحة عامة وأن تكون المطالب أو المقترحات أو التوصيات الواردة في العريضة مشروعة وأن لا تمس ثوات الأمة. وأن لاتتضمن العريضة قضايا تتعلق بالدفاع الوطني أو قضايا معروضة أمام القضاء أو صدر حكم في شأنها أو أن تكون تتعلق بوقائع تكون موضوع تقص من قل اللجان النيابية لتقص الحقائق...، فإننا نجد شروطا أخرى أقل مايمكن ان نقول عنها انها تعجيزية، ومن شأنها أن تعيق نجاح مشروع حق تقديم العرائض من طرف المواطنين إلى السلطات العمومية. والملاحظ كذلك أن هذه الشروط المقيدة لحق تقديم العرائض مترابطة بعضها ببعض، حيث لايمكن قبول العريضة إلا إذا تحققت فيها هذه الشروط مجتمعة. وتتمثل هذه الشروط بالأساس في اشتراط المادة6 من المشروع توقيع 7200مواطن ومواطنة للآئحة دعم العريضة. أكثر من ذلك يجب أن تكون هذه التوقيعات مصادق عليها من طرف السلطات المحلية. وهو أمر من شأنه لاقدر الله ان يفشل ممارسة هذا الحق في مهدها. خصوصا إذا علمنا أن المادة الثانية من المشروع التنظيمي تشترط أن يكون هؤلاء الموقعون متمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية ومقيدين في اللوائح الإنتخابية العامة وفي وضعية جبائية سليمة. دون توضيح بالمقصود بوضعية جبائية سليمة. لأنه من المدلول الصريح للعبارة يدخل في هذه الخانة كل شخص أغفل أداء ضريبة أو رسم ولو كان رسم الإشتراك في شبكة الهاتف والأنترنت أو الربط شبكة الماء والكهرباء !. كما أنه وبالنظر لعدد المسجلين في اللوائح الإنتخابية الضعيف مقارنة بغير المسجلين يظهر جليا أن رقم 7200 موقع وموقعة يبقى رقما كبيرا، قد يصعب تحقيقه بسهولة آخذين بعين الإعتبار الشروط السالفة ذكرها بطبيعة الحال. إذن وعلى ضوء ماتقدم، نستنتج أن هناك مبالغة غير مبررة في التضييق على المجتمع المدني في ممارسة دوره الرقابي اتجاه السياسات العامة أو القرارات التي تصدرها السلطات العمومية. علما أننا في حاجة ماسة في بداية التجربة ،إلى تشجيع انخراط ومساهمة المواطنين وهيئات المجتمع المدني في الشأن العام الوطني والمحلي وتتبع وتقييم السياسات العامة. وبالرجوع إلى التجارب المقارنة لدى الدول الديمقراطية الأوربية والأمريكية نجد باستثناء دول قليلة جدا مقيدة لهذا الحق كفرنسا مثلا التي تشترط عتبة لاتقل عن 500.000 توقيع في العريضة والتي توجه إلى المجلس الإقتصادي الإجتماعي والبيئي. فإن هناك دولا ديمقراطية عديدة مثل:إيطاليا وكندا والدنمارك ونيوزيلاند وسويسرا وهولند... لاتشترط أية عتبة ،بمعنى أنه يمكن أن تكون العريضة جماعية أو فردية. فقط مع احترام شروط شكلية بسيطة، كأن تكون هوية ومحل إقامة المتقدم أو المتقدمين بالعريضة معلومة وأن يكون موضوعها ضمن مجال اختصاص السلطة العمومية المعروضة عليها... . ثانيا: كيفية تقديم العرائض والبت فيها تنص المادة 7من الباب الثالث، أن العريضة تودع لدى رئيس الحكومة من طرف وكيل لجنة تقديم العريضة.وهي لجنة عرفتها المادة الأولى، بأنها لجنة مكونة من تسعة أعضاء يتم اختيارهم من طرف أصحاب المبادرة في تقديم العريضة ومن قبلهم. يظهر إذن، أنه لاتقبل أية وسيلة أخرى مثل البريد أو البريد الإلكتروني، عكس ما سمحت به الأرضية القانونية بشأن العرائض، التي جاءت ضمن مخرجات الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية، بإمكانية استعمال البريد و كل وسائط الإتصال المستعملة من لدن الإدارات العمومية. كما انها أقرت قبل ذلك التوقيع الإلكتروني. ومن جهة ثانية، وحسب الأرضية القانونية بشأن العرائض دائما ،لاتقتصر الجهة المتلقية للعرائض على رئاسة الحكومة وإنما يمكن تقديم العريض لأي سلطة عمومية ، وهي كما عرفتها كل شخص معنوي عام له صفة هيأة عمومية، مركزية أو محلية، إدارية أو منتخبة، تتولى مسؤولية معينة في إعداد أو تنفيذ أو تفعيل أو تقييم سياسة عمومية. وهذا في نظرنا ما أراده المشرع الدستوري من المادة 15 من الدستور. وهو أمر لو تم إقراره سيشجع لامحالة المواطنين والجمعيات وهيئات المجتمع المدني على إستعمال هذا الحق الجديد. وسيمكن من ربح الوقت والجهد، بسبب أن العريضة ستحال مباشرة على السلطة المعنية بموضوع العريضة. لكن مع فتح باب التظلم الرئاسي أو مؤسسة الوسيط أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو اللجوء إلى الجهة القضائية المختصة كما أشارت له الأرضية القانونية بشأن العرائض. ضرورة إخبار وكيل اللائحة كتابة من طرف رئيس الحكومة بالمآل الذي خصصته الحكومة لموضوع العريضة، ولاسيما الإجراءات والتدابير التي تعتزم الحكومة اتخاذها عند الإقتضاء. وهوأمرجيد، إلاأنها للأسف لم تحدد أي سقف زمني لهذه العملية. وهي مسألة في غاية الأهمية خاصة في مايتعلق بالعرائض ذات الموضوعات المستعجلة. ومن الأمور الأخرى التي سكت عنها المشروع التنظيمي عدم تحديده لسقف زمني لإصدار النص التنظيمي الذي سيحدد تأليف لجنة العرائض واختصاصاتها وكيفيات سيرها. وهو أمر بالأهمية بمكان، لأن المادة الأخيرة من المشروع تشير إلى أن هذا القانون التنظيمي لن يدخل حيز التنفيذ إلى بعد تعيين أعضائها. وختاما هذه بعض الملاحظات، التي نعتقد أن أخذها بعين الإعتبار من طرف أعضاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلسي البرلمان أثناء مناقشهما لهذا المشروع التنظيمي، والذي سيحال عليه قريبا، سيعمل على تجويده وإعطاء دفعة قوية للديمقراطية التشاركية ببلادنا. (*) باحث في العلوم السياسية