{ لي أخ مريض عقلي، في السابعة والعشرين من العمر. مضيت به عند العديد من الأطباء النفسانيين ، الذين يكتفون بإعطائه بعض المخدرات الطبية ! ألا يمكن علاج المرض بطرق أخرى؟ ( ر.م/ مراكش) الحق أن الأدوية التي يصفها الأطباء النفسانيون ليست بالمخدرات. بل هي عقاقير ذات فعالية، منها ما هو مضاد للمرض العقلي المزمن ( الذهان ) و منها ما هو منذور لعلاج الهوس أو الاكتئاب أو القلق أو ما إلى ذلك . وينبغي أن نعلم أن المرضى العقليين كانوا يعيشون أوضاعا مأساوية بحق ، قبل ظهور هذه الأدوية. ليس في بلداننا فحسب، بل حتى في أروبا المتقدمة . فطوال قرون عديدة، ظل هؤلاء المرضى يتعرضون لمختلف أشكال القسوة والعنف، من تقييد بالسلاسل واحتجاز مدى الحياة بالمعازل أو حتى بالسجون . وحتى النساء الهستيريات - وهن لا يندرجن ضمن المرضى العقليين - كان يتم إحراقهن بأوربا، خلال العصر الوسيط ! وفي فرنسا مثلا، أصدرَ الملك لويس الرابع عشر، في منتصف القرن السابع عشر، قرارا يتم بموجبه اعتقال كل النساء والرجال الذين يعانون من اضطراب في السلوك، بصرف النظر عن أسباب وبواعث هذا الاضطراب ! وقد بقيت الأوضاع جد سيئة، حتى أواخر القرن الثامن عشر ، حين قام الطبيب المشهور فيليب بينيل بفك سلاسل المرضى العقليين ، تأكيدا منه للطابع الطبي وللبُعد الإنساني في التكفل بهؤلاء المرضى. لكن المشكلة الكبرى هي أنه لم تكن هناك أدوية في ذلك الزمن أو أية وسائل أخرى لعلاج أولئك المرضى أو لتخفيف معاناتهم. وهو ما جعلَ عموم الناس يرون في الأطباء والممرضين مجردَ «حراس» للمرضى المحتجزين في المعازل ! وفي النصف الأول من القرن العشرين، بدأتْ تَظهر طرائق علاجية فيها مخاطرة كبرى بحياة المرضى (مثل علاج الفصام بإحداث حالة غيبوبة أنسولينية لدى المريض!) ثم جاء الاكتشاف الباهر ، الذي أحدث ثورة حقيقية في هذا المضمار، بفضل أقراص طبية مضادة للذهان (أي للمرض العقلي) وذلك سنة 1952، على يد الفرنسيَيْن «دولاي» و«دونيكر». إثر ذلك ظهرت أدوية أخرى عديدة لعلاج مختلف الأمراض العقلية أو للتخفيف من أعراضها، وتغيرت بذلك مصاير المرضى العقليين ، الذين لم يعودوا يقضون حياتهم مكبلين بالسلاسل في ردهات المعازل.