ترأست صاحبة السمو الملكي الأميرة للا سلمى، مساء يوم الجمعة بفاس، حفل افتتاح الدورة 21 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، التي نظمت تحت شعار "فاس في مرآة إفريقيا" وتحتفي الدورة 21 من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة بإفريقيا من خلال استحضار البعد الثقافي الإفريقي لمدينة فاس العريقة ومختلف الصلات القوية والمتينة التي ظلت قائمة على مر العصور بين هذه الحاضرة التاريخية وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء. ويتضمن برنامج هذه الدورة تقديم العديد من السهرات الموسيقية والعروض الفنية التي ستقدمها مجموعة من الفرق الفنية والمجموعات الغنائية، بالإضافة إلى مجموعة من الفنانين والموسيقيين العالميين المرموقين من المغرب والخارج وذلك بالفضاء التاريخي (باب المكينة) بفاس، وغيره من الفضاءات الأخرى كمتحف البطحاء وساحة باب بوجلود وحدائق جنان السبيل ودار عديل ودار التازي التي ستحتضن أمسيات صوفية بعد انتهاء حفلات باب الماكينة.ومن بين الفنانين والفرق الذين يشاركون في إحياء سهرات وعروض هذه الدورة هناك مجموعة "باييز" للموسيقى الكردية (العراق) وصابر الرباعي (تونس) وجولي فاوليس (اسكتلندا) وأومو سانغاري (مالي) وتيكن جاه فاكولي (الكوت ديفوار) وأدواردو راموس (البرتغال) والثنائي روربرطو فونشيكا وفطومات دياوارا (كوبا ? مالي) وصونيا مبارك (تونس) وبدر الرامي (سوريا المغرب) ومروان بنعبد الله (المغرب) ومجموعة "زخارف" (المغرب) وفادا فريدي (السينغال) وحسين الجسمي (الإمارات العربية المتحدة) وغيرهم. كما تقترح هذه الدورة التي تحتفي ب 21 سنة من المسار الاستثنائي لهذه التظاهرة الثقافية والفنية العالمية التي تكرس قيم التسامح والحوار الثقافي والتعايش بين الشعوب، تنظيم حفلات وليالي صوفية وسهرات أندلسية كبرى ستحتضنها مجموعة من الفضاءات العتيقة بالمدينة القديمة، إلى جانب تنظيم العديد من الأنشطة الفنية والثقافية الأخرى. وفي الشق الأكاديمي للمهرجان "منتدى فاس" الذي أضحى فضاء لمناقشة وبحث الأفكار ومختلف القضايا والمواضيع التي تهم السياسة والاقتصاد والتاريخ، ارتأى المنظمون أن يتمحور موضوعه الرئيسي لهذه السنة حول تيمة "فاس في مرآة إفريقيا" بمشاركة وازنة لنخبة من أبرز المثقفين من داخل المغرب وخارجه سينكبون على دراسة ومناقشة علاقات وارتباطات مدينة فاسبجنوبها الإفريقي، وكذا التحديات والرهانات التي تواجهها العديد من البلدان الإفريقية. ويناقش المنتدى، الذي يدير أشغاله المفكر علي بنمخلوف، خمسة محاور رئيسية تتوزع ما بين "مسالك روحية.. طرق تجارية" و"التعدد اللغوي في إفريقيا" و"إفريقيا والمقدس" و"حسن الوزان (ليون الإفريقي)" و"الرهانات الكبرى بإفريقيا .. التعليم .. الصحة .. الجيوستراتيجيا". هذا، وخصص المنتدى، في هذا الإطار، أولى جلساته لبحث علاقات فاسبجنوبها الإفريقي ، حيث حاول المشاركون في الجلسة الافتتاحية للمنتدى التي تمحورت حول موضوع " مسارات روحية.. طرق تجارية " استكشاف هذه العلاقات والروابط التي كانت ولا تزال قائمة بين العاصمة العلمية والروحية للمملكة وإفريقيا، من خلال تسليط الضوء على مجمل الإنتاجات الفكرية والإبداعية وكذا المخطوطات والكتب المدرسية التي كانت تتنقل عبر هذه المسارات، مستعرضين الرهانات التي طرحتها عملية نقل وتلقين المعارف في المدارس والزوايا التي كانت موجودة بمختلف بلدان جنوب الصحراء. واعتبر المتدخلون الذين توزعوا ما بين باحثين في الأنتربولوجيا ومهتمين بالمخطوطات ودارسين لعادات وتقاليد الشعوب الإفريقية وكذا لقضايا المجتمعات التي أنتجت هذا التراكم المعرفي، أن الصحراء لم تكن أبدا عائقا بين مدينة فاس ومختلف المدن والحواضر الإفريقية، مشددين على أهمية حركية التنقل سواء بالنسبة للسلع أو الأفكار والمعارف ما بين الشمال والجنوب والتي ساهمت بشكل كبير في إثراء مجموعة من الحقول المعرفية خاصة في مجالات الفكر والفلسفة والعلوم الروحية . وقالت جوسلين داخليا الباحثة في العلوم الاجتماعية بفرنسا إن تنقل المعرفة والكتاب والمخطوطات بين شمال إفريقيا وجنوبها ظل مسترسلا وشكل مرتكزا أساسيا إلى جانب تنقل السلع والمواد في توطيد العلاقات بين شعوب وقبائل الشمال والجنوب. وتتبعت الباحثة جوسلين تنوع وغنى هذه العلاقات اعتمادا على مراسلات كانت متبادلة في القرن 16 الميلادي بين مفكر فرنسي مسيحي اسمه بيرسك كان ينقل السلع بين أوربا ومصر وإثيوبيا وبين شخص آخر مسلم كان مستقرا بتونس ويدعى عصمان داركوس مؤكدة أن هذه الرسائل التي تبادلها الطرفان اهتمت بشراء الكتب وتداولها وبيعها بالإضافة إلى ترجمتها من اللغات العربية أو التركية والفارسية وغيرها ثم نقلها إلى فرنسا مقابل كتب يبعثها المفكر الفرنسي إلى صديقه داركوس. ومن جهتها تحدثت ليلي أنغار الباحثة بالمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية (فرنسا) عن المسارات الروحية التي كانت قائمة بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء من خلال استحضار سيرة تيان دوبو كار ( 1875 / 1939 ) الذي كان يعتمد على الثقافة الشفوية في إلقاء دروسه ونقل معارفه الصوفية واهتماماته بالثقافة والعادات الإفريقية بين المريدين والمتصلين به باعتباره كان شيخا للطريقة التيجانية وذلك خلال جولاته التي شملت العديد من المناطق بدول الساحل وجنوب الصحراء . وقالت إن الطرق الصوفية ساهمت بشكل كبير في رسم مسارات روحية بين الشمال والجنوب وفي نقل المعارف والأفكار.. وركز كل من سليمان بشير ديان ( باحث جامعي بنيويورك ) ورومان سيميلين المتخصص في الأنتربولوجيا ( فرنسا ) على تتبع علاقات التأثير والتأثر التي خلفها تنقل السلع والأشخاص والأفكار بين الشمال والجنوب، مستعرضين آليات اشتغال المسارات الروحية وتأثيراتها على بنية المجتمع والثقافة في العديد من البلدان الإفريقية . ولاحظ رومان سيميلين أن العديد من الكتب التي كانت موجودة لدى العائلات والزوايا بمنطقة سوس بالمغرب والتي كتبت بعدة مدن وبلدان كفاس وسلا والأندلس وتونس قد عرفت طريقها نحو جنوب القارة الإفريقية واستفاد منها علماء وباحثون وشيوخ وأضحت مع توالي العقود والقرون مصدرا مهما لإنتاج المعرفة لدى المريدين وأصحاب الطرق والزوايا . وبدوره أكد بشير ديان أن علاقة فاس بإفريقيا ساهمت في نقل المعارف والعلوم والفلسفة التي أنتجها علماء كبار في بغداد ودمشق وفاس ومراكش نحو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، مشيرا إلى العلاقة الخاصة التي ربطت على الدوام بين مدينتي فاس وتومبوكتو التي كانت تشكل مركزا حضاريا وعلميا لمختلف دول الساحل، كما استعرض ما خلفه الفيلسوف أحمد بابا التومبوكتي الذي كان معلما كبيرا وعمل على تجديد الفكر الروحي والديني لشعوب المنطقة، اعتمادا على ما اطلع عليه من مخطوطات وكتب جاءت من فاس. أما باريزة خياري (برلمانية فرنسية)، فحاولت من جهتها أن تستكشف الأدوار التي قامت بها الطرق والزوايا في نشر الإسلام جنوب الصحراء وإثراء المجال الفكري والثقافي، مؤكدة على أن شبكة الطرق التجارية والعلاقات الاقتصادية بين الشمال والجنوب كان لها دور كبير في نقل المعرفة وبالتالي في تعزيز وتقوية العلاقات التي ظلت قائمة بين المغرب وبلدان جنوب الصحراء.