من ينكر أن للبوليساريو يدا في «الإرهاب» الذي تحول، مع توالي تورط أتباع عبد العزيز المراكشي وانغماسهم في التطرف، إلى كثبان رملية في منطقة دول جنوب الصحراء والساحل؟ فقد كشفت تقارير متطابقة، في الأيام الأخيرة، أن »أبو الوليد الصحراوي« (أمير المرابطين) الذي أعلن عن مبايعته لأبي بكر البغدادي صاحب مشروع »الخلافة الإسلامية«، عضو بارز في صفوف البوليساريو. وأضافت التقارير نفسها أن «حركة التوحيد والجهاد» التي انشقت عنها «المرابطون» ، تأسست عام 2011، وتشكل عمودها الفقري من شباب وأطر جبهة البوليساريو. وتبين من معطيات توصلت بها «الاتحاد الاشتراكي «أن عدنان أبو الوليد الصحراوي من القيادات الجهادية التي برزت في صفوف «حركة التوحيد والجهاد»، وأنه كان يقطن مخيم العيون ومسؤول سابق في «اتحاد شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب»، وهو الذي انتهى به المطاف هذه الأيام إلى تزعم «حركة المرابطين» وإعلان البيعة للبغدادي. ارتماء قيادي سابق في صفوف البوليساريو في حضن «الدولة الإسلامية» ومبايعته لأميرها خليفة للمسلمين وقائدا لهم يؤكد ما ذهب إليه تقرير سابق لحلف شمال الأطلسي، الذي كشف أن مخيمات تندوف أصبحت معقلا لجميع أصناف الأنشطة الإجرامية? بفعل الروابط? التي تزداد وثوقا? بين قادة الانفصاليين وقادة تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» (قبل الانشقاق الذي قاده درودكال). وأكد التقرير الصادر عن مركز الاتحاد العسكري المدني التابع لقيادة حلف شمال الأطلسي? ومقره نورفولك بولاية فرجينيا? أن «خطر زعزعة المنطقة خطر حقيقي بسبب قدرة تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» على تهريب الأسلحة والمخدرات وممارسة مختلف أشكال التهريب فوق تراب البلدان المجاورة». واستند التقرير? الذي حمل عنوان «التهديدات الأمنية في منطقة الساحل وما جاورها: تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي? وبوكو حرام? والشباب»? على خلاصات عدد من التقارير? التي أنجزتها على الخصوص مجموعة التفكير «كارنيرجي إنداومنت فور انترناشنال بيس»? حيث ذكر في هذا السياق بأن «مسؤولين ماليين أكدوا? مرارا? بأن تنظيم البوليساريو متورط في عمليات اختطاف وعمليات لتهريب المخدرات بهذه المنطقة». وكان تقرير لمجموعة التفكير الأمريكية «أطلانتيك كونسل» قد حذر? في السياق ذاته? من أن يشكل التحالف بين «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و»البوليساريو»? والذي عاد ليطفو على السطح بعد اختطاف مواطنين غربيين بتندوف? تهديدا على استقرار منطقتي المغرب العربي والساحل بل والقارة الإفريقية برمتها. وأشار التقرير إلى أن «ولوج القاعدة لمنطقة المغرب العربي مكنها من تعزيز علاقاتها مع «البوليساريو»? معربا عن القلق حيال هذا التقارب الذي ظهر جليا في عملية اختطاف غربيين عاملين في مجال العمل الإنساني أحدهما إسباني والأخر إيطالي? في أكتوبر الماضي? وذلك في قلب مخيمات تندوف. وقال إن هذا التحالف الذي أضحى جليا? «لا يفاجأ المراقبين? الذين يعتبرون أن شباب مخيمات تندوف? المحرومين من تحقيق غد أفضل? يشكلون أرضا خصبة لتجنيدهم داخل صفوف تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»? الذي يبحث عن سواعد تدعم أنشطته الإرهابية والإجرامية». هذا التحول التنظيمي للحركات الجهادية بالمنطقة، وتحول المخيمات إلى محضنة للجيل الجديد من قادة الجهاديين، سبق للأمين العام للأمم المتحدة أن عبر عنه منذ عام 2013. وكانت كل المؤشرات تدل، بالواضح، على اختراق الحركات الجهادية للمخيمات الأربعة ، خاصة مخيم الداخلة الواقع على الحدود الجزائرية - المالية، وكانت قيادة البوليساريو تنكر تحول المخيمات إلى مشتل للإرهاب والجريمة العابرة للحدود من تجارة المخدرات والأسلحة، ومشاركة أطر سياسية وعسكرية من الجبهة في تأطير الخلايا الجهادية، إلى أن تم اختطاف رعايا إسبان على الطريق بين نواديبو ونواكشوط في عام 2009، وتبين أن العقل المدبر رجل اسمه عمر الصحراوي، يحمل وثائق تعريف من مؤسسات البوليساريو. في نفس الوقت الذي كانت تنفي فيه هذه القيادة هذه الاختراقات ، انعقد يوم 21 يناير 2009 في الرابوني اجتماع لما يعرف «الهيئة الوطنية للأمن»، التابعة »للوزير الأول« في «جمهورية الرابوني»، ويكشف محضر هذه الجلسة عن اعتراف واضح وصريح من لدن قيادة البوليساريو بمواجهة اختراق المخيمات من الجماعات الجهادية وشبكات الجريمة، وعدم قدرتها على إدارة ما تسميه «الأراضي المحررة»، وكان اختطاف ثلاثة رعايا أوربيين من قلب الرابوني في أواخر 2011، عربونا جديدا على فشل مشروع جبهة البوليساريو وحاضنتها. وكان المبعوث الأممي السابق في الصحراء كريستوفر روس قد عقد، قبل 3 سنوات، اجتماعا مغلقا مع مسؤولين رفيعي المستوى من مجموعة أصدقاء الصحراء ، وأكد فيه أن جبهة البوليساريو تعيش أسوأ أوضاعها في ظل ضغط قوي من سكان مخيمات اللاجئين الذين يطالبون بنتائج المفاوضات مع الرباط، كما أن الأوضاع يمكن أن تنزلق إلى الإرهاب. ومما يؤكد هذا الانزلاق الذي تعيشه مخيمات تندوف تقرير أمريكي أعده «المركز الدولي للدراسات حول الإرهاب» التابع ل»مجموعة التفكير الأمريكية»، حيث دعا إلى ضرورة تفكيك ميليشيات البوليساريو، وإطلاق سراح السكان المحتجزين في مخيمات تندوف بالتراب الجزائري، التي اعتبرها التقرير «مجالا خصبا» لمجندي تنظيم القاعدة، وللتهريب بكافة أشكالة. وقال مدير المركز، يوناه ألكسندر، الذي قدم التقرير خلال لقاء بالنادي الوطني للصحافة في واشنطن، إن «المجموعة الدولية أصبحت مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى العمل على إحصاء سكان مخيمات تندوف»، مبرزا أن هذه المخيمات تمثل «تهديدا للأمن الإقليمي، لكونها أصبحت مجالا خصبا لتجنيد الإرهابيين والمهربين». وحذرت الدراسة، التي تناولت واقع التهديدات الإرهابية بشمال إفريقيا والساحل خلال سنة 2013، من أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وجماعات إقليمية متطرفة أخرى تبحث عن «استغلال الوضع بهذه المخيمات التي تخضع لمراقبة (البوليساريو) للقيام بحملات تجنيد مكثفة«. في هذا الصدد، أكدت على ضرورة التحرك الفوري لمواجهة «التهديدات المتنامية للتطرف» بمخيمات تندوف، كما تشهد على ذلك خلاصات التقرير المقدم من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، والذي وصف فيه المخيمات ب «قنبلة موقوتة» حقيقية. وأشار التقرير إلى أنه توجد من بين المقاتلين الإرهابيين والمتطرفين، الذين سيطروا على شمال مالي سنة 2012، عناصر من (البوليساريو) تم تجنيدها محليا في مخيمات تندوف من قبل الجماعات الإرهابية التي تنشط بالمنطقة، ومن بينها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وأنصار الدين. وأبرزت الدراسة، التي قدمت جردا بالهجمات والاعتداءات الإرهابية التي جرت خلال سنة 2013 بمنطقة المغرب العربي والساحل، أن السنة المنصرمة سجلت رقما قياسيا من حيث عدد العمليات الإرهابية مقارنة مع السنوات ال 12 الماضية، حيث تم جرد 230 حادث خلال سنة 2013، أي ما يمثل زيادة مقلقة تصل إلى 60 في المائة مقارنة مع سنة 2012. وعلاقة بمساهمة الجزائر في إنتاج الإرهاب ورعايتها لمشاتله، قال االصحفي الإسباني رامون مورينو كاستيا « إن الجزائر بلد «غير مستقر» سياسيا واجتماعيا ويصدر الإرهاب خارج حدوده. وأوضح مورينو كاستيا، في مقال رأي نشرته المجلة الإسبانية (أتلايار بين الضفتين) ضمن طبعتها على الانترنت، أن «الجزائر، التي لم تعش انتقالا سياسيا، بلد مضطرب يشجع ليس فقط الجماعات الإرهابية الجهادية، بل ويصدر الإرهاب خارج حدوده». وهو حكم ليس جزافيا، ولكن لأن الجزائر تستعمل الموارد البشرية الإرهابية لمحاربة جيرانها. وأضاف هذا الخبير في القضايا المغاربية، أن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، قدمت، هي أيضا، في كتابها الأخير «هارد شويس» (خيارات صعبة) قدمت شهادة معبرة عن الجزائر «البلد المعقد»، معترفة بوجود لوبي قوي يدير البلاد، و»ورقة البوليساريو» التي يلعب بها النظام الجزائري باستمرار. ومن جهته، كان المعهد الأوروبي للدراسات الاستراتيجية، الذي يوجد مقره في بروكسل، قد أكد أن العلاقة بين تفكك جبهة «بوليساريو» وتطور الإرهاب في منطقة الساحل، تزداد رسوخا، وأن انهيار هذه الحركة يغذي نشاط تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وأوضح المعهد، في تقرير بعنوان «جبهة البوليساريو وتطور الإرهاب في منطقة الساحل»، أنه «إذا كانت هذه الفرضية تعكس، في الأصل، مجرد الخوف من انجراف بوليساريو، فإنها تصبح، يوما بعد يوم، ملموسة أكثر، لدرجة أصبحت موضوع توافق لدى محللي الوضع الأمني في المنطقة». ويوضح التقرير، من خلال أمثلة ودراسات، تنوع الروابط بين البوليساريو والنظيمات الإرهابية، مبرزا أن «أعضاء نشيطين من الحركة يبحثون عن عائدات إضافية، على غرار المرتزقة، الذين يسعون إلى تصريف تجربتهم السابقة داخل الهياكل العسكرية للحركة الانفصالية الصحراوية، بإمكانهم الانخراط في الإرهاب، بعد ممارستهم مختلف أشكال التهريب». وأشار المعهد إلى أن الجريمة، خاصة منها عمليات تهريب المخدرات والأسلحة، التي شهدت تطورا بالمنطقة، منذ بضع سنوات، أضحت، بالنسبة لعدد من الصحراويين، في مخيمات تندوف، بمثابة الأفق المستقبلي الوحيد القابل للتحقق، في مواجهة الإحباط الناجم عن انسداد الآفاق السياسية المتاحة اليوم من لدن قيادة «بوليساريو». ولاحظ التقرير أن «تنوع المسارات، التي تؤدي إلى هذا المنحى الإرهابي، دليل آخر على المستوى المتقدم من التفكك، الذي تعرفه جبهة بوليساريو، لأزيد من 35 سنة على إنشائها». وأبرز التقرير تعقد الرهانات الأمنية بالمنطقة، إذ أصبح من الصعب أكثر فأكثر التمييز بين الإرهابيين والمهربين، من جميع الأصناف. مضيفا أن هذا التواطؤ بين الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات، وأعضاء سابقين أو حاليين لحركة انفصالية توجد في حالة تفكك، سمح بنمو ما اعتبره معهد توماس مور «صناعة هجينة للاختطاف»، التي تمول، بفضل دفع الفدية، الإرهاب وأنشطة تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» في كل أرجاء المنطقة. وأشار المعهد الأوروبي للدراسات الاستراتيجية إلى أنه، منذ بضع سنوات، لوحظ أن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» أولى اهتماما أكيدا بجبهة ?البوليساريو»، التي أصبحت أحد الروافد الرئيسية للاستقطاب بالنسبة للمنظمة الإرهابية. وأكد أن الشباب الصحراويين اليائسين يمكن استقطابهم بإيديولوجيا تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، مضيفا أن «المنظمات الإرهابية القوية، كتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، لها خبرة في مجال انتقاء الأشخاص المعرضين لهشاشة من هذا القبيل». وهكذا، تشكل مخيمات تندوف «منجم ذهب محتمل» بالنسبة لمستقطبي عناصر مجموعات كتنظيم ?القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي?. وأكد المعهد الأوروبي للدراسات الاستراتيجية أن «الالتحاق بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتبني إيديولوجيته الجهادية لا يهمان فقط ، «جنود» جبهة بوليساريو». وأضاف، في هذا السياق، أن «أطرا بهذه المنظمة أصابتهم هذه العدوى، ما قد يشكل خطرا كبيرا، لأن بإمكان هؤلاء الأعضاء البارزين التأثير على آخرين، وبالتالي، تشكيل أقطاب حقيقية للاستقطاب الإسلامي داخل المخيمات». وشدد المعهد على أن عزلة وتعنت قيادة «البوليساريو» انعكسا، كذلك، في سلوك يزداد عدوانية تجاه أي شكل من أشكال مواجهة نهجها في التدبير والاشتغال. ولاحظ التقرير أن قيادة «بوليساريو انعزلت أكثر عن قاعدتها»، مكتفية بالدفاع عن مصالحها الخاصة والمالية، مشيرا إلى أن انحرافات هذه القيادة مقرونة بفشل سياستها ساهمت، أيضا، في فقدانها الشرعية بالنسبة للسكان. وأوضح المعهد أن فقدان شرعية «بوليساريو»، يتجسد، كذلك، في بروز تيارات معارضة، مستشهدا بحركة ?خط الشهيد?، التي أحدثت في يوليوز 2004، والتي تطعن في شرعية القيادة الحالية، وتندد بطبيعتها غير الديمقراطية. علاوة على ذلك، يبرز تقرير المعهد الأوروبي للدراسات الاستراتيجية، أن جبهة «بوليساريو» متهمة، منذ سنوات، باختلاس المساعدات الإنسانية، المالية والمادية، التي تمنحها منظمات غير حكومية وهيئات دولية. واعتبر المعهد أنه يتعين ربط تنامي الجريمة، أيضا، بالإفلات من العقاب السائد في منطقة الساحل، الذي شجع، مثل الإرهاب، على تنامي التهريب بجميع أشكاله، مؤكدا أن المنطقة تعد، في الوقت نفسه، منطقة مهمة لإنتاج المخدرات، وممرا لعبور الكوكايين إلى أوروبا، قادما من أميركا اللاتينية. وأشارت الوثيقة إلى أن تورط ?بوليساريو? في تهريب المخدرات تأكد من خلال تفكيك شبكة للاتجار في المخدرات بشمال موريتانيا، في يناير2007 . وأضاف المعهد أن الحركة تستفيد، كذلك، من موقعها المتميز في المنطقة، إذ تفلت من مراقبة الدول، كي تغتني عبر المشاركة في تهريب الأسلحة.