ما معنى أن الحيوانات تتقاتل ولكنها لا تعرف " الحرب" ؟ معناه أن الكائنات البشرية قادرة على الاتفاق فيما بينها على صياغة قواعد الاقتتال، و تدوينها في شكل بنود و قوانين و الالتزام باحترامها. هل يمكن القول إن الحرب هي شكل من أشكال تقنين الاقتتال ؟ يستطيع الكائن البشري أن ياسر نظيره بعد هزمه عسكريا، غير انه ملزم " قانونيا و أخلاقيا " باحترام القوانين الدولية التي تحمي الأسرى من المعاملة " السيئة ". يستطيع الكائن البشري أن يقتل الأطفال والشيوخ و النساء ، وأن يهدم مدنا بأكملها غير انه يمكن أن يعلن عن فترة هدنة يتم خلالها السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى أشخاص شردتهم الحرب و تركتهم بدون مأوى و مأكل ومشرب ، و ألحقت بهم أعطابا جسدية ونفسية كما قتلت ذويهم. يستطيع الكائن البشري ان يدمر بلدانا بكاملها، غير أنه يمكن أن يشرف على عقد صفقات لإعادة إعمار هذه البلدان، و إعادة ما دمرته الحرب . الحيوانات تتقاتل لكنها لا تعرف معنى الأسر لأنها تتقاتل من أجل الاستجابة لغداء الجوع و غريزة البقاء و الحفاظ على الحياة. الحيوانات تتقاتل و لكنها لا تدرك معنى " الهدنة " لأنها لا تهدأ إلا بالحصول على مبتغاها من الاقتتال و غالبا ما يكون هذا المبتغى هو مقاومة الجوع . الحيوانات تتقاتل و لكنها لا تعقد صفقات إعادة الإعمار لأنها لا تعرف معنى " التعاقد " و " الاتفاق " ربما لأنها لا تدمر شيئا لكي تعيد بناءه . الحيوانات تتقاتل لكنها لا تستعمل عبارة " الحرب النظيفة " ، ربما لأنها لا تملك طائرات بدون طيارين و آليات تستهدف " الخصم " من مسافات بعيدة ، أو ربما لأنها لا تملك القدرة على النطق و غير مؤهلة لتركيب عبارة " الحروب النظيفة " . في يوم من أيام مارس 2012 حضرت عرضا لأستاذة للتاريخ بمدينة بروكسيل ، اعتبرت الأستاذة أن مختلف المكاسب التي حصلت عليها البشرية في مسلسل أنسنته شرطها الحياتي ، حصلت عليها بفضل العنف ، مما دفعها إلى الإشادة بالعنف و اعتبار إدانته شكلا من أشكال النفاق البشري . أثناء المناقشة , سألت إحدى الحاضرات الأستاذة عن رأيها في أعمال العنف التي يذهب ضحيتها أطفال تقلهم حافلة، و هم في طريقهم من و إلى مؤسسة مدرسية ، انتبهت الأستاذة المحاضرة إلى أن المتدخلة تقصد ما يحدث في فلسطينالمحتلة ، فنبهتها إلى ما يستفزها هو الدم ، و ليس القتل . و تساءلت : لماذا لا ننتبه إلى أن إسرائيل " باقتلاعها لأشجار الزيتون " تقتل عشرات الأطفال ، بدون أن تسيل قطرة دم واحدة. الحيوانات تتقاتل غير أنها لا تجلس إلى طاولة المفاوضات، لأنها لا تعرف شكلا آخر للاقتتال غير الاقتتال الجسدي. هل يمكن القول إن الكائنات البشرية بحكم امتلاكها للقدرة على النطق ، فإنها تملك أحد وسائل تحويل طبيعتها الحيوانية إلى نزعة إنسانية ، و هي في نفس الوقت تملك أحد وسائل الحجب ، حجب طبيعتها الحيوانية و تقديمها في صيغة مقبولة. هل تشكل الحرب نموذجا للجدل الذي تعيشه الكائنات البشرية بين سعيها إلى أنسنة شرطها الحياتي من جهة ، و مقاومة هذا السعي بالحفاظ على طبيعتها الحيوانية ، من جهة أخرى ؟ إلى السيد رئيس الحكومة المغربية السيد رئيس الحكومة المغربيةو أنت تسأل السيد الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عن رد فعله في حالة ما إذا ضبط زوجته تخونه، و أنت تستثمر جوابه، لتدافع عن أطروحتك القاضية بإعمال القتل بصفته عقوبة جنائية ... هل نسيت أن انتقال البشرية من منطق الانتقام إلى منطق العدالة ، كان الهدف منه فتح الطريق أمام المجتمعات البشرية لتجاوز وضعية الفوضى و ولوج مرحلة التنظيم ، تنظيم المكافأة و العقاب . هل نسيت أن هذه المرحلة تتسم بسحب شرعية استعمال العنف من الأفراد ، و نقلها للدولة ، و وضع ضمانات لإعمال هذه الشرعية بأقل ما يمكن من الشطط . هل نسيت أن البشرية " و هي تبني هذا المنطق " تستأنف مسيرة طويلة و شاقة ، هي مسيرة أنسنة شرطها الحياتي. في مقابل هذه المسيرة ، هناك مسيرة مضادة تسعى إلى مقاومة تحول الكائنات البشرية نحو الإنسانية المنشودة و تكريس الطبيعة الحيوانية لهذه الكائنات . هل نسيت أن الأديان السماوية " بما فيها ديننا الإسلامي " تمثل ذلك السعي نحو الأنسنة . و من داخل هذه الأديان خرجت تيارات تقاوم هذا السعي. إما أنك نسيت، و في هذه الحالة ، يمكن أن نتساءل : هل يحق لرئيس الحكومة أن ينسى أمرا من هذا المستوى" و إما أنك تنتمي" بوعي و إصرار " إلى التيار المقاوم لأنسنة الشرط البشري ، و في هذه الحالة يمكن أن نعيد الحساب ، و نتساءل : ما طبيعة المعركة اليوم ".