تبنى وزراء خارجية ودفاع الاتحاد الاوروبي وصفة غير مسبوقة في التعامل مع موضوع المهاجرين القادمين إلى الضفاف الشمالية للمتوسط . ففي اجتماع لهم، أول أمس، قرروا إطلاق عملية عسكرية بحرية لمنع الهجرة إلى دول القارة العجوز العضو بالاتحاد . القرار جاء بعد شهر من استعراض سيناريوهات للحد من الظاهرة التي بلغت في منتصف الشهر الماضي، مستوى قياسيا للوافدين وللضحايا الذين ركبوا عباب المتوسط، متكدسين في قوارب الموت التي انطلق جلها من الساحل الليبي . العملية العسكرية ستطال شواطئ ليبيا، البلد الذي يعرف اقتتالا بين عدة أطراف في شرقه ووسطه . وقد ساعد انزلاق هذا البلد المغاربي إلى مجال الدولة الفاشلة، هيكلا وسلطة وأمنا، على ارتفاع وتيرة أنشطة شبكات التهريب بعتادها وعناصرها كي تخلق جسرا بحريا يربط بين ضفتي البحر الابيض المتوسط. القرار الأوروبي له مخاطر عدة وتداعيات متعددة وانتهاكات عديدة : إنه قرار يستهدف سيادة بلد بالرغم من أوضاعه الأمنية المتدهورة . وتم اتخاذه دون التنسيق معه . وحتى الادعاء بأن التدخل سيكون تحت البند السابع لميثاق الاممالمتحدة ما هو إلا تغطية غير قانونية تحفظ بشأنها الامين العام بان كي مون في رد فعله أول أمس. القرار جاء بعض رفض سيناريوهات إنسانية للتعامل مع موضوع الهجرة بادرت إلى طرحها دول من الاتحاد الاوروبي بعضها تأسس على مبدأ التضامن . وهذه المقاربة اللاإنسانية لن تحل مشكل الهجرة، إذ ستعمد شبكات التهريب الى إبداع أشكال جديدة قد لا يجدي معها الخيار العسكري نفعا. إن لأوربا مسؤولية تاريخية وسياسية في استفحال ظاهرة الهجرة . فالعديد من دولها استعمرت بلدانا إفريقية ونهبت خيراتها وتركت تحت رمادها نار الصراعات القبلية، وساندت أنظمة ديكتاتورية أوصلت شعوبها إلى حالات من الحروب الأهلية ومن مظاهر فظيعة من الفقر . وبدل أن تساعد أوربا الدول الافريقية لمعالجة هذه الأوضاع، ها هي من خلال تبني مقاربات مندمجة للتنمية، تعتمد الخيار العسكري الذي قد يزهق أرواحا ويدمر بنيات اقتصادية بليبيا. إن الهجرة إلى أوربا لها شبكات ليس فقط بإفريقيا بل حتى داخل دول الاتحاد. وهي شبكات تستغل المهاجرين كيد عاملة رخيصة في الزراعة وتزج بالنساء في مهن تهين كرامتهن وتتاجر بأجسادهن . يحدث ذلك أمام أعين الحكومات الأوربية التي للإشارة لم تصادق أي منها على الاتفاقية الدولية لحماية المهاجرين وعائلاتهم. لقد مر أكثر من ربع قرن على انطلاق ظاهرة قوارب الموت من البلدان المغاربية الخمسة أساسا صوب أوروبا . وابتلع البحر المتوسط الآلاف من الحالمين ب"الفردوس الاوروبي " القادمين ليس فقط من عمق إفريقيا، بل حتى من بعض الدول الآسيوية . وانعقدت مؤتمرات وقدمت مشاريع حلول لكنها وجدت آذانا صماء بالاتحاد الاوربي ... إن على الاتحاد الاوربي اليوم التعامل بجدية لمعالجة ظاهرة الهجرة في منابعها ومساراتها، والتعاطي معها من منطلق تنمية إفريقيا وباعتماد المقاربة الانسانية بدل الخيار العسكري.