1 مجهود استثماري استثنائي للدولة : خلافا لاعتقادات سائدة، اليوم في الأقاليم الجنوبية ، فإن تحليل تطور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية يبرز تقدما كبيرا يفوق ، في أغلب الحالات ، ما وصلت إليه الجهات الأخرى للمملكة . فمساهمة الأقاليم الجنوبية في الإنتاج الوطني تصل إلى حوالي 4 %، كما تجسد نسبة مناصب الشغل المحدثة 6 % من ما يحدث على الصعيد الوطني ، في حين أن مجمل ساكنة الأقاليم الجنوبية لا تتجاوز 2,7% من المجموع الوطني . ويرجع هذا التقدم إلى المجهودات التي بذلت من طرف الدولة في ميدان الاستثمار العمومي والتي تفوق الانجازات التي وصلت إليها الجهات الأخرى للمغرب . وهكذا ومن أجل تقوية البنيات التحتية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب من طرق، وموانئ، ومطارات، ومستشفيات ، ومدارس ، وسكن إلخ تم تعبئة موارد مالية ضخمة تقدر بمئات الملايير درهم ما بين 1976 و2010. ويبلغ الاستثمار العمومي للفرد بهذه الأقاليم معدلا سنويا يفوق 12.820 درهم ، في حين لا يتجاوز هذا المعدل على الصعيد الوطني 5.820 درهم . وترتفع الاستثمارات العمومية بمدينة العيون سنة 2010 إلى حوالي 3 ملايير درهم ، أي ما يقارب 22% من مجموع هذه الاستثمارات داخل الأقاليم الجنوبية . كما يبين افتحاص المداخيل العادية لميزانية الدولة ، والحسابات الخصوصية للخزينة والمؤسسات العمومية ، أن الأقاليم الجنوبية تمكن من تحصيل موارد تقدر ب 7,2 مليار درهم ، أي معدلا سنويا للمداخيل لا يتجاوز 1,44 مليار درهم، وحوالي 1,34% من مجموع المداخيل المحصلة على الصعيد الوطني . لذلك تسجل نسبة التغطية التي تعني تغطية النفقات بالموارد المحصلة 15% فقط داخل الأقاليم الجنوبية مقارنة مع 62% على الصعيد الوطني. ونتيجة لهذا المجهود في ميدان الاستثمار العمومي تحسن مؤشر التنمية البشرية بكيفية ملموسة ، إذ قفز هذا المعدل إلى 0,729 ، أي أعلى مستوى في البلاد أذا استثنينا جهتي «الرباطسلا زمور زعير « والدار البيضاء الكبرى «. 2 حكامة محلية تشكو من عدة اختلالات رغم المجهودات المبذولة من طرف الدولة ، ظل الإدماج الاقتصادي والاجتماعي لساكنة الأقاليم الجنوبية ضعيفا بسبب تنامي ديمغرافي سريع لأقاليم الجنوب نتيجة عوامل جاذبية ،صنف منها حقيقي ويتعلق بحجم الاستثمارات العمومية والصنف الثاني مصطنع ،ويتمثل في نظام الامتيازات الموضوع من طرف الدولة والذي أصبحت تتحكم في تدبيره سلوكات الزبونية والولاءات المختلفة بعيدا عن أي منطق للاستحقاق أو الشفافية ، ونتيجة هذا التزايد بلغت مدينة العيون ساكنة تقدر ب 230.000 نسمة من مجموع ساكنة الجهة الذي يصل إلى 314.000 نسمة جلها شباب. محدودية الحكامة المحلية تطرح تعبئة الموارد العمومية الضخمة لصالح الأقاليم الجنوبية عدة تساؤلات حول مستوى نجاعتها ومدى تلبيتها للحاجيات الاجتماعية المتصاعدة للساكنة . فرغم تحسن مجمل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بنسب تفوق المعدل الوطني ، يبقى المناخ الاجتماعي متوترا داخل الأقاليم الجنوبية وتعتريه ، من حين لآخر ، احتجاجات المواطنين التي أدت إلى أحداث العيون . فهذه المفارقة بين حجم الاستثمارات ومستوى المؤشرات المرتفعين من جهة وتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية من جهة أخرى تطرح علينا سؤالين جوهرين : 1 ما هي طبيعة الحكامة المحلية التي تحدد تدبير الموارد المرصودة إلى الأقاليم الجنوبية ؟ 2 ما هي العوامل الذاتية التي تعوق إدماج المواطنين بالأقاليم الجنوبية في المسار الاقتصادي والاجتماعي التي تعرفه البلاد ؟ طبيعة الحكامة المحلية: تطرح تعبئة الموارد المالية الضخمة في الأقاليم الجنوبية عموما ومدينة العيون على وجه التحديد إشكالية نجاعة تدبيرها على المستوى المحلي من أجل تلبية الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين ، إذ أن القراءة الأولية لبنية الاستثمارات العمومية تبين هيمنة الموارد الموجهة للبنيات التحتية وضعف الموارد التي تهم البرامج الثقافية والاقتصادية من أجل إدماج الشباب . وتبرز لائحة المشاريع المنجزة من طرف الدولة ، أو المؤسسات العمومية، أو الوكالة، أهمية الموارد المخصصة للتجهيزات الأساسية . فإذا أخذنا مجمل المشاريع الممولة من طرف الدولة والوكالة مثلا خلال الفترة الممتدة من 2004 إلى 2010 ، نلاحظ أن 11،7 مليار درهم من أصل مجموع 12,8 مليار ، تم اعتمادها في تقوية البنيات التحتية ، في حين أن دعم الأنشطة المدرة للدخل والمبادرة الخاصة لا يتجاوز 1 مليار درهم . كما يبدو أن هذه السياسة الاستثمارية للدولة لم ترتكز على تدبير مصاحب للموارد البشرية داخل الإدارة المحلية يمكن من تثمين استعمال هذه الموارد المالية الضخمة . ذلك أن تسيير المرافق العمومية الاقتصادية والاجتماعية الأساسية داخل مدينة العيون يبقى متواضعا نظرا لضعف بعض الكفاءات وغياب سياسة محفزة لمردودية الموارد البشرية داخل الإدارة . وإذا أبرزنا أن هذا الضعف للقدرة المؤسساتية للإدارة قد يزيد حدة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تلاقي بعض المصالح الإدارية المحلية مع مصالح المنتخبين المحليين والأعيان، سنتمكن من فهم الاختلالات التي تحرف مجموعة من البرامج الاقتصادية والاجتماعية عن أهدافها في خدمة الصالح العام . إلى أهداف تخدم مصالح خاصة عبر قنوات الزبونية والولاءات. وفي هذا السياق قد تصبح ميزانيات المجالس المنتخبة ، وبرامج الإنعاش الوطني، وبرامج السكن الاجتماعي، وسياسة إنعاش الاستثمار، وبرامج التنمية البشرية ،ودعم المواد الغذائية والمحروقات في خدمة مصالح ضيقة للنخب السياسية السائدة وتقصي غالبية المواطنين من الاستفادة من هذه الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية للدولة التي كان من المفروض أن تحسن ظروف عيشهم . إن التوزيع غير العادل للمنافع وتخلي الإدارة الترابية في الفترة السابقة عن دورها في تدبير العديد من الملفات (توزيع بطاقات الإنعاش الوطني ، التحكم في منح جمعيات المجتمع المدني ، وتوجيه الاستفادة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتوزيع المواد الغذائية المدعمة) مكن ليس فقط من خلق لوبي قوي وضاغط ، بل وصل تأثيره للعديد من المصالح الخارجية للدولة . الشيء الذي خلق جوا من الاحتقان الاجتماعي يغذيه الإحساس بالظلم والتهميش من طرف شرائح عريضة. وهكذا، رغم أهمية حجم ما تم انجازه من سكن منذ 1976 من طرف الدولة في جهة العيون الساقية الحمراء وادي الذهب ، أي ما يفوق 44.000 سكن وبقعة أرضية ، جلها في مدينة العيون (منها 6777 سكن و 28.500 بقعة ) ، كان أول مصدر للاحتجاجات الاجتماعية المسببة لمخيم « اكديم إيزيك « : توفير السكن الاجتماعي ، ويمكن اعتماد نفس الملاحظة فيما يخص الإنعاش الوطني الذي جسد كذلك موضع احتجاج رغم أن المستفيدين حاليا يفوق 11.000 مستفيد، وهنا لابد من القول بأن هناك مجموعة شرائح مكونة لساكنة العيون من بينها سكان مخيمات الوحدة والعائدون وغيرهم قد استفادت على دفعات من السكن في حين بقي جزء كبير من الساكنة الأصلية للعيون خارج الاستفادة من السكن وأيضا من بطائق الإنعاش الوطني. وهنا نفهم أسباب الإحتقان الاجتماعي بمدينة العيون في الأيام الأخيرة، والذي أفضى إلى ما بات يعرف بأحداث العيون الناتجة عن تفكيك مخيم «اكديم إيزيك «، ويمكن الوقوف عند التجاوزات والخروقات بالرجوع إلى تقرير التفتيشية العامة للسكن والتعمير بتاريخ 18/03/2009 ( ملحق 9) وتقرير الإفتحاص المعد من طرف شركة العمران بتاريخ يونيو 2009 (ملحق 10 ) . 2 العوامل الذاتية المعيقة لإدماج المواطنين في مسار تنموي حقيقي : تبرز قراءتنا لأنظمة الحكامة المحلية المعتمدة أن استغلال الامتيازات الممنوحة من طرف الدولة خارج منطق الاستحقاق والشفافية أنتج تبعية بعضا من نسيج المجتمع المدني وليس كل المجتمع المدني إلى ثقافة الريع والاتكالية التي بذل أن تخدم قضايا محلية ووطنية وساهم في الدفاع عن القضية الوطنية تخدم مصالح بعض النخب السائدة وبالتالي أصبح جزء من النسيج الجمعوي فضاءا متحكم فيه لأغراض لا علاقة لها بالعمل الجمعوي .