احتضنت قاعة الفن السابع بالرباط، مساء الجمعة 7 يناير الجاري، العرض الأول للشريط القصير «بلاستيك» الذي يشكل جسر عبور الفنان عبد الكبير الركاكنة إلى ضفة الإخراج، هو الذي تميز، قبل هذا الانتقال، بتوهج أدائه التشخيصي مسرحيا وسينمائيا وتلفزيونيا. فكرة الشريط، ومدته 29 دقيقة، فكرة اجتماعية قوية، تنبني على التوتر المهيمن في رحم أسرة مغربية نووية، والعلائق العنيفة، رمزيا وليس جسديا، المتحكمة في أيامها ولياليها. الأم (لطيفة أحرار) تشتغل خارج البيت وتتعرض لتسلط رئيسها وكيد زميلاتها في العمل، وهي مجبرة، في الآن ذاته، على تحمل وزر كل الأشغال المنزلية نظرا لاستقالة الزوج (رشيد الوالي) شبه التامة من اقتسامها معها، بما في ذلك تربية الطفلتين (رانية حتيمي وأكرم البركة، وهو طفل قام بدور رضيعة). حمل ثقل فكرة الفيلم، بقوتها وتشعباتها وإيحاءاتها وتدرج حبكتها، الممثلان القديران لطيفة أحرار ورشيد الوالي، وجعلا متابعتها، بأدائهما الذي توالت في سياقه لحظات درامية وأخرى ساخرة، ممتعة لدرجة شدت انتباه الحاضرين. مثلما كانت الطفلة رانية تلقائية في أدائها، فبدت كأنها لا تجسد دورا بل تسبح في نهر حياتها العادية، مما زاد الشريط واقعية وجاذبية. برزت بصمة عبد الكبير الركاكنة جلية طوال مشاهد الشريط التي تعاقب ضمنها الموقف الجدي المأساوي والموقف الساخر واللقطات المفارقة، وكانت إدارته للممثلين حرفية رغم صعوبة إدارة نجمين من عيار أحرار والوالي. وكان حضور الركاكنة، خلف الكاميرا، بارزا يستشف من خلال تطور أحداث الشريط ومشاهده وصوره، كما من خلال تكسير إيقاعه الدرامي التصاعدي عبر محطات استراحة توابلها السخرية، وذلك لمنح المتفرج لحظات تأمل في تموجات الحكي، وانفلات من الجدية المفرطة (مشهد الأب والمرأة ذات الجلباب الكاشف عن فتنة جسدها، والزوج والزوجة على سرير النوم مثلا...). مثلما نجح الركاكنة، على الصعيد التقني، في منح عيون الحاضرين شريطا لا يخدش نظرتها، مسنودا في ذلك بطاقمه، رغم بعض الهفوات النادرة على مستوى التصوير. ويستحق الركاكنة، أيضا، تنويها خاصا بفعل قدرته على جعل الكاميرا ترسم فنيا وتكشف عن حالات التوتر النفسي التي انتابت شخصيات الشريط عبر المراحل المؤدية إلى ذروته. وإذا كان عبد الكبير الركاكنة قد ربح رهان الشريط الأول، وبامتياز، فإن الجميع ينتظر القادم من أفلامه لأنه رفع العتبة عاليا. نهاية الشريط ستكون مأساوية، وهي تبرر عنوانه، أي الإحالة على البلاستيك الذي سيتحول إلى مادة تغتال أصغر البنتين، ويحول حياة الأسرة الصغيرة إلى جحيم يؤثثه الموت بعد أن تسلل إليه الفصل من العمل. شريط يكشف وجها مسكوتا عنه من العنف العادي الذي ينخر المجتمع المغربي، ويستحق المشاهدة.