لكي تلج أبواب الإمارات، فإن خير سبيل إلى ذلك هم مثقفوها، يتقدمهم عميدهم الشاعر حبيب الصايغ رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الذي سبق لي أن تعرفت عليه قرائيا منذ عقد التسعينات من القرن الماضي، عندما كان يصدر مجلة «أوراق» المثيرة للجدل بأسئلتها الثقافية المشاكسة ورهانات مقاصدها الحداثية، لكن بعد توقف إصدار هذه التجربة الطليعية المنفلتة عن اللحظة التي صدرت فيها، سأتعرف على الشاعرة ظبية خميس في بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، خلال زيارتها المنتظمة للمغرب للمشاركة في الملتقيات التي كانت تنظمها بفاس (جمعية الإبداع النسائي) عندما كانت تنشطها الباحثة رشيدة بنمسعود بمعية الفنانة التشكيلية خديجة طنانة، وتعتبر هذه المغامرة الطليعية في المغرب تجربة رائدة كانت تستقطب انّذاك خيرة ناقدات ومبدعات العالم العربي، مدشنة لأول مرة مدارسة قضايا الخصوصية في الكتابة النسائية ترددت كثيرا في الفترة الأخيرة في السفر إلى خارج الوطن، لكن عندما عرض علي اقتراح السفر إلى الإمارات العربية المتحدة لم أتقاعس عن الزيارة، لأنها كانت البلد العربي الذي فاتني فرصة زيارته، وبذلك أضيفت إلى الفرص الضائعة التي تحسرت عليها. كان وفدنا في هذه الرحلة يتكون من رئيس اتحاد كتاب المغرب الأستاذ عبد الرحيم العلام، والكاتب العام سعيد كوبريت وكاتب هذه السطور. التحقت بالوفد الشاعرة المغربية وفاء العمراني المقيمة بالإمارات العربية المتحدة التي شاركت في القراءات الشعرية التي أقيمت على هامش أشغال اجتماعات المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. لكي تلج أبواب الإمارات، فإن خير سبيل إلى ذلك هم مثقفوها، يتقدمهم عميدهم الشاعر حبيب الصايغ رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الذي سبق لي أن تعرفت عليه قرائيا منذ عقد التسعينات من القرن الماضي، عندما كان يصدر مجلة «أوراق» المثيرة للجدل بأسئلتها الثقافية المشاكسة ورهانات مقاصدها الحداثية، لكن بعد توقف إصدار هذه التجربة الطليعية المنفلتة عن اللحظة التي صدرت فيها، سأتعرف على الشاعرة ظبية خميس في بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، خلال زيارتها المنتظمة للمغرب للمشاركة في الملتقيات التي كانت تنظمها بفاس (جمعية الإبداع النسائي) عندما كانت تنشطها الباحثة رشيدة بنمسعود بمعية الفنانة التشكيلية خديجة طنانة، وتعتبر هذه المغامرة الطليعية في المغرب تجربة رائدة كانت تستقطب انّذاك خيرة ناقدات ومبدعات العالم العربي، مدشنة لأول مرة مدارسة قضايا الخصوصية في الكتابة النسائية. أّذكر من المبدعات اللواتي كن عضوات نشيطات في هذا المحفل النسائي على سبيل التمثيل، المرحومة الناقدة والروائية لطيفة الزيات و(المرحومة) نوال السعداوي وسلوى بكر، وفي المجال الفني الممثلة القديرة أمينة رزق والمخرجة إيناس الدغيدي من مصر، ومي مظفر من العراق وليانة بدر من فلسطين وحنان الشيخ من لبنان وفوزية رشيد من البحرين، وفاطمة العلي من الكويت وظبية خميس من دولة الإمارات. ولقد تناسلت وتشعبت أطاريح وحوارات هذه الفئة المستنيرة التي انطلقت من فاس في مختلف العواصم الثقافية في العالم العربي، في مأدبة الغذاء التي أقامها سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة للوفود المشاركة في الملتقى الثقافي على هامش اجتماعات المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، جلست مصادفة بجوار الشاعر الإماراتي إبراهيم الهاشمي وحدث بيننا تماس وتواصل ثقافي، فلاحظت أنه يوجز في الحديث بدون حشو أو إطناب، يبلغك المفيد من القول، على شكل شذرات من شعر الهايكو ، أفكر في العودة مستقبلا إلى قراءة ديوانه الشعري الجديد "مس" لكي أقترب من كنه الشاعر الذي يسكنه. هناك ظاهرة لافتة للنظر، هي وجود عدد كبير من المثقفين والمبدعين المهاجرين إلى دولة الإمارات، بلد حسن الضيافة بامتياز، وهذه الظاهرة تعتبر تجربة تغني الحقل الثقافي في الإمارات كفضاء للتفاعل والتبادل الحضاري، يحضرني من الأسماء التي التقيت بها على سبيل الإشارة لا الحصر، الباحث في "السرديات المضادة" الأكاديمي العراقي معن الطائي، والروائية السودانية آن صافي، والتشكيلية المغربية ابتسام أبو عنان، واليمنية لارا طراسي، والروائيان العراقيان شاكر نوري وذياب فهد الطائي، والكاتب السوري إبراهيم اليوسف، وغيرهم ممن لم تسمح لي ظروف الرحلة أن أكتسب صداقتهم. يوجد العديد من المثقفين والمبدعين والأطر التقنية المقتدرة، الذين تصادفهم في الإمارات دون أن تعرف جنسياتهم، لهذا كنت أتحاشى سؤال البعض منهم عن موطنه الأصلي، لأنك تلاحظ أنهم مندمجون في نسيج المجتمع الإماراتي، حيث تحولت بوجودهم دولة الإمارات التي تزخر بكثير من الأبراج العملاقة إلى برج بابل يتسع لكل الشعوب والحضارات، كما أنك تستمع فيه إلى لغات العالم القادمة من كل أصقاع المعمور، فحسب بعض الإحصائيات شبه الرسمية، هناك في دولة الإمارات أكثر من مائتين وخمسين جنسية، يعيشون في تواد وتحاب وانسجام متناغم مع مواطني المجتمع الإماراتي. في اليوم الثاني من رحلتنا إلى الإمارات، كنت على موعد مع الندوة العلمية حول (الملكية الفكرية، قصور التشريع وأثره على حماية الإبداع)، التي شاركت فيها بعرض حول (حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة، نموذج المغرب) أدارها برصانة أكاديمية متميزة الباحث الدكتور عبد الفتاح صبري. ولقد ركزت فيها على مقاربة تعتمد على منظور النقد الثقافي، واعتبرت أن حقوق المؤلفين تتجاوز التشريع القانوني - الذي بالرغم من أهميته ? على المستوى العقابي والزجري.-- فإنه غير كاف في محاربة ظاهرة القرصنة. وأن الأمر يتعلق بالوعي بأسباب التأخر الثقافي المضاعف الذي جعل العرب عالة على الاختراعات العلمية التي يصنعها الآخرون، كما أشرت على مستوى الإبداع الأدبي، بضرورة التفريق بين السرقة والتناص، واعتبرت أن التناص هو سر فعل الإبداع وصناعة الخلق الأدبي، لأنه لا توجد كتابة بدون تناص. أما السرقة فهي مرفوضة أخلاقيا ودينيا، لأنها سطو على ممتلكات وحقوق الآخرين، وإذا تجاوزنا المجال الإبداعي، فإن الأمثلة على السرقة والسطو على إبداعات الآخرين تتجاوز المصنفات الأدبية ، لتطول عمليات الإغارة والقرصنة المتوحشة التي يقوم بها الإسرائيليون للتراث الفلسطيني، من رقصة الدبكة إلى تفاح يافا، الذي يعرض في الخارج على أنه من زراعة وإنتاج الإسرائيليين، أو كتهريب التحف الفنية العراقية إلى الخارج عند اجتياح الأمريكان للعراق. على المستوى العمراني، تبهرك الإمارات بحركة البناء والتشييد التي تسابق الزمن، من ناطحات السحاب إلى الأبراج العملاقة التي لن تجد لها نظيرا حتى في الدول الغربية المتقدمة، ويمكن تفسير هذه الوظيفة العمرانية - حسب رأيي المتواضع? المتمثلة في الإكثار من بناء هذه الأبراج على المدى البعيد، بأنها نوع من التوسع الجغرافي عموديا، أمام ضيق المجال الترابي المحدود أفقيا، وذلك من أجل مواجهة التضخم السكاني المتنامي في الإمارات، فإضافة للأبراج الإدارية والتجارية، بنى الإماراتيون تحفا معمارية تعتبر اليوم من عجائب الدنيا. في مقدمتها نجد معلمة مسجد الشيخ زايد، الذي يزاوج بين أرقى ما وصلت إليه الهندسة الحديثة والزخرفة الإسلامية الرفيعة، مع قبر متواضع للشيخ زايد باني الإمارات ومؤسسها، الذي اختار لنفسه مرقدا بسيطا دون بهرجة أو استعراض باذخ. أما قصر الإمارات للعروض الثقافية والفنية، فإنه معرض دائم للوحات والحلي والفخاريات الثمينة عند مختلف الحضارات، يتحدى من حيث الزخرفة الذهبية كبريات المعارض العالمية. لم يقتصر الإماراتيون على التحديث العمراني، بل اقترن عندهم وتكامل مع الرهان على التنمية البشرية للولوج إلى عالم المعرفة والارتقاء بالتعليم في مختلف مستوياته، ومن أجل الوصول إلى هذه الغايات النبيلة لم يفعل الإماراتيون كما كان يفعل أسلافنا من رواد النهضة بالذهاب إلى الهجرة واللقاء بالآخر، بل إنهم استطاعوا أن يعملوا على استنبات وتوطين أهم المؤسسات العلمية العالمية في بلادهم، كالجامعة الأمريكية وأهم فروع جامعات السربون الفرنسية، حتى جامعة محمد الخامس المغربية في إمارة الشارقة فلها حضور علمي متميز وصيت أكاديمي لا ينافسها فيه الأغيار. إن الأمثلة على التمدن الحضاري، تظهر في الأمن والاستقرار وحقوق المواطنة، فقد تفاجأ عند عبورك للممرات الطرقية، بوقوف السيارات احتراما لأسبقية مرور الراجلين، كما أننا أحسسنا في جولاتنا الليلية ب (أبو ظبي) بوجود الأمن والأمان، بالرغم من خلو الشارع من رجال الأمن، وقيل لنا أن المتاجر المفتوحة لا تتعرض للسرقة حتى ولو تركها أصحابها بدون حراسة، ولم أر طيلة إقامتنا ب ( أبو ظبي) شرطيا واحدا إلا في حالات الضرورة القصوى كوقوع حادثة سير مثلا. كان مسك ختام رحلتنا، عندما دعانا حاكم إمارة الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وهو معروف عند جمهور القراء العرب بإبداعاته للنصوص المسرحية والكتابات التاريخية التي تعرف بحاضرة الإمارات، وكذلك برعايته لمهرجان المسرح العربي، يذكرني في مساره الفكري والإبداعي بسيرة بعض القامات والأعلام المعروفين في التراث العربي، الذين ضموا المجد من أطرافه، حيث جمعوا في مسيرتهم الحياتية بين الحكامة الرشيدة والكلمة الملتزمة. في كلمته التوجيهية التي ألقاها بمقر إقامته بالشارقة، شدد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على دور الثقافة والإبداع في هذه المرحلة العصيبة بعد اندحار الحراك العربي وتحوله في مختلف البلاد العربية إلى كارثة أليمة ، وأكد حاكم الشارقة على ضرورة أنسنة الواقع العربي من خلال دعم الترجمة من أجل تحقيق التفاعل الثقافي مع العالم المعاصر كاختيار ضروري في الفترة الحالية، ولقد أجمع الحاضرون على تتمين مداخلة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي وتجاوبوا مع كلماته القيمة، وأدرجوها ضمن توصيات البيان العام الذي صدر عن ملتقى المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. ولقد تدخلت في هذا اللقاء باسم الوفد المغربي وطالبت في هذه المرحلة التي يهيمن فيها (الجهل المقدس) على رايات العالم العربي أن نعمل إلى انتفاض ثورة ثقافية متسامحة . عند زيارتي لدولة الإمارات العربية المتحدة، كنت أتذكر بعض المقاربات الإيديولوجية التي تميز بين الحداثة وما بعد الحداثة ،واستحضرت بالمناسبة أطروحة شهيرة للمفكر المغربي عبد الله العروي مفادها أن على العرب بالضرورة أن يستوعبوا شروط الحداثة قبل المرور منها ،أما أنا فقد اقتنعت عند زياراتي لدولة الإمارات، أن دولة الإمارات العربية المتحدة، قد استوعبت شروط الحداثة الثانية وأنها انتقلت بجدارة إلى ما بعد الحداثة أو إلى الحداثة الفائقة كما يقول الصديق علي حرب، وهذا حديث سنتطرق إليه بتفصيل في مناسبة قادمة.