تعتبر الأوضاع الصحية بالجهة عموما وبالمركز الجهوي الاستشفائي ببني ملال على وجه الخصوص، أوضاعا متردية وجد مقلقة، إذ أن كافة الأطراف المرتبطة بالمنظومة الصحية بالجهة ، من مسؤولين إداريين وأطباء و عاملين بالقطاع الصحي ومرضى وذويهم، يجمعون على أن القطاع يعاني من اختلالات صادمة وغير مقبولة، ولا بد من ايجاد حلول عاجلة لها.خاصة وأن الواقع الصحي أصبح عصيا على الفهم وتحول إلى مصدر معاناة صحية ترهق الجميع، وعلى الكل تحمل ما قد يترتب عن ذلك من أمور خارج الضوابط المهنية لكافة التدخلات الطبية حتى ولو تعلق الأمر بهدر حياة المرضى بالتقسيط، وأحيانا يتفرج الجميع على لحظات الاحتضار ولفظ الأنفاس الأخيرة للمرضى ، قبل أدنى اي تدخل طبي لازم، وخاصة الحالات التي تستدعي دخول المريض قسم العناية المركزة بشكل فوري لانقاذ حياته أولا وأخيرا، وأحيانا تلفظ وسط متاهات اجراءات : القيد بالسجلات، وأداء واجبات الصندوق، وفي حالات متعددة انتظار الطبيب المتخصص أو نقل المريض خارج المدينة، وأسباب متعددة أخرى ،وهي أمور خارج إرادة الجميع، وحتى أننا ننقل صورة قاتمة عن الوضع الصحي الجهوي، ونمارس النقد وتوجيه اللوم، فإنه للانصاف، فإننا نشدد على أن ما تبقى من العاملين بمختلف المواقع والتراتبيات بالقطاع الصحي هم «مناضلون» ولا يمكن أن يختلف حول ذلك اثنان، لكونهم من جهة يكابدون أضعافا مضاعفة ليقوموا بمهامهم: كأن يقوم طبيب 01 بما يقوم به 05 أطباء أو أكثر والممرض الوحيد يقوم بعمل لأزيد من 10 ممرضين، وهكذا دواليك... ناهيك عن ظروف اشتغالهم والامكانيات المتوفرة لهم من وسائل وتجهيزات، وقاعات عمليات، وتنظيم الاسعافات القبلية التي لا تستجيب لمتطلبات وحاجيات التدخلات الصحية اللازمة . ومن جهة ثانية فالحديث عن قتامة الوضع الصحي بالجهة، لا ينطلق من فراغ ، بل هو واقع الحال يصرخ بذلك، والكل يشهد على ذلك، كأن تسمع وبشكل متكرر « rien ne marche » من جهة العاملين... !!؟ من طرف بعض المرضى والأهالي الغاضبين، أو من يتحدث عن أن الاستسلام لآهات و أنين المرضى، أفضل من اتباع مسار العلاجات والتدخلات الطبية وما يصاحبها من تعقيدات . وارتباطا بالسياسة الصحية الجهوية في علاقاتها مع أوضاع المركز الاستشفائي ببني ملال، فإن العاملين به ، قد ضاقوا مرارة العدد الهائل من الوافدين عليهم من مرضى وأهالي المرضى من كل فج عميق، من تخوم الجبال وبعض الأقاليم المجاورة للجهة، حيث تكتظ جميع مرافقه وتضيق تدخلاته إلى حد أن المجهودات المضاعفة للإدارة والأطباء والممرضين وكافة العاملين لا يظهر أثرها على الفعل العلاجي الصحي، وبالرغم كذلك من البرمجة الصائبة التي تفرض نفسها لبعض مشاريع اعادة تهيئة وتوسيع العديد من الأجنحة والمرافق واصلاحها كجناح الولادة، وجناح المستعجلات حاليا، والمرافق الصحية ...وهي أمور مشجعة، وتدل على حسن نوايا إدارة المستشفى، إلا أن كل هذه الاهتمامات لا تستجيب ولا تكفي ولا ترقى إلى حجم ومستوى ما هو مطلوب من المركز الاستشفائي الجهوي من خدمات لا يمكن الاستجابة لها إلا ادا أخذت وزارة الصحة بعين الاعتبار كل هذه الاكراهات، وخاصة الكبرى منها ، وعلى رأسها معضلة النقص المهول للموارد البشرية على جميع المستويات، وخاصة النقص في التخصصات، وهو ما يؤدي إلى تخصيص مواعيد الفحص لأزيد من سنة في بعض التخصصات أو الانتظار المكلف أمام قاعات الفحوصات، أما حين تختلط الاكراهات والمعيقات المادية منها والبشرية مع الاستهتار والاخلال بالوقار وبالاحترام للطبيب وللممرض وللإداري وللمعدات والمستلزمات الطبية (تخريب أسرة المرضى بالجلوس عليها من طرف الزوار، إلحاق الضرر بالأبواب وصنابير المياه .... عدم احترام أوقات الزيارة، تكرار الأساليب الشائنة، الحط بالكرامة من لدن بعض الوافدين على المستشفى وعدم الالتزام بالأخلاق الواجبة تجاه المرفق العمومي وموظفيه). كل هذه العوامل غالبا ما تؤدي إلى توترات وغليان إضافي لا مبرر له، ولا يؤدي ثمنه إلا المريض الذي تجب العناية به وتسليمه للطبيب في ظروف أفضل، لكن العكس هو الذي يطغى على ذلك ، وبالتالي تسوء العلاقة بين الأطراف جميعها، وتغيب أجواء التطبيب والعلاج. وإذا عدنا إلى الحديث عن السياسة الصحية الجهوية، فإن أكثر من علامة استفهام تفرض نفسها، مثل لماذا يظل المركز الاستشفائي الجهوي ببني ملال الملاذ الصحي الوحيد لكل مرضى الجهة والأقاليم المجاورة؟ حتى سمي ‹›بالكراج››وهو ما يجعله عاجزا عن استقبال الجميع وأحيانا يدخل في مرحلة شلل تام، وهو ما تحدثنا عنه سابقا... لتظل الأجوبة غير مقنعة، خاصة وأنها تروم «محاكمة» المنظومة الصحية والبرامج الارتجالية و غير الوجيهة للوزارة، كالنقص المهول والخطير في الموارد البشرية والتدبيرية، وكمثال على ذلك بالإقليم الصحي لبني ملال وخلال ال 4 سنوات الاخيرة ، عرفت تقاعد أزيد من 250 من أطر القطاع، من أطباء ، ممرضات وممرضين تقنيين وإداريين إلخ... منهم 38 خلال سنة 2014 ولا يتم تعويضهم بالعدد الموازي، بل الذي يفي حتى بنصف الحاجة خصوصا وأن المغادرين هم طبعا خبرات، وكفاءات تترك فراغا واضحا . فماذا أعدت الوزارة والمديرية الجهوي بتادلة أزيلال لمواجهة هذا الاشكال البنيوي الكبير؟ ومن جهة ثانية فالاعتماد على توسيع واعادة تهيئة أجنحة وأقسام المركز الاستشفائي الجهوي ببني ملال والذي أحدث في الخمسينيات وتمت برمجة الأشغال المذكورة لأزيد من 4 مرات من ذلك الحين ،لا يمكننا إلا أن نستحسن آخرها بآثارها الإيجابية الواضحة ، و بالرغم من ذلك أن تفك لغز مشروع المستشفى الجامعي بالمدينة خاصة، ومن كافة المؤشرات والدواعي تستلزم إخراجه إلى حيز الوجود، وفي حالة إذا ما تعذر ذلك فإغلاق المركز الاستشفائي الجهوي أفضل بكثير من إغراقه في وحل الاختلالات، وهي كالتالي على سبيل المثال لا الحصر: 1) القيام ب 56 ألف فحص متخصص سنويا (الحالات المسجلة فقط ) . 2) 80 أالف فحص عادي (الحالات المسجلة فقط) 3) 50ألف حالة استشفاء 4)أداء فاتورة المساعدة الصحية «راميد» والتي تصل إلى أزيد من 25 مليون درهم للشهر الواحد، بعدد أزيد من 150ألف مستفيد جلهم «لايحترمون» المسالك العلاجية ويلجون المركز الاستشفائي الجهوي بطرق «ضبابية»، وبالتالي يساهمون في الاكتظاظ وإضعاف قوة وصلاحية المعدات والتجهيزات ، وبالخصوص تلك المتواجدة بجناح ومعدات الراديو والفحص بالأشعة والتي غالبا ما تتعطل بسبب ذلك وبسبب تمركز شركات الصيانة بعيدا عن المدينة (هل يعقل أن يقوم جهاز «السكانير» بالمركز بأزيد من 35 فحصا خلال يوم واحد؟ ) أما قسم المستعجلات، وإن تراه يعج بالمتدربات والمتدربين من أطباء وممرضين، فإن غياب المداومة بالمراكز والمستشفيات المحلية والإقليمية بالجهة، يجعل منه قبلة لا محيد عنها ويبلغ عدد المرضى الذين يستقبلهم القسم أزيد من 30 في اليوم وغالبا ما يكون عدد مرافقيهم أضعافا مضاعفة؟ أما معاناة جناح الولادة بالمركز فالوافدات من النساء الحوامل أكثر بكثير من طاقته الاستيعابية وتلد به أزيد من 30 امرأة حاملا خلال يوم واحد ، وهو العدد الذي يمكن تسجيله بمستشفى أو مركز محلي خلال شهر، ولابد أن نسجل بامتعاض شديد أننا توصلنا بشكايات عديدة تتحدث عن سوء المعاملة والتعنيف من طرف بعض المولدات، وهو عنف غير مقبول ولا يستساغ ،حسب ما ورد في العديد من الشكايات ، أمام كل صعاب العمل ورتابته غير المحفزة. وهنا تطرح الأسئلة من جديد: ما السر من عدم توفير كافة الحاجيات الضرورية بالمراكز والمستشفيات الاقليمية المحلية والتي غالبا ما تكون ذريعة لنقل النساء الحوامل إلى المركز الجهوي بدل الولادة بها وخاصة للأسباب التالية : الولادة للمرة الأولى، غياب طبيب مداوم، غياب جناح العناية المركزة ،غياب جناح بنك الدم ... وهي أسباب دائما حاضرة والمسؤولية قائمة.