يخلد العالم يوم الجمعة 17 أبريل الجاري فعاليات اليوم العالمي لمرض الهيموفيليا، وذلك بهدف تسليط الضوء على المرض غير المعروف لدى فئة عريضة من المواطنين، ونقل ما تعيشه هذه الفئة التي تعاني من نزيف الدم المتواصل، الداخلي منه والخارجي، الذي قد يؤدي إلى وفاة المريض دون أن يكون على علم لا هو ولا أسرته بإصابته بالمرض. مرضى الهيموفيليا يعاني ما بين 80 و85 في المئة منهم من النوع "أ" من المرض، في حين أن ما بين 15 و25 في المئة هم مصابون بالنوع «ب»، حوالي 60 في المئة يتمركزون بين محور الدارالبيضاء الرباط، فقط لأن إمكانية الولوج إلى المؤسسات الصحية تبقى "متوفرة"، قصد تحديد الإصابة بالمرض وتشخيصها خلافا لمواطنين - مرضى في مناطق نائية وبعيدة عن المدن الكبرى، الذين منهم من يفارق الحياة دون أن يكون على علم بمرضه ،شأنه في ذلك شأن محيطه الأسري، فكثير من الأطفال في هذا الصدد توفوا حين إجراء عمليات الإعذار نتيجة للنزيف، وهي الحالة التي قد يعيشها عدة أطفال في الأسرة الواحدة دون أن يكونوا على علم بالداء وتفاصيله، ووفقا للأرقام التي بذل فيها مجهود من طرف الفاعلين في المجتمع المدني يتبين أن الدارالبيضاء تحتضن 30 في المئة من المصابين، الرباط 29 في المئة، الجديدة 8 في المئة، مراكش 7.5 في المئة، أكادير 6 في المئة، فاس ووجدة 5 في المئة، الراشيدية 3.5 في المئة، العيون، طنجة وتطوان 2 في المئة. 35 في المئة من المرضى يتراوح سنهم ما بين 10 و 20 سنة، في حين يقدر عدد من استطاعوا الحياة والوصول إلى الفترة العمرية ما بين 40 و 50 سنة بنسبة 4 في المئة، بينما من تعدوها إلى الفترة العمرية ما بين 50 و60 سنة ، لاتتجاوز نسبتهم 2 في المئة ؟ مرض يمكن تشخيصه عند الطفل المصاب خلال الفترة العمرية ما بين 6 أشهر و 6 سنوات، علما بأن المعدل المتوسط هو 3 سنوات ونصف في الوضع الطبيعي حيث توجد مؤسسات صحية يمكن للمريض ولوجها والاستفادة من خدماتها، وتظهر حالات النزيف الأولى عندما يقوم الرضيع بالحبو وذلك على مستوى المفاصل، أو يتم اكتشاف الأمر بشكل جلي عند خضوعه لعملية الختان، وهي اللحظات التي تنطلق معها تفاصيل حياة عنوانها الألم، خاصة بالنسبة للمعوزين منهم والمحرومين من تغطية صحية، في ظل تقاعس وزارة الصحة عن التعامل مع هذه الفئة من المواطنين بشكل جدي وإيجابي، ليبقى التحدي مطروحا على جمعيات المجتمع المدني التي تحاول سدّ الخصاص وأن تقوم مقام المؤسسات الوصية ، لكن إلى أي مدى؟ الدكتور عزالدين محسن العلوي، أخصائي في أمراض الدم %30 من مرضى الهيموفيليا مصابون بالتهاب الكبد الفيروسي وأغلبهم محكوم بالإعاقة
{ كيف هي وضعية الهيموفيليا في المغرب؟ بداية أود أن أوضح أن هذا المرض هو داء وراثي يصيب الذكور مع وجود حالات للإصابة في صفوف الإناث اللواتي منهن من هنّ حاملات للمرض لارتباط الخلل بالجينات ،وتحديدا الجين إكس الذي يحدد جنس المولود. وبخصوص وضعية المرض ، فعالميا ووفقا لأرقام منظمة الصحة العالمية نكون أمام حالة واحدة لمريض بالهيموفيليا في كل 5 آلاف ولادة للذكور، وانطلاقا من هذا المعدل فإننا نكون في المغرب أمام حوالي 3 آلاف حالة لمرضى بالهيموفيليا، لكن لحد الساعة هناك حوالي 1100 شخص مريض فقط الذين شملهم الإحصاء، في حين أن فئة عريضة من المرضى هم مجهولون، وهذا ناتج عن كونهم يعيشون بعيدا عن المؤسسات الصحية محرومين من الولوج إلى العلاج، وقد يتوفى الكثيرون منهم دون أن يكونوا على اطلاع بإصابتهم بالمرض. { هل نحن أمام نوع واحد من المرض أم عدة أنواع؟ هناك نوعان من الهيموفيليا يحددهما عامل تخثر الدم الذي يعاني الخصاص، 8 أو 9، وجدير بالذكر أنه ولتجليط الدم هناك عوامل متعددة للتخثر التي تنتج الفيبرين وهي مادة بروتينية ليفية بيضاء، فعندما يقع النزيف وينساب الدم من منطقة مجروحة، تتحد جزيئات مولد الليفين، لتكون أليافا طويلة من الليفين، وتصنع هذه الألياف ما يشبه الشبكة التي تغطي بها منطقة الجرح، مما يجعل خلايا الدم الحمراء تتجمع في داخل الشبكة مساهمة في تكوين الجلطة الدموية، وهو ما يتعذر إذا ماكان هناك خلل في أحد عوامل التخثر كما هو الشأن بالنسبة للهيموفيليا، وتحديدا بالنسبة لعامل التخثر 8 الذي يعطينا النوع "أ" من المرض وهو الأكثر انتشارا ، إذ ينتشر بين نسبة حوالي 85 في المئة من المرضى، أو عامل تخثر الدم 9 الذي يؤدي إلى الإصابة بالنوع "ب" الذي تصل نسبة المصابين به إلى ما بين 10 و 15 في المئة. { ما هو الفرق بينهما؟ الفرق يكمن في العامل وفي درجة الخطورة، فالنوع "ب" هو أقل حدة من عامل التخثر "أ"، ويعيش العامل "ب" مدة أكبر بمعدل 12 ساعة مقارنة بالنوع "أ" الذي لاتتجاوز فعاليته 8 ساعات. وهنا أود التوضيح على أن داخل كل نوع منهما، هناك 3 أنماط من الهيموفيليا انطلاقا من عدد العامل عند كل شخص على حدة، فإذا كان اقل من 1 في المئة نكون أمام حالة حادة، وبالتالي يمكن للمريض أن يصاب بنزيف دون التعرض لإصابة أو جرح. أما إذا كان العدد يتراوح ما بين 1 و 5 في المئة فإننا نكون أمام حالة متوسطة للهيموفيليا، لايتعرض صاحبها للنزيف إلا حين إصابته، في حين أن من له أكثر من 5 في المئة من العامل، فهو يصنف ضمن من يعانون من حالة خفيفة، وهذه الفئة قد لا يقع عندها النزيف إلا حين الخضوع لتدخل جراحي. { متى يتم اكتشاف المرض؟ + يتم اكتشاف المرض عند الأطفال المصابين بالهيموفيليا بنسبة 25 في المئة حين إجراء عملية الختان، بينما الحالات الأخرى تظهر ملامحها عند بداية تحرك الطفل ومشيه، إذ تظهر زرقة في عدد من مناطق الجسم، كما يمكن أن يحدث النزيف عند التعرض لحادث إصابة منزلية أو غيرها. والنزيف نوعان خارجي وداخلي، وهذا الأخير أخطرهما، وفي أكثر الأحيان يكون النزيف عبارة عن سيلان في المفصل، وخاصة في المفاصل التي تحمل الجسم كما هو الحال بالنسبة للركبة ،إضافة إلى مفاصل أخرى كالكاحل، المرفق، المعصم، وتكمن الخطورة في بقاء الدم الذي من مكوناته الحديد في المفصل فيحدث تآكلا في العظم إلى أن تلتقي العظام وتحتك فيما بينها، لهذا نجد أن أغلب مرضى الهيموفيليا في المغرب هم مصابون بإعاقات حركية، خلافا لما يقع في دول أخرى التي تقوم بعدة مبادرات للحيلولة دون تعرض المريض للنزيف. أخذا بعين الاعتبار كذلك أن سيلان الدم يمكن أن يقع في العضلات، بل وبشكل كبير قد يؤدي إلى الوفاة نتيجة للنزيف الداخلي. { هل يحظى المرضى بالاهتمام المطلوب؟ + إن الطفل المريض بالهيموفيليا يجد نفسه أمام صعوبات شتى، فهو قد يفارق الحياة في سن مبكرة، وإن هو عاش وفي ظل غياب رعاية صحية يمكن أن ينقطع عن التمدرس، مما يعني بأنه لن يكون بمقدوره العمل، وبالتالي حرمانه من تغطية صحية، خاصة إذا ما انحدر من أسرة معوزة، عوامل مجتمعة تجعل مستقبله غامضا مع مرض له تداعيات لاتنتهي. في المغرب وفي وقت سابق، كان عدد كبير من الأطباء يفضلون عدم التعامل مع مرضى الهيموفيليا لأن التعاطي مع وضعهم الصحي يفرض توفير عامل تخثر الدم الذي لم يكن متوفرا بالشكل المطلوب فضلا عن كلفته الباهظة، فكان يتم اللجوء إلى كميات كبيرة من البلازما مع ما يعنيه ذلك من مخاطر التعرض للعدوى، وهنا يجب أن نعلم أن 30 في المئة من المرضى مصابون بالتهاب الكبد الفيروسي علما بأن الرقم لايتجاوز 0.5 في المئة بالنسبة لكل فئات المواطنين. بعد ذلك بدأ مركز تحاقن الدم يرسل البلازما إلى فرنسا لاستخراج العديد من المشتقات ومن بينها عوامل التخثر التي تباع للمغرب الذي يقوم ببيعها بدوره للمرضى، ووحدهم المرضى وذووهم الذين لهم الإمكانيات المادية أو يتوفرون على تغطية صحية من كانوا يقتنون الدواء. وفي عهد وزارة الصحة السابقة وبتنسيق مع الفيدرالية الدولية للهيموفيليا، والجمعية الفرنسية للمصابين بالهيموفيليا، تم القيام بمجهود كبير، وذلك بتنسيق مع الجمعية المغربية للمصابين بالهيموفيليا، هذه الجمعية التي قامت بخطوات كبيرة في وقت سابق لكن لم يكن بإمكانها الاستمرار في اقتناء عوامل تخثر الدم لكلفتها الباهظة والتي لم يكن بالإمكان توفيرها لكل المرضى. فتم إعداد مخطط وطني منذ حوالي 5 بهدف مواجهة الهيموفيليا والتكفل بالمرضى مع تكوين المهنيين في هذا الصدد، فتم افتتاح 12 مركزا متخصصا في التعامل مع المصابين بهذا المرض، مع إحداث مراكز مرجعية في كل المراكز الاستشفائية الجامعية، في حين انصب المحور الثالث في البرنامج الوطني على توفير الأدوية للمرضى المعوزين ممن ليست لهم إمكانية مادية وتغطية اجتماعية. كل هذه الخطوات جعلتنا ننتقل من مرحلة الجمود التام وتجاهل المرض والمرضى وعدم استحضارهم، إلى مرحلة تميزت بالانتعاش وبانفتاح باب الأمل والإيمان بغد أفضل، لكن للأسف سرعان ما انقلبت الأمور رأسا على عقب مع الوزير الحالي وكأن شيئا لم يقع، وكأن خطوة لم تتم في درب الاهتمام بالمرض والمرضى! { ماهي انعكاسات هذا التقهقر؟ ما وقع له تداعيات متعددة على المرضى المعوزين وأسرهم، الذين هم يفتقدون للدواء الذي لم تقم وزارة الصحة الحالية باقتنائه علما بأن الدول المتقدمة اليوم تتعامل بالدواء المصنع الذي ينطوي على مخاطر اقل مقارنة بعامل التخثر المصنع من البلازما، وفي الوقت الذي وصلنا إلى تحقيق مؤشرات جيدة عن المرض والتعامل مع المرضى تقهقرنا مما أثر على موقف الفيدرالية الدولية التي كان المغرب على درب أن يحظى بتوأمة معها تعود بالنفع على المرضى المغاربة لكن كل شيء توقف، ولولا الدواء الذي تتبرع به لفائدة الجمعية المغربية لكان عدد من المرضى في عداد الموتى. لقد مكنت السنوات السابقة التي تم خلالها القيام بمجهود كبير للتعامل مع المرض والمرضى من تحقيق عدة مكتسبات ساهمت في الرفع من أمد الحياة بالنسبة لعدد من مرضى الهيموفيليا، وهو مؤشر جد إيجابي، لكن وبكل أسف ونحن في الوضع الحالي، فإننا اليوم في المغرب لا نتعامل إلا مع الحالات الاستعجالية فقط ولانسعى لمعالجة الإشكالية واتخاذ سبل الوقاية، فالطفل الذي يتعرض لحالتين للنزيف أو ثلاث في سن مبكرة، هو مؤشر على أنه سيكون عرضة لضرر أكبر من نتائجه الإصابة بإعاقة، والحال أنه في الدول المتقدمة يتم التدخل أسبوعيا من خلال حقن مثل هذه الحالات بعامل التخثر كخطوة وقائية لتحصين المريض من تداعيات المرض مستقبلا، وهو ما يجعل منه عنصرا منتجا وليس عالة على المجتمع.