كيف هي وضعية التوحد اليوم؟ منذ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 139/62 في يناير 2008 والقاضي بإعلان 2 أبريل كيوم عالمي للتوعية بالتوحد، تضافرت جهود الدول الأعضاء والمنظمات غير الحكومية للعمل على طرح هذه الإعاقة الغريبة الأطوار على مستجدات القضايا الوطنية المستعجلة، باعتبارها تهمّ صحة فئة عريضة من المواطنين وتزحف كل سنة بدرجة نمو جد سريع تتراوح ما بين 15و17% سنويا، مسجلة بذلك أكثر الإعاقات انتشارا في العالم، إذ تقدر نسبة الإصابة ،حسب جميع الإحصائيات الدولية، بحوالي واحد من كل مئة ولادة (1/100). ومنذ سنة 2008 دأبت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إصدار بيانات مهمة بمناسبة اليوم العالمي للتوحد ، تحث جميعها الدول الأعضاء على المساهمة الفعالة في مزيد من نشر الوعي والعمل على خلق برامج متطورة تهدف بالأساس إلى تطوير وتفعيل السياسات والإستراتيجيات والقوانين الكفيلة بالاستجابة لاحتياجات الأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد، مع ضرورة الاعتماد على المعطيات الواقعية والتجارب الناجحة على الصعيد الدولي. وتعتبر رسالة الأمين العام بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد الصادرة بثاني أبريل 2012 بمثابة دق ناقوس الخطر، بحيث ركزت على أن التوحد مرض لا يقتصر على منطقة دون أخرى ولا على بلد دون آخر، بل هو تحدٍّ عالمي يتطلب إجراء عالمياً. هذه الإعاقة الغريبة الأطوار هي في تزايد مستمر، إذ بدأنا نسمع عن إحصائيات تتحدث عن تسجيل حالة إصابة واحدة باضطراب طيف التوحد من بين كل سبعين ولادة كما هو الشأن بالنسبة للدول الاسكندنافية، في حين أن هذا المعدل يصل في المغرب إلى حالة واحدة من بين كل 80 ولادة جديدة، أي ما يعادل 350 ألف حالة إصابة بالتوحد، مما يستلزم تدخل واهتمام الدولة أكثر والمجتمع المدني، خاصة الجمعيات العاملة في الميدان. ما الذي تحقق في المغرب بعد انعقاد المؤتمر العالمي الأول للتوحد ؟ بالنسبة للمغرب ، فبعد مرور سنة على تنظيم المؤتمر العالمي الأول للتوحد بالرباط لايزال الأمر يراوح مكانة خاصة بالنسبة لمجالي الصحة والتعليم، فالبرنامج الوطني الخاص بفئة التوحد الذي وعدنا به وزير الصحة منذ سنة لم ير النور بعد في الوقت الذي لاتزال معاناة المرضى وأسرهم متواصلة، علما بأنه على المستوى التعليمي مازلنا كذلك نتحدث عن المقاربة الطبية، والحال أن اللجان الجهوية تبدأ عملها منذ أبريل إلى بداية الموسم لتقرر في الأخير عدم قابلية الطفل التوحدي للتعليم، ضاربة بعرض الحائط الحق في التعليم والتمدرس اللذين يكفلهما له الدستور المغربي، والاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، وبرتوكولها الاختياري الذي صادق عليه المغرب منذ أبريل 2009. ما هي الوسيلة الناجعة ، في نظركم، لتمكين التوحديين من مستقبل أفضل؟ إن النظرة الحقوقية التي تنبثق من مقاربة الحق، هي أفضل طريقة لتمتيع الأشخاص التوحديين بحقوقهم، فالحق في التعليم ثابت والدولة هي المسؤولة عن إعداد الأطر المؤهلة وتهيئ البرامج وإعمال الوسائل التيسيرية المعقولة لهذه الفئة ولنا في التجربة التونسية خير مثال. ماهي أبرز عناوين الاحتفال بحملة التوحد لهذه السنة؟ ركزت الاحتفالات باليوم العالمي للتوحد هذه السنة بالمغرب على شعار مهم وهو " أنا مختلف مثلك"، وذلك من أجل التحسيس وتسليط الضوء وإذكاء الوعي بهذا الاختلاف التنوعي والطبيعي في البيئة البشرية، وبتنسيق مع التحالف الوطني للجمعيات العاملة بالتوحد تمحور تخليد هذا الحدث الذي انطلقت تفاصيله يوم الخميس الفارط 2 أبريل ، حول إطلاق الأنوار الزرقاء في إشارة إلى اللون العالمي للتوحد بعدة مدن مغربية في اليوم العالمي للتوحد ليلا ومنها عمالة مقاطعات الحي المحمدي عين السبع، وذلك بمقر مقاطعة الحي المحمدي، إضافة إلى استقبال الدرّاج المتطوع "فيصل الفيلالي" الذي يقوم بطواف للدراجات على صعيد المغرب انطلاقا من مدينة وجدة مرورا بعدة مدن مغربية للتعريف بإعاقة التوحد، وكذا عرض ومناقشة فيلم وثائقي حول آليات تعليم أطفال التوحد والبرامج الهادفة بحضور مخرجته "صوفيا روبير"، ثم تنظيم حفل فني وثقافي لصالح هؤلاء الأطفال. ما هو تقييمكم لمشروع قانون الإطار 97/13؟ إن مشروع قانون الإطار 97/13 للنهوض بالأشخاص في وضعية إعاقة المعروض الآن أمام البرلمان بغرفتيه ، جاء مخيبا للآمال، وقد انتقدته بشدة مؤسستان وطنيتان هامتان هما المجلس الاقتصادي الاجتماعي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، عبر مذكرتين استشاريتين بعد أن عرضته عليهما غرفة المستشارين لإبداء الرأي. وفي حالة إذا لم يتم الأخذ بعين الاعتبار رأي الجمعيات العاملة في الميدان وتعديلاتها المقترحة، فإن المصادقة عليه بنصه وشكله الحالي ستكون تراجعا عن المكتسبات الدستورية، وكذلك عن الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادق عليها المغرب وبرتوكولها الاختياري. إن العزاء الوحيد المتبقي للأطفال التوحديين وأسرهم هو الأمل في غد نتمنى أن يكون مشرقا يسع كل الأطفال رغم اختلافاتهم وتبايناتهم ،فعدم التميز مبدأ يسع الجميع. تعتري تشخيص التوحد عدة اختلالات ، ماهي اقتراحاتكم في هذا الصدد؟ نظرا لغياب الضوابط التشخيصية، فإن الباب فتح على مصراعيه لعدة جمعيات أجنبية، منها من تدعي القيام بالعمل الإنساني، لكنها بالمقابل تقوم بعمليات تشخيصية في ميدان التوحد بمبالغ مالية تفوق بكثير الدخل الشهري للأغلبية الساحقة من الأسر المغربية التي تكتشف فيما بعد أن هذه التشخيصات فارغة المحتوى والمضمون ولا ترقى إلى المستوى المطلوب. إن ما ندعو إليه كجمعية إدماج للتوحد ، هو أن يتم وضع ضوابط وآليات لعملية التشخيص وللقائمين عليها، حيث تشمل تلك الضوابط الاعتماد على فريق متعدد التخصصات والذي يتكون من طبيب الأطفال، والأخصائي النفسي التربوي والإكلينيكي، وأخصائي النطق واللغة، وأخصائي العلاج الوظيفي، وأخصائي التربية الخاصة، وضوابط فنية تشمل آليات وخطوات التشخيص حتى نصل بالطفل والأسرة إلى تشخيص دقيق يسهم في وضع البرنامج التعليمي المناسب للطفل ، وبالتالي تقدمه وتطوره. وفي هذا الجانب، فإن مسؤولية وزارة الصحة حاضرة بكل قوة من أجل إيجاد الحلول المناسبة لوضع آليات التشخيص المتعارف عليها دوليا من طرف منظمة الصحة العالمية والمراكز الدولية الرائدة في رعاية ذوي الإحتياجات الخاصة. ما هي أبرز مؤاخذاتكم ومطالبكم كجمعية عاملة في مجال التوحد؟ إن جمعية إدماج للتوحد تعلن عن استيائها العميق حيال الصمت والتجاهل من طرف قطاع الصحة لعدم القيام بالإجراءات الضرورية لإسعاف الأشخاص المصابين بالتوحد، وعدم اتخاذ التدابير اللازمة للكشف المبكر والتشخيص الدقيق الهادف إلى تقديم الخدمات المناسبة، وعدم وضع برامج تعليمية من أجل انقاذ أكبر عدد ممكن من الأطفال من الضياع والمصير المجهول. تؤكد على أن المغرب وكباقي الدول ، يوجد به عدد كبير من الأشخاص المصابين بهذه الإعاقة الذين يعيشون في ظروف صعبة للغاية تتسبب في كثير من التصدعات العائلية والمشاكل المترتبة عنها، كالمعاناة النفسية والأفق المظلم، والتكاليف المادية المرتفعة لرعاية الشخص المصاب بدون أية إعانة من الدولة والمجتمع. تشدد على أن الخدمات الاجتماعية هي حق لجميع أفراد المجتمع، وبالتالي يجب أن تشمل هذه الفئة من المواطنين على قدم المساواة مع ما يحظى به المواطن العادي من حقوق متمثلة في الصحة والتعليم والعيش الكريم ،كما نصت على ذلك التشريعات الدينية والقانونية والاجتماعية والأخلاقية. تناشد السلطات الحكومية باعتبارها مسؤولة عن صحة المواطنين بتبني إعاقة التوحد كقضية وطنية تستلزم وضع برنامج وطني يأخذ بعين الاعتبار ناقوس الخطر الذي ما فتئت تدقه الجمعيات المنضوية تحت لواء تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، من أجل النهوض بوسائل الرعاية الشاملة التي تتطلب وقفة حازمة ودراسة معمقة وخطوات جريئة لجميع القطاعات الحكومية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، وتدارك الفرص الضائعة لبلورة برنامج وطني طموح يوفر خدمات متميزة ورائدة على غرار باقي الدول العربية التي قطعت أشواطا كبيرة لرعاية الأشخاص المصابين بإعاقة التوحد. تلح الجمعية كذلك على ضرورة تحسين صورة الشخص المصاب بإعاقة التوحد وإعادة الاعتبار إليه من خلال دعمه ودعم أسرته ومساندته، والعمل على دعم التمدرس والتكوين والاندماج في مختلف مجالات الحياة العامة، وذلك على أرض الواقع وليس الاقتصار على ما يدبّج في الاتفاقيات والمذكرات التي لا يرى عدد كبير منها النور عمليا، والاستفادة من مشروع التنمية البشرية على قدم المساواة مع باقي أفراد المجتمع تكريسا لمبدأ تساوي الفرص.