أساتذة اللغة الأمازيغية يضربون ضد تهميش "تيفيناغ" بالمدارس العمومية    رغم قرار "العدل الأوروبية".. بروكسل ومدريد تتعهدان بحماية مصالح المغرب    إسرائيل تصعد عدوانها على لبنان قبل اتفاق محتمل لوقف النار    دراسة: سوق العمل في ألمانيا يحتاج إلى المزيد من المهاجرين    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    النظام العسكري الجزائري أصبح يشكل خطرا على منطقة شمال إفريقيا    ارتفاع إنتاج الطاقة الكهربائية الوطني بنسبة 2,4 في المائة عند متم شتنبر الماضي    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»    الاعتداء على مدير مستشفى سانية الرمل بالسلاح الأبيض    بينهم آيت منا وأحمد أحمد.. المحكمة تؤجل البت في طلبات استدعاء شخصيات بارزة في قضية "إسكوبار الصحراء"        الجواهري: مخاطر تهدد الاستقرار المالي لإفريقيا.. وكبح التضخم إنجاز تاريخي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    المغرب التطواني يندد ب"الإساءة" إلى اتحاد طنجة بعد مباراة الديربي    النقابة الوطنية للإعلام والصحافة … يستنكر بشدة مخطط الإجهاز والترامي على قطاع الصحافة الرياضية    "بين الحكمة" تضع الضوء على ظاهرة العنف الرقمي ضد النساء    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    العائلة الملكية المغربية في إطلالة جديدة من باريس: لحظات تجمع بين الأناقة والدفء العائلي    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توقيف ستة أشخاص في قضية تتعلق بالضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض ببن جرير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"        برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة        القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    عبد اللطيف حموشي يبحث مع المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية التعاون الأمني المشترك    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    اندلاع حريق ضخم في موقع تجارب إطلاق صواريخ فضائية باليابان    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    صقر الصحراء.. طائرة مغربية بدون طيار تعيد رسم ملامح الصناعة الدفاعية الوطنية    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسألوا ليلى ريجيس دوبري :الأخوة، معناها رفض القدرية البيولوجية *
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 03 - 04 - 2015

لقد فضل ريجيس دوبري دائما،الواقع على النصوص،من جوزيف كونراد إلى إيمانويل كانط. غير معتقد دينيا،لكن يسحره اسم الله.انكب على مهمة تأمل،مايفلت عن العقل الفطن. من انخراطه الثوري في أمريكا اللاتينية،إلى إعادة اكتشافه للحدود. مسيرة رجل،لا يمكنك أبدا أن تجده، حيث تعتقده مقيم.
يقول دوبري :((أنا لست فيلسوفا منذ عهد بعيد،بل كاتب.بهذا المعنى،لاينفصل لدي،العمل حول شكل وكذا إعداد الأفكار.هذا يستبعد،الحوار حول موضوعات العمق،باستثناء معاودة كتابتها ثانية. بالتالي، ما فائدة إجراء حوار، إذن؟ أيضا، ينبغي أن تأخذوا بعين الاعتبار،بأنه ليس لدي أية رسالة أود تمريرها،أو نظرية أتوخى بثها،وجماعة المثقفين الفرنسيين، إما يصيبونني بالضجر أو يثيرون ضحكي. باختصار،أنا زبون سيئ)).هكذا،جاء جوابه حينما اقترحنا عليه إجراء هذا الحوار،كما هو بين أياديكم الآن.
«زبون سيئ «؟مع ذلك،هو أحد الفلاسفة الفرنسيين،الأكثر إنصاتا لهم.ذاك،من ترك مقاعد المدرسة العليا للأساتذة في سن العشرين،ملتحقا ب تشي غيفارا،كي يستنشق هواء الثورة،فكان اعتقاله لأربع سنوات.عاشر، سلفادور أليندي، بابلو نيرودا،ورفيق درب فرانسوا ميتران وروبير بادينتي. جسد، فكرة الجمهورية إلى جانب جان بيير شوفينمان. استشرف، قبل الآخرين عودة الديني،فأظهر وظيفته المركزية في دستور التجمعات السياسية،ثم الوحيد من بين جماعة المثقفين،الذي امتلك شجاعة الكتابة حول النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني،فتستمع إليه الأطراف المتجابهة.
أخيرا، دوبري مؤسس مبحث جديد اسمه الميديولوجيا la médiologie،الذي وضح ارتباط اعتقاداتنا وكذا كيفيات تنظيمنا الجماعي،قياسا إلى تقنيات التواصل. مع لحظة الثورة الرقمية،سنستوعب في نهاية المطاف كل حمولة هاته العلاقة... .
لا، بعيدا على أن يكون زبونا سيئا،يعتبر دوبري بالأحرى،عقلا مناقضا:((شخص يعمل دائما على الميل بكفة ميزانه إلى الجهة الثانية،حيث يستكين، ليس من أجل الإثارة،بل كي يحافظ على التوازن)).فاعل في الثورة،لما كان الآخرون يفلسفون للدوغما الثورية.مستشار للرئيس،خلال لحظة مناهضته للتوتاليتارية. جمهوري، مهووس بالتسامي، حينما يقسم الآخرون،فقط بالمساواة الديمقراطية. ثم ملاحق للحدود- ترياق ضد الجدران-لما يعتقد أيضا الآخرون،استحالة تجاوزها.
حول الوحدة البيوغرافية والفلسفية لمساره ذاك،توخينا محاورته. هذا سبب استجابته،مع دقة لازالت تميزه: يريد أولا الإجابة كتابة،ثم إبان نقاش دام أكثر من ثلاث ساعات،هاهي بعض الشذرات ،من تماسك تمت استعادته ثانية.
{ مع أنكم قمتم بدراسات فلسفية وطورتم تساؤلا فلسفيا،حول السياسي والديني ثم الصورة إلخ،فإنكم تبعدون عنكم لقب فيلسوف.كيف تعرفون شخصيتكم؟
مثل كاتب. إنه محايد وفي موقع وسط. أنا لست بباحث،فلا أرتدي وزرة بيضاء،كما أن الميديولوجيا(الاهتمام بالميديا)،لاتبتغي أن تكون علما. أما،صفة فنان، فسيكون الأمر ادعاء.لذلك أدقق،أنا كاتب-عارض. لقد احتجت بخصوص الإلهي والمقدس،كي أفهم وأُنقل مافهمته،إلى صور وبيانات وخرائط أو رسوم إعدادية.في المعتاد،نعثر على مفتاح،ثم بعد ذلك،نموضع العالم داخل قفل.أنا، حاولت القيام، بالعكس،القفل أولا، ثم المفتاح بعده.خلال الذهاب والإياب، بين اختبار شخصي- انتقاد الأسلحة،السياسي، التحول- ثم تطور أطروحة، فالصحيح ما احتفظت به التجربة أو الذاكرة. يعثر له الخطاب على شكل، واضح وجلي،إذا أمكن.تساعد الفلسفة على التبسيط،والتسامح مع التناقض ،وليس كما يقول ستراوس:((الخلط بين تقدم المعرفة مع تعقد أبنية العقل)).تعلمت ذلك، من أساتذتي القدامى ك : موغليوني، ألتوسير وداغوني،وأشكرهم بهذه المناسبة.وجهة جيدة،فقد قادني ذلك،نحو إعطاء كتبي حول الميديولوجيا هندسة مبنينة قليلا،مع لوحات كرونولوجية ومعاجم وتعريفات للعبارات،ضد الانطباعية والتجريبية،إلى أبعد حد.أما، عن كوني فيلسوف؟فسيرتي العلمي حسب الأصول المتوخاة (شهادة التبريز،دكتوراه الدولة،إلخ...)،بيد أنه قد مرت الآن عشرون سنة،لم أفتح خلالها كتابا فلسفيا.لنقل إذن :فيلسوف سابق.
{ ماهي مؤاخذاتكم على الفلسفة؟
انكباب بالمطلق،على المعارف المستقاة من الكتب.ستكتب مؤلفات، حول أخرى،تعلق بدورها على مؤلفات غيرها،مجرد رشْح داخل مجال مغلق وتقديس أعمى للنص.نفوري،يعود كثيرا إلى تمركز آنوي مفرط ، ساد باريس فترة شبابي.كل شيء، كان لغة : اللاوعي،الإشهار،الجسد،المجتمعي.السيميولوجيا في كل مكان،بالتالي، لامرجعية قط. تنظير قاطع، لكنه غير مطلع كثيرا. هذا، يعوز بشكل مهول علم الحيوان والاتنولوجيا،من هنا الرغبة، كي أذهب لرؤية ماهو أبعد.حاليا،لا أتمثل الواقع انطلاقا من نصوص كنسية ،بل النصوص قياسا للواقع.إذا نجح الأمر،وتوافق مع ملاحظاتي،فذلك جيد،يحتم علي أخذه بعين الاعتبار.أستفيد من أوغست كونت،في حين كانط، لا يفيدني في شيء، جماليته غريبة.لقد توجهت،نحو مؤرخين وجغرافيين ودبلوماسيين وعسكريين وكذا المختصين في عهود ماقبل التاريخ ثم الإثنوغرافيين . هؤلاء،من يشتغلون حقا على الدليل،دون أن ننسى الروائيين الحقيقيين،الذين لايمتدحون لغة زائفة ،مثل جوزيف
كونراد و ديستويفسكي وسيزار بافيز وجوليان غراك وكلود سيمون...،إنها الأنتروبولوجيا في حالتها العذراء،هي أقل طموحا لكن أكثر نفاذا، وضع يزعج.أتذكر، سجالا بين مينون Ménon وسقراط،فآثرت الأبله مثلما جسده مينون.أبحث، عن أمثلة مادية للفضيلة،تخول للعقول المتفوقة،التعهد بتعليم ماهية الفضيلة ،في ذاتها.ينبغي، أن تعرف كيف تتموضع، في مكانه.
{ سنة 1960بينما كان رفاقك في المدرسة العليا للأساتذة،ينّظّرون للثورة،اخترتم أنتم الرحيل نحو أمريكا اللاتينية،كيف حدث الأمر؟
لا أحد بمقدرته القفز فوق زمانه وحقبته: حرب الفيتنام، «عصر الأنوار» للكاتب الكوبي أليغو كاربونتي ،حرب إسبانيا من خلال فيلم فريدريك روسيف»الموت في مدريد»،تراجع المسلك الأناني للأنتلجنسيا الفرنسية،إلخ،ثم أيضا كان هناك التحريض الماركسي:((لايتعلق الأمر بتأويل العالم، لكن بتغييره)) ،مما يحتم الانتقال من موقع الملاحظ إلى الفاعل.
{ عمليا هذا يقدم ماذا؟
نوادر،فغداة عملية إنزال ،لمعارضي كاسترو،فوق خليج الخنازير، سنة1961 .توجهت صحبة برنار كوشنير،صوب سفارة كوبا،يحكمنا هاجس :الانضمام إلى صفوف ألوية جديدة.السفير،وهو عازف بيانو،تفاجأ قليلا،ثم أخبرنا بمايلي:((ارجعا غدا، سنرى ماذا يمكننا فعله)). خلال اليوم التالي،لم يحدث الاجتياح، فقد تمكن الكوبيون من التصدي له.هكذا، قرر كوشنر،البقاء في فرنسا،بينما اخترت أنا الذهاب.شهران فيما بعد،وصلت الولايات المتحدة الأمريكية،لم تكن لدي نقود،أذكر التاريخ،كان الرابع من شهر يونيو،الذي يصادف عيدا وطنيا.توجهت إلى ميامي،مجانا باستيقاف صاحب سيارة على الطريق العامة،بحيث امتطيت آخر طائرة متوجهة إلى هافانا يوم 4يونيو1961 .هناك، التقيت حشدا من جنسيات تنتمي إلى غواتيمالا وفنزويلا والأرجنتين،أي كل الناجين وكذا ثوار القارة.بعد مرور ستة أشهر،قلت مع نفسي ينبغي العودة إلى فرنسا والالتحاق ثانية بالمدرسة العليا،ولأنني كنت قد غادرتها بغير ترخيص،فقد عوقبت،بتوبيخ دون أن يتم طردي،نتيجة إجلال قديم ،مرده كوني حصلت على المرتبة الأولى،خلال امتحان الدخول،ثم بفضل مساندة جون هيبوليت الذي كان وقتها مديرا للمدرسة.مكثت في باريس حتى سنة 1963،حتى عاودت ثانية الذهاب لفترة عام ونصف،مرتديا قبعة مزدوجة : مبعوث من طرف مجلة «الأزمنة الحديثة» لسارتر،وكذا مجلة أخرى هي «ثورة»، التي كان يشرف عليها جاك فيرجيس.اكتشفت،بأن الماوية،لم يكن لها من معنى في أمريكا اللاتينية، وحدها حرب العصابات،بالطريقة التي يقودها كاسترو،كان لها مستقبلا. مانسميه،بخلق بؤر ثورية. لقد قضيت ثمانية عشر شهرا، بين فنزويلا والبرازيل مع تمرين صغير في سجن بالبيرو.لحسن الحظ،تمكن مديروكالة الصحافة الفرنسية،وهو صديق لأبي،من إطلاق سراحي.كل شيء،كان تواليا لصدف ولقاءات، هيأتها العقيدة الثورية،أو نوع من الأخوية القائمة على الثقة.
{ في خضم كل هذا حصلتم على شهادة التبريز في الفلسفة؟
بل كنت من بين الأوائل،لم أكرس كثيرا من الوقت للتحضير،ما آزرني بخصوص الفكرة، أن الفلسفة لم تكن شيئا جادا جدا، وبوسعنا أن ننتهي معها إلى تأرجح ،بين مفهومين أو ثلاثة مفاهيم. هكذا،كتبت ملخصا،عن تجربتي في أمريكا اللاتينية، أصدره «سارتر» و»لانزمان»،في مجلة «الأزمنة الحديثة». عنوان النص: الكاستروية،المسيرة الطويلة في أمريكا اللاتينية.كان، دقيقا بما يكفي.وقع بين يدي غيفارا، لحظة مروره من الجزائر،فنقله إلى فيديل كاسترو،الذي قال عنه:((لكن من ،هذا الفرنسي المحيط بكثير، مما يجري حولنا؟)). استدعاني، إلى مؤتمر القارات الثلاث،تحت يافطة خبير ثوري،التي لم تكن تنطبق علي . هنا وجدتني ثانية،مرتبطا بالمشاريع المتمردة خلال تلك الحقبة.اقتفيت خطى غيفارا،في أراضي بوليفيا سنة1967 ،اعتقلتني القوات الحكومية البوليفية، ثم صدر في حقي حكم بالسجن لمدة ثلاثين سنة.بعد انقضاء أربع سنوات،أطلق سراحي نتيجة تغير النظام البوليفي ثم بفضل حملة دولية.تجلت دوافعي، في انتشال ذاتي من بورجوازيتي التي ولدت بها،ثم فضول نحو العالم،وكذا اليقين بأن أوروبا تسير في طريق مسدود،وينبغي أن يتأتى لها سبيل اشتراكية، قابلة للحياة،خارج القوالب الصينية أو السوفياتية.
{ ماهو نمط العمل الذي قمتم به في أمريكا اللاتنية؟
أحرس، كي لا ألوث مجلة فلسفية رفيعة وجيدة،بحكايات صغيرة.بالتالي،من يهمهم الأمر،بوسعهم العودة دائما لقراءة،كتابي : «Loués soient nos seigneurs» والجزء الثاني، من كتابي الآخر : «حقبة، تعلم أن تعيش» ،الصادر لدى غاليمار.باختصار،يمكن إجمال الفكرة الأساس،في كون الفعل الذي يخلق الشروط الموضوعية لنجاحه،يجدر به تعلم استعمال الأسلحة والبازوكا،من هنا، ضرورة القيام بتدريب عسكري على تقنيات النضال السري.أنا،لم أستعمل متفجرات، وعملت فقط على استكشاف أراضي،كي أمهد للمواقع التي تمكن المقاتل ،من التوطد في القارة.
{ كاسترو ونظام كوبا،كيف نظرتم إليه؟
النظام الكوبي،لايهمني.لن تعثروا، ضمن ما كتبته خلال تلك الحقبة،عن اعتبارات تصب حول النظام الداخلي،بل، ولا ثناء. كان قاعدة خلفية، وليس نموذجا.جسد قلعة صغيرة،نقاتل انطلاقا منها النظام الإمبريالي المنتمي لشمال القارة الأمريكية ،الذي يدعم كل الديكتاتوريات العسكرية.كان كاسترو رجلا جذابا ومثقفا ومصغيا. اختلفنا، لكنه ظل مؤمنا، فيما يفعله.لقد تبلوت صداقتنا، على الرغبة في صنع الثورة، داخل
أمريكا اللاتينية،ثم نقطة إلى السطر.
{ وماذا عن تشي غيفارا؟
قطب مقابل لفيديل،هو ليس بصاحب مزاج حامي الطبع،بل، يتميز أكثر بشخصية انطوائية،شخص يبتعد ويرسم المسافات.
{ هل كان السجن اختبارا للحقيقة؟
لنقول،يمثل لحظة جوهرية للتأمل.لقد، كانت المحاكمة مهزلة.داخل الزنزانة،تنتشل نفسك من الدمية،ويكون لك الوقت الكافي، كي تلج إلى عمق الأشياء.دون الكتب السياسية التي كانت محظورة،فقد تمكنت من قراءة أشياء من نوع «كيشوت» ،و»التوراة».اكتشفت، بأني كنت فرنسيا،والثورة في جوهرها،ليست وطنا.أيضا، استحالة تجاوز الطبائع، بحيث أعتبر،لا يمكن أن يكون وطنيا،غير من هاجر.ثم إن حركة ليبرتادوريس، في أمريكا اللاتينية، مع ممثليها : بوليفار، سان مارتان، فرانسيسكو ميراندا والآخرين،تم اكتشافهم لاتنيا في باريس.هم مغتربون،بالمعنى القوي للمفهوم،أي غادروا محيطهم،تقول عنهم الكلمة الجميلة جدا لفيكتور سيغالين :((ينتظرك الجواني، في الخارجي)).فمن لايعرف الخارجي،يستحيل عليه معرفة الداخلي.لقد أدركت، بأنه في إطار الصراعات الوطنية المسماة تحريرية،يظل الملتحقون الأجانب ،أجساما غريبة كليا، من هنا شجبي الفطري،لتدخلاتنا الإستعمارية الجديدة أو المحافظين الجدد،من العراق إلى ليبيا.سينظر إلينا دائما،كغزاة ومحتلين.باختصار،لقد جعل مني السجن قياسا إلى السياق السياسي،ديغوليا منتميا إلى أقصى اليسار.أحب،الصور البلاغية التي تنعت الشيء بنقيضه.
{ لكن أيضا،أنتم مفكر يشتغل على مسألة انغلاق المجتمعات على ذاتها،والحدود...،من أجل فهم ماالذي يشغل مجتمعا على العموم،لقد وظفتم مفهوما ينتمي لحقل الرياضيات «اللا-اكتمال»،لكورت غوديل(1978 -1906) ،بماذا يتعلق الأمر؟
غوديل، لم يلهمني قط. بل ساعدني، على صياغة أفكاري، بطريقة أفضل .لقد دأبت طيلة سنوات على التفكير، وأنا أشاهد الأديرة مع قراءة الأساطير المؤسسة للحواضر،بأن أنفث دخانا حول ماسمي سابقا بالساحة الحمراء (كان ذلك محظورا) ،أو أكابد اليأس والملل داخل السجن،كي أستوعب لماذا،عندما يقوم انفتاح نحو الأعلى،يقابله انغلاق في الأدنى،ثم العكس صحيح،يتحصن الروحي. حينما، ترسم محيطا،أو تموضع نطاقا،سيكون لك معبدا(عند اليونان «temno») ،أو فضاء يتعذر، حينئذ انتهاكه بعقوبة الإعدام، في روما.لدي مئات الأمثلة الملموسة،التي بوسعي سردها عليكم،حيث يتمفصل تعيين الحدود،وكذا الارتفاع المفرط،ثم الانتماء ونقطة البؤرة.فيما بعد،اهتديت إلى نظريات غوديل،المعقدة جدا كما يعلم كل واحد،والتي أحتفظ بخصوصها على ملخصات،لكنها تقول شيئا، مثل :((لايمكننا تأسيس قضية «ب» ،توضح كثافة نظام «س» ،بحيث تنتمي «ب»إلى «س»)).بالتأكيد،المجتمع ليس نظاما منطقيا،لكنها صيغة بدت إلي،من طبيعة توضح العلاقة غير المتطابقة،وحتى نكون مختزلين، بين الحدود والمقدس.الاكتمال،هو استواء. نتناهى ،سواء في المكان والزمان.اللا-اكتمال، متعرج ،هذا يصل الخارجي بالداخلي،يلحم العمودي بالأفقي، الهنا بالهناك، ثم الغد أو المرة المقبلة، باليوم. نسق ثابت، لايتأسس على ذاته.الإتيقا،لاتنبني من خلال حد الإتيقا،ولا الفن في إطار حد الفن،بل تلزم دائما عمودية،ضمّ، أو مفهوم خارجي، على سطح الماثل.هذا النقص في الوجود،يشكل عاهة.لكنه منتج،بحيث يمنح القوة لمن هو أخمص القدم،الآكل لكل شيء،والحكم عليه كي يمشي مرفوع الهامة.ما يندرج تحت هذا المعنى،يحيل على ما يتجاوزه،مما يمنحه قيمته الحقيقية. إله، بطل مؤسس،فكرة تنظم، مجتمع بلا طبقات،ثم الإمام الثاني،إلخ.لايمكننا الحديث هنا عن نظرية،بل الأكثر ملاءمة،بديهة أو مبدأ.منطقيا،لايبرهن عليها،وإذا نظرتم إلى الوقائع التاريخية،فهي بديهياعملية.احذفوا،الإحالة غير القابلة للنقد،ثم يتشظى المجموع المتشكّل. لايمكن للاتحاد السوفياتي،الاستمرار مع إبطال صفة القداسة عن لينين.كما،يستحيل على الولايات المتحدة الأمريكية،البقاء لأمد بعيد،لو تسببت موجة تعديلية، في إسقاط لنكولن من قاعدة تمثاله، وأزالوا من عملة الدولار شعار:( in God we trust ) . يلتحم ،الدين التوراتي-الوطني والإله الكونفدرالي، هناك ستبطل القوى النابذة،حرب الأقليات والطبقات، مما يفسح المجال للمُربكة.إن فرنسا،حين تسمح بتبدد مقدسها الجمهوري،فإنها تتمزق إلى جماعات،تتغذى كل واحدة منها بمقدسات خاصة،بمساعدة قوانين تذكارية.يستكشف المقدس، مجاله بوجود المحظور والقوانين الإجبارية،وهو مالايقتضي مجرد قيمة بسيطة.
{ ألا تخشون حاليا من انكفاء الأوطان على ذاتها؟بين طيات الخطاب الذي ألقته ماري لوبن يوم 1ماي الأخير،استشهدت بمقولة لكم،حول الحدود،تقول :((هي جوهرية بالنسبة للبلد كما البَشَرة ضرورية لكل فرد)) ،بهدف فضح الخطر المحدق بهم نتيجة الهجرة الجارية في فرنسا،بماذا يوحي إليكم هذا النوع من الاستعادة؟
عليها أن تقرأ عملي :لحظة الأخوة.المفهوم الأخير،نقيض للأشقاء المنحدرين من أسرة واحدة.هذا، يرتكز على تشكيل عائلة مع أفراد غير منتمين إليها،بحيث نستبدل رابطة المعنى بالأخرى القائمة على الدم،أن نقول لا للرابطة البيولوجية.هي فكرة، ذات منبع مسيحي، ولن تكون جمهورية أو اشتراكية.العائلة المقدسة، عائلة يعاد تأليفها،حيث الابن متبنى،والأب اسم مستعار،ثم الأم بطن مستأجر من الفكر-المقدس. لقد كانت بتلك الصفة ثورية،تقطع مع الأمرالمفروض من لدن الجينيالوجيات وكذا الوراثة.من جهة ثانية،لقد استندت الثورة العمالية لسنة1848 ،على المسيح البروليتاري. إذا عملت على استحضار الحدود،فلتقوية كرامة الأجنبي وخصوصيته،مع تذكير الغرب الإمبريالي،بعدم أحقيته كي يشعر في كل مكان كما لو متواجد داخل بيته.أيضا،قد نستعمل مفهوم الحدود كي نمنح جسدا لذاك الأجنبي.كل المفاهيم القاعدية،قابلة لأن تعكس. فيما يتعلق بالحدود،كنقيض للأسوار،فإنها لاتتميز إلا لكي نصل فيما بينها على نحو أفضل،فعندما لاتميز،فإنك تستحوذ أو تحطم.
{ بحسبكم،الديني هو»لاوعي السياسي» ،ننزع إلى نسيان هذا،من هنا عجزنا عن فهم الشرق الأوسط أو أوكرانيا؟
الديني،مبنين وليس مهجورا،إنه أكثر فاعلية.ما إن ينحل نظام مهيمن،حتى تستفيق بنيوية الديني أو الثقافي. سياق كهذا، تعيشه أوكرانيا اليوم،لكن أيضا على امتداد مئات الأمكنة الأخرى.لن نفهم شيئا بخصوص أوروبا،إذا محونا الخط الرابط بين مدينة ريغا(على ساحل بحر البلطيق) ، ومدينة سبليت(الكرواتية)،الذي يفصل العوالم اللاتينية عن الأرثوذوكسية. تجلى الانشقاق،منذ تصادم الإمبراطورية الكارولينجية والبيزنطية. لأننا نجهل العاصمة بيزنتيوم،بالتالي فموسكو باعتبارها روما الثالثة،كانت غير مفهومة.فليس المدرسة الوطنية للإدارة،هي
من سيمدنا بمفاتيح الوضوح.الانشقاق الشيعي-السني،لاتقل عنه حدة ما حدث عندنا في القرن السادس عشر،بين الكاثوليك والبروتستانتيين.اقتضى الأمر عشرات السنين،كي تتفضل وزارة الخارجية،للإهتمام بذلك،بينما يواصل التعليم المسيحي سن القانون،وحقوق للإنسان ضد الديكتاتوريات. كيف ندنو من الصين الحالية،بناء على لوحة محاسب، مع استبعاد للطاوية والكونفوشية ؟ثم، الهند وماليزيا وبرمانيا، دون معرفة بالبوذية والهندوسية؟لقد، أثنيت سابقا،على تدريس الواقعة الدينية داخل المدرسة اللائكية.لكن، في نهاية المطاف مجرد إخفاق، وبغير صدى. بالنسبة، لطالب عادي ينتمي إلى المدرسة الوطنية للإدارة ،فقد أخذ النوع البشري انطلاقته سنة.1945بينما يعود المقدس باسم الرب، إلى سنة 1914 . مايسمى، لدينا بأصحاب القرار،يقرؤون الجرائد، ويتسممون بالأخبار صباحا ومساء. ستندهشون،إذا علمتم،بأن لهم قطارين أو ثلاثة،متأخرة قياسا إلى مجرى الأشياء.لم يفهموا بعد،أن الخريطة الثقافية للكون، لاتتطابق أبدا مع الخريطة السياسية.
{ سنوات السبعينات، وضعتم أسس مبحث جديد هو الميديولوجيا،الذي يهتم بالروابط بين أنظمة التواصل، وكذا أشكال التنظيم الجماعي والاعتقادات؟
يركز، المختص في الميديولوجيا (علم الميديا)، على السلسلات الإجرائية التي تسمح بتبلور قوي للتجريد.لم يهتم ماركس،بمعرفة كيف تصير الفكرة قوة مادية.الصحيح ،يفرض نفسه لأنه صحيح. غلاف دفاتر الماركسية اللينينية،الصادرة في شارع أولم ULM،يخبر بهاته العبارة التوجيهية، التي وقعها لينين:((باستمرار، الماركسية قوية جدا،لأنها صحيحة)).كانت مذهلة،لكنها عَرَضية.بالنسبة لما يدعى بالمادية التاريخية،فالبنية التحتية المادية،تنتمي إلى الأسفل،حيث الإنتاج الاقتصادي وليس في الأعلى ضمن الرمزي.تصدر الميديولوجيا، عن عصيان مادامت تسعى إلى تهشيم الحائط، الذي أقامته الأنسية الكلاسيكية بين الذاتي والموضوعي،الروحي والمادي،النبيل والحقير.يكمن القصد،في إعادة المزاوجة بين الإنسان والآلة،وكذا تحويل الثقافة إلى تقنية،ثم تثقيف التقنية.مع الثورة الرقمية،سنبدأ في إدراك،بأن ميدان الحقل الإعلامي، هو في الآن ذاته، شعاع موجِّه،و نظام للقيم.لم تعد لنا نفس الأجهزة،تحت أيادينا،ولا ذات العقلية،أو المنظومة الإيتيقية نفسها،عندما انتقلنا من نطاق الكتابة،إلى محيط الفيديو ،ثم المجال الرقمي. لم يكن بوسع الإنسان العاقل sapiens، البقاء بغير أدواته، ودون التقنية لن يكون قط لمفهوم التقدم، من دلالة.مع آلة تقطيع الخشب، تجاوز رجل الغابة التفكير في الفأس،ثم لا أنا ولا أنتم، ستخضعون لرغبة معاودة الاستئناس بتلفزيون الأبيض والأسود،مع ظهور تلفيزيون بالألوان.بيد أنه بعد ماركس ولينين،بوسعكم دائما العودة إلى الأخوين «كيرلس» و»ميثوديوس» (عملا على نشر المسيحية عند الشعوب السلافية).شكرا للمهندسين،لكن تحيا مدرسة البوليتيكنيك والقناطر والجسور.الإشكالية،أنه ينبغي من أجل الإحاطة بالديمومة،إنتاج الجديد وإعادة إحياء القديم، في الآن ذاته. قدرتك على الإبداع،ثم معرفتك كيف ترث : نظام ثم تقدم.موقف،يعكسه العلم البرازيلي،بلد سيقطع أشواطا بعيدة،يستحضر أوغست كونت أفضل منا ،للأسف الشديد.
* هامش : مصدر الحوار :
Philosophie magazine : été ; 2014 numéro 81 ;pp68 73 .-


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.