تحتفل الطبقة العاملة المغربية بالذكرى 60 لتأسيس نقابة « الإتحاد المغربي للشغل». و خير ما نقدمه كتحية و تقدير لها و ما نهديه لها من دعم فكري و نضالي هو التعريف بما حققته من مكاسب اجتماعية ونقابية منذ حصول المغرب على استقلاله الوطني في مارس 1956 بفضل النضالات و التضحيات لتحسين الوضعية الاجتماعية للعمال و العاملات و مختلف المستخدمين و الموظفين في مختلف القطاعات الاقتصادية. و من أهم المطالب الاجتماعية التي رافقت تاريخ الحركة النقابية المغربية خلال فترة الحماية و ما بعد الاستقلال تأتي قضية الحماية الاجتماعية و من ضمنها التغطية الصحية و منظومة التقاعد بجانب الحريات النقابية و الرفع من الأجور. تعتبر التغطية الصحية من أهم مطالب الشغيلة في كل دول العالم و كذلك من الركائز الأساسية للحماية الاجتماعية و دعامة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. إن تقارير المنظمة العالمية للشغل سنة 2014 تؤكد أن 40% من سكان العالم ليست لهم تغطية صحية, علما بأنها أي التغطية الصحية الشاملة couverture médicale universelle أساسية لمحاربة الفقر و الهشاشة و تقليص الفوارق الاجتماعية و الرفع بالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية. أما في المغرب, فالأرقام الرسمية تظل مقلقة و تؤكد العجز الاجتماعي في بلادنا نتيجة النمط الاقتصادي الليبرالي المتبع منذ نهاية الستينيات و الذي تفاقم بنهج سياسة التقويم الهيكلي P.ASطبقا لوصيات صندوق النقد الدولي و البنك الدولي بداية الثمانيات و التي أضرت بصفة خاصة في قطاعات اجتماعية كالصحة و التعليم و التكوين و التغطية الاجتماعية و الصحية،تلك الوضعية الكارثية التي جعلت البعض يتحدث عن السكتة القلبية بداية التسعينيات بعدما نشر البنك الدولي تقريره حول الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية في المغرب. إن الحق في الصحة و في الرعاية الاجتماعية و الضمان الاجتماعي يعتبر من أهم حقوق الإنسان, حيث نص الفصل 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 دجنبر 1948) و الفصل 2 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية قد أكده أخيرا الدستور الجديد للمغرب في فاتح يوليوز 2011. بارتباط مع هذا الحق الدستوري نذكر بمدونة الشغل منذ 2004 التي تؤكد بضرورة العناية بطب الشغل و بشروط السلامة و الوقاية الصحية في أماكن الإنتاج مما يستوجب حاليا مراجعة هذه المدونة لملاءمتها مع التطور المجتمعي و التكنولوجي و تحديات العولمة و المنافسة القوية بين المقاولات وكذلك استجابة لمطالب النقابات. إن انعقاد المؤتمر الوطني الحادي عشر للإتحاد المغربي للشغل هذه السنة مناسبة لتقييم السياسات العمومية و حصيلة الحكومة الحالية و تحديدا في القطاعات الاجتماعية ذات الأولوية كالصحة و التعليم و التشغيل و الحماية الاجتماعية و التغطية الصحية. و بالرغم من الإصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية التي انطلقت منذ سنوات كالشروع في تطبيق قانون التأمين الإجباري عن المرض AMO سنة 2006 و نظام المساعدة الطبية RAMED سنة 2012 إضافة إلى تخفيض أسعار بعض الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة و التعويض على فقدان الشغل و إطلاق الحوار حول إصلاح منظومة التقاعد فضلا عن الزيادة الطفيفة للحد الأدنى للأجور مع تحسين جودة الخدمات التي يقدمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي عمل على توسيع شبكة وكالاتها و خدماته الاجتماعية. بالرغم من كل هذه الإصلاحات المبرمجة منذ سنوات في مختلف البرامج الحكومية تظل الوضعية الاجتماعية للشغيلة المغربية متدهورة و مقلقة باستمرار ما تؤكد على ذلك الأرقام الرسمية و تقارير المندوبية السامية للتخطيط و الملفات المطلبية للنقابات بمناسبة اجتماعات الحوار الاجتماعي و الذي لازال يشكو من عدم انتظامه و نجاعته للوصول إلى ميثاق وطني اجتماعي ينظم عالم الشغل و يضمن الحقوق الاجتماعية للطبقة العاملة و مختلف المستخدمين. الملاحظ أن الملف المطلبي للحركة النقابية لا زال يراوح مكانه في غياب إرادة سياسية و حكومية و في غياب الحسم في الإصلاحات الضرورية بذريعة الأزمة الاقتصادية و محدودية الميزانية العامة و ثقل المديونية و عجز الدولة على الدعم المالي لتلك الإصلاحات كتوسيع التغطية الصحية و إصلاح المنظومة للتقاعد بصفة شمولية و هيكلة و نظام الأجور و التعويضات و التغلب على ظاهرة البطالة في صفوف الشباب حاملي الشهادات الجامعية. مقارنة مع كثير من الدول ذات الدخل الوطني و النمو الاقتصادي القريب لموقعنا الاقتصادي تظل الأرقام و المؤشرات للتنمية الاجتماعية و البشرية دون المستوى و تظل مرتبة المغرب عالميا في مؤشرها الاجتماعي, متأخرة جدا (123) بسبب المراتب في مجال الصحة خاصة ما يتعلق بنسبة الوفيات للأمهات و المواليد و نسبة التغطية الصحية التي لا يتعدى 32% و مساهمة العائلات في النفقات الصحية تفوق 52% (15% الجزائر و 18% تونس) و 60% من سكان العالم القروي بدون تغطية صحية و 85% من الأشخاص المسنين بالمغرب بدون تغطية صحية اجتماعية أو صحية ناهيك عن نسبة الفقر و نسبة البطالة و نسبة الأمية التي لازالت مرتفعة رغم المجهودات و الميزانيات الفرعية المخصصة لذلك سنويا .لكن في غياب حكامة جيدة و تقييم موضوعي لتلك السياسات القطاعية . إن دراستنا الموضوعية للحصيلة الحكومية بارتباط مع البرنامج الحكومي خاصة ما يتعلق بالقطاعات الاجتماعية تؤكد أن الاختلالات و ضعف الإنجازات و الإصلاحات بالملموس لازالت تميز هذه القطاعات الحيوية و التي لا علاقة بالمستوى المعيشي للساكنة النشيطة و للشغلية المغربية التي تطمح إلى تحسين وضعيتها الاجتماعية كما تطالب بذلك مختلف النقابات العمالية في كل مناسبة. من حقنا أن نركز على التغطية الصحية و الاجتماعية في بلادنا نظرا لانتظارات الفئات الواسعة المقتبسة من هذا الحق الدستوري و لضرورة تحقيقها و تعميمها و القيام بإصلاحات مستعجلة للمنظومة بكاملها في إطارها الشمولي كمدونة التغطية الصحية و الحماية الاجتماعية كالسلامة في أماكن العمل و في المقاولة. إن الشروع في تطبيق التأمين الإجباري عن المرض AMO منذ سنة 2006 و الذي شمل المأجور في التابعين للقطاع العمومي و الخاص و بالمتقاعدين و ذوي الحقوق كان له وقع إيجابي على صحة الشغيلة خاصة في القطاع الخاص بمساهمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في تدبيره و تقديم الخدمات و التعويضات للمستفيدين. أما الصندوق الوطني للاحتياط الاجتماعي CNOPS فهو المدبر لفائدة الموظفين و مستخدمي المؤسسات العمومية و الجماعات المحلية. و مع ذلك تبقى فئات المهن الحرة و التجار و العاملين في القطاع الصناعة التقليدية بدون تغطية صحية لحد الآن مع أن القانون يضمن ذلك الحق في الاستفادة بعد مرور 10 سنوات على تطبيقه. بعد مرور هذه الفترة الزمنية من التطبيق التدريجي لهذه المدونة بناء على مبادئ التضامن و المساواة و كرامة الإنسان لتحقيق عدالة اجتماعية للجميع,? لازلنا نطالب بتطوير هذه المدونة بإدخال الإصلاحات الضرورية القانونية منها و التدبير نحو التمويل لضمان استمراريتها و نجاعتها ،منها تعزيز مكانة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المؤسس بظهير 1972 بالعمل على التصريح الإجباري للمأجور في حيث ما يزيد على مليون و نصف مأجور خارج التغطية الاجتماعية و كذلك بتطبيق المادة 114 من قانون مدونة التغطية الصحية و الذي يلزم جميع المقاولات بالانخراط في الصندوق حيث لازالت 3858 مقاولة خارج هذه التغطية و التي تمثل كتلة الأجور ما يعادل 50 مليار درهم و تشغل ما يزيد على 650.000 مأجور خاصة في قطاع التجارة و الصناعة ،علما أن الصندوق تغطي 4.6 مليون مستفيد من التغطية الصحية بما فيها الخدمات الصحية الخارجية و خدمات طب الأسنان. الوقاية و السلامة الصحية في أماكن العمل إن مدونة الشغل في صياغتها منذ 2004 تؤكد في المادة 281 و 282 تؤكد على مسؤولية المشغل في توفير جميع الشروط ووسائل الوقاية الصحية في أماكن العمل لتفادي كل المخاطر و حوادث الشغل باستعمال آليات الإنتاج و بعض المواد الخطيرة التي تؤدي إلى الأمراض المهنية. 5 سنوات مرت على كارثة معمل ROSAMUR بليصاصفا ناحية الدارالبيضاء، و التي أدت إلى وفاة 55 عامل بسبب الحريق للمعمل بسبب غياب وسائل الوقاية و جعل القانون للشغل و كما عرف معمل SNEP بالمحمدية أخيرا من وفيات وسط العمال الشباب بسبب عدم توفر شروط السلامة و الوقاية من حوادث الشغل .إضافة إلى ذلك فإن قلة مفتشي الشغل و عددهم لا يتعدى 385 حاليا أمام حاجيات مراقبة جميع المقاولات المغربية و خاصة منها الصغيرة و المتوسطة يؤكد مرة أخرى العجز الكبير الذي يميز الوضعية الاجتماعية للشغيلة المغربية نتيجة عدم تطبيق مدونة الشغل في مجال الوقاية و طب الشغل. تؤكد تقارير المنظمة العالمية للشغل OIT أن حوادث الشغل و الأمراض المهنية تؤدي سنويا إلى ما يزيد على 2.2 مليون وفيات بسبب الأمراض و حوادث الشغل نتيجة عدم احترام شروط السلامة و الوقاية في أماكن الشغل خاصة في قطاع البناء و المناجم و الصناعة الكيمياوية و في قطاع الاقتصاد غير المهيكل و غير الخاضع لتفتيشية الشغل و مراقبة الصحية. إن ما عرفته مناجم جرادة بسبب إصابة العديد من المنجميين بمرض السيليكوز حيث لازالوا يعانون من ذلك المرض لمدة سنوات بسبب ضعف التأطير الطبي لهم و بهزالة التعويضات عن المرض لفائدتهم . إن ضعف تطبيق مدونة الشغل و عجز مفتشي الشغل على مراقبة جميع المقاولات نظرا لقلة عددهم و محدودية اختصاصاتهم في معاقبة من لا يحترم قانون الشغل يتطلب مراجعة هذا القانون. و من أولويات تلك المراجعة في التشريع لمدونة الشغل ما يتعلق بالقوانين المنظمة لطب الشغل و قوانين الأمراض المهنية و حوادث الشغل. رغم أن مدونة الشغل تحدد دوره و ضرورة اعتماده في المقاولة لازال 90% من المقاولات التي تشغل أزيد من مأجور لا يتوفر على طب الشغل الذي ينص عليه ظهير 2 يوليوز 1957 الهدف منه الوقاية و الحد من تدهور صحة العمال و السهر على شروط السلامة و الوقاية الصحية. حسب الإحصائيات المتوفرة فعدد أطباء الشغل لا يتعدى 700 مع أن الحاجيات تفوق عدد 4000 لتغطية أهم المقاولات المغربية و أن الأطباء المختصين في طب الشغل عددهم 120 ما يطرح باستعمال تكوينهم في المغرب و خارجهم في المعاهد المختصة. إن مجموع المقاولات الصغرى و التي تمثل 95% من النسيج الصناعي في المغرب لا يتوفر على طب الشغل أو على شروط الوقاية الصحية لعدم إلزامها بذلك حسب مدونة الشغل مع أن مثيلاتها في ألمانيا تتوفر على 18.800 طبيب للشغل بفضل الاتفاقيات الجماعية و قوة النقابات. أما عن حوادث الشغل الخاضعة لقانون فبراير 1963 فالأرقام تؤكد خطورتها حيث عددها يتعدى 67.000 حادثة شغل سنويا و 20% منها خطيرة خاصة في قطاع البناء بعدد 5.600 حادثة شغل و بتكلفة مالية ما بين 10.000 و 30.000 درهم حسب دراسة قام بها المعهد الوطني المختص بشروط الحياة في أماكن العمل. و رغم إجبارية التأمين ضد حوادث الشغل للمأجورين فإن تطبيق القانون لازال غير محترم و أصبح إصلاحه أمرا مستعجلا لتبسيط المساطر و نسبة التعويضات للضحايا. و فيما يخص الأمراض المهنية المتقاطعة لقانون 1943 و معه الاتفاقيات المتعلقة بها لازالت تمثل نسبة مهمة في الوفيات بسببها حيث 87% من الوفيات في العمل يسببها الأمراض المهنية على الصعيد العالمي. حسب المنظمة العالمية للشغل OIT- 32.000 وفيات بسبب حوادث الشغل و 160 مليون يشكون من أمراض مهنية سنويا. أمام هذه المخاطر و الأرقام المخيفة لهذه الوفيات في وسط الشغلية تبين ضرورة التعجيل بالإصلاحات القانونية و المؤسساتية للحد من هذه المخاطر و الوفيات و بتكثيف التكوين و التحسيس للمقاولين و المأجورين و المسؤولين النقابيين و دعم دور مفتشية الشغل. مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للسلامة و الوقاية الصحية في أماكن العمل في 28 أبريل من كل سنة مناسبة للتأكيد على أهميتها و على حق الشغيلة في هذه الوقاية الصحية و على المقاول أن يتحمل مسؤوليته المدنية و الجنائية بداية في إحداث لجنة السلامة و الوقاية الصحية في المقاولة المكونة من رب المعمل و طبيب الشغل و ممثلي النقابة و الهدف منها تحديد المخاطر المهنية و السهر على تطبيق القانون المتعلق بالسلامة و الوقاية الصحية و تطوير أساليب الوقاية و تقديم اقتراحات لتعزيزها في المقاولة. و ختاما لا بد من التأكيد على ضرورة تنظيم دورات التكوين و التحسيس لفائدة المأجورين و ممثليهم النقابيين في مجال قانون الشغل و التغطية الصحية و الاجتماعية للتعريف بحقوقهم الاجتماعية و جعلهم قادرين على حماية صحتهم و سلامتهم في المقاولة علما بأن 70% من المقاولات المغربية لا تتوفر حاليا على لجنة الوقاية الصحية كما تنص على ذلك مدونة الشغل.