كشفت ممارسات تنظيمات العنف في الجزائر، وتونس، والمغرب عن خريطة معقدة تنطوي على دوائر متشابكة أكثر مما تقوم على روابط تنظيمية فيها. ويتمثل أهم هذه التنظيمات التي أصبح انتشارها الجغرافي أوسع نطاقاً في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم أنصار الشريعة، وتنظيم «المرابطون»، بالإضافة إلى تنظيمات وليدة ومنشقة عن تلك التنظيمات الرئيسية. { أولا- خريطة تنظيمات العنف في دول المغرب العربي: تقوم خريطة التنظيمات الجهادية في الدول الثلاث على منطقة تمركز رئيسية لكل منها في واحدة من هذه الدول، تتفرع منها كتائب وسرايا تخضع لقيادة المركز. وقد فرضت البيئة السياسية المضطربة في المنطقة تغييرا في هيكلية هذه التنظيمات، فتحولت من الشكل الهرمي إلى العنقودي "اللامركزي"، الذي يسمح لأمراء الخلايا النائمة والناشطة منها بحرية المبادرة واتخاذ القرار، والذي يؤدي في الوقت نفسه إلى حرية في حركة ونشاط أفرادها دون اللجوء للقيادة المركزية أحيانا، وذلك للقيام بعمليات نوعية يصعب اكتشافها. وتحرص هذه التنظيمات على تحويل أغلب كياناتها إلى تنظيمات سرية، تحمل أفكار التنظيم، وأهدافه العامة. وتعتمد أغلب هذه التنظيمات على كتابات "أبي مصعب السوري" التي يدعو فيها إلى إنشاء خلايا متنوعة لا ترتبط تنظيميا، وتجمع بين المركزية على صعيد الانتماء، والشعارات، والرموز، والأفكار، وبين عدم الارتباط المركزي، بحيث لا يمكن إجهاضها أمنيا. ويتم ربط كل أطياف الخلايا، والسرايا، والجماعات، وفقا لكتابات " أبي مصعب السوري "، بثلاثة روابط، هي الاسم المشترك، والبيعة والعقيدة، والهدف الموحد، عن طريق نشر فكر الجهاد المسلح. فوفقا لهذه الرؤية، تتكون كل سرية من فرد أو أكثر، وتكون وحدة مستقلة يرأسها أميرها الذي يدبر شئونها، وتقوم بالعمل العسكري مباشرة، ولا تتجه لأي شكل من أشكال التنظيم والدعوة، بل تختار هدفها وتهاجمه. وتعد هذه إحدي سمات الجيل الجديد من التنظيمات الجهادية التي تغير تكتيكاتها بين الحين والآخر. وهذه التنظيمات منتشرة في الجزائر، وتونس، والمغرب، وهي: 1 - تنظيمات العنف في الجزائر: يسعي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي يتزعمه عبد الملك درودكال الملقب ب "أبي مصعب عبد الودود"، إلى فتح جبهات جديدة للجهاد، وتوسيع رقعته الجغرافية إلى دول مجاورة للجزائر. وينتشر أتباع تنظيم القاعدة في الجزائر في عدة ولايات، أهما: غرادية، والمنيعة، وتبسة، وقسنطينة، وجيجل، وسكيكدة في الشرق. وينطلق هذا التنظيم الذي يأخذ من الجزائر نقطة تمركزه الرئيسية إلى كل من المغرب، وموريتانيا، ومالي، وأجزاء من تونس. ويتمركز هذا التنظيم جغرافيا على حدود الجزائر مع جيرانها في ثلاث إمارات، تنبثق من كل واحدة عدة سرايا عسكرية تحيط بالدولة، وتلامس حدودها مع تونس، بل تنتشر بعض معسكراته داخل حدود الدولتين. وتتمثل هذه الإمارات الثلاث في: أ- إمارة الوسط، ويطلق عليها منطقة الشرق، وتضم ثلاثة معسكرات، كل معسكر تتفرع منه عدة كتائب مقاتلة. المعسكر الأول "جند الأهوال"، ويتفرع منه ثلاث كتائب تتركز في بعض الولايات الداخلية التي تقترب من حدودها الشرقية، وهي: "كتيبة الفتح"، وكتيبة أبي بكر الصديق، وكتيبة الأرقم. وتشهد ولاية بودمرداس الجزائرية النشاط الأوسع لكتائب هذا المعسكر. أما المعسكر الثاني، فيعرف ب "بجند الأنصار"، وينبثق عنه ثلاث كتائب، تركز نشاطها على خط الحدود الشرقية للجزائر، وهي: كتيبة عثمان بن عفان، وكتيبة النور، وكتيبة على بن طالب، وتعد ولاية تيزي وزو الجزائرية هي مركز عمليات هذه الكتائب الثلاث. أما المعسكر الأخير، فهو معسكر جند الاعتصام الذي تفرع عنه كتيبتان، هما: كتيبة المهدي، وكتيبة الفاروق، وهذه الكتيبة تركز نشاطها على أكبر مساحة من الخط الطولي لشرق الجزائر. ب- إمارة الصحراء، ويطلق علىها أيضا المنطقة الجنوبية"، وتعد كتائب هذه الإمارة أشرس كتائب معسكرات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب في الوقت الراهن، بل أكثرها عنفا وتعطشا للدماء بسبب خضوعها لقيادة الرجل الشرس "موسي أبو داود" الملقب ب "أمير الصحراء"، وهو قيادي سابق في الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وشارك في العديد من عمليات التنظيم ضد النظام الجزائري، وتم اختياره أخيرا من قبل أمير تنظيم القاعدة ببلاد المغرب "أبي مصعب عبد الودود" لقيادة إمارة الصحراء. وتضم هذه الإمارة ثلاث كتائب رئيسية، هي: كتيبة الفرقان التي يقودها جمال عكاشة الملقب ب "أبي همام أو أمير السلاح"، وهذا الرجل يعد أيضا من أخطر عناصر تنظيم القاعدة، وهو مقرب من "مختار بلمختار"، قائد تنظيم "المرابطون"، وساعده كثيرا في جلب السلاح من ليبيا، وبعض الدول الإفريقية. ويتركز دور هذه الكتيبة في منطقة الصحراء الجنوبية، ويتحرك جنودها على الحدود بين المغرب والجزائر. أما الكتيبة الثانية في الإمارة الثالثة، فتعرف بكتيبة الملثمين، التي كانت قبل أن تصبح جزءا من تنظيم "المرابطون" تحت قيادة "مختار بلمختار". أما الكتيبة الأخيرة، فهي كتيبة "طارق بن زياد"، وأميرها الحالي عبد الحميد أبو زيد، الملقب ب "عبيد المكني". وقد ازداد نشاط كتيبتي طارق بن زياد، والفرقان الأقوي تسليحا في "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" في الأشهر الثلاثة الأخيرة من شمال مالي، خصوصا في منطقة تمبكتو حتى حدود القوس المغربي. ج - الإمارة الشرقية، التي تعد من أضعف إمارات تنظيم القاعدة ببلاد المغرب في الوقت الراهن بسبب تمكن قوات الأمن الجزائرية من شل حركتها واختراقها، حيث تقتصر على سرايا عسكرية محدودة، تنتشر فقط بالشرق الجزائري، بعد تفكك غالبية شبكاتها السرية في مناطق ولايتي قسنطينة وجيجل، ويقتصر نشاطها فقط على ولاية تبسة. أما التنظيم الثاني، الذي يتمدد داخل الحدود الجزائرية، ويتعدي حدودها الجغرافية أيضا، فيتمثل في تنظيم "المرابطون"، المنشق عن التنظيم الأم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". ومؤسس هذا التنظيم خالد أبو العباس، والملقب بمختار بالمختار من مواليد 1972 بولاية غرداية بالجزائر، ويتكون من تحالف يضم كتيبتي الملثمين مع حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا. ويأخذ هذا التنظيم الأحدث تكوينا من الجزائر نقطة تمركزه الرئيسية، بل إن مقاتليه في حالة تحرك دائم على الحدود التونسية، نظرا لزيادة عددهم من التونسيين. فوفقا لما نشرته صحيفة الصباح التونسية، فإن عددهم يزيد على 300 مقاتل. وتعد بقايا تنظيم الجيش الإسلامي للإنقاذ -وهو الذراع المسلحة للجبهة الإسلامية للإنقاذ- بمنزلة تنظيم جهادي ثالث بدولة الجزائر، لكنها تعد في الوقت الحالي من أضعف التنظيمات الداخلية في الجزائر. ووفقا لما نشرته صحيفة الشروق الجزائرية، في منتصف أيار 2014 استطاعت الشرطة الجزائرية خلال الشهور الأخيرة اعتقال عدد كبير من هذا التنظيم للاشتباه في إقامته علاقات مع تنظيم سلفي جهادي في تونس وليبيا. ويتمركز هذا التنظيم الأقل تشابكا مع التنظيمات الجهادية في شمال إفريقيا في ولاية الشلف الواقعة على بعد 200 كلم غرب العاصمة الجزائرية. أما التنظيم الجزائري الرابع والأخير، فهو تنظيم أبناء الصحراء من أجل العدالة الإسلامية بقيادة "عبد السلام طرمون"، وينتشر هذا التنظيم في ولاية ورقلة، حيث أصبح يشكل الآن تهديدا مباشرا على الجزائر. 2 - التنظيمات الجهادية الفاعلة في تونس: وتعد تيارات السلفية الجهادية أخطر هذه التنظيمات، ويرجع الانتشار السريع وزيادة أعداد هذا التيار إلى عدة أسباب، أهمها: - تغلغل المئات من عناصر السلفية الجهادية المرتبطين بتنظيم القاعدة أو بفروعها في المناطق التي يقطنها الطبقات الشعبية التي لا تتمتع بمستوي تعليمي متقدم، بعد إطلاق سراحهم من السجون التونسية أخيرا. - الهشاشة الأمنية، وضعف وجود مؤسسات أمنية قوية، خاصة في الأحياء الشعبية التي جعلت من بعض الأطياف السلفية، لا سيما الجهادية منها، تعوض دور الدولة، وتقيم سلطاتها المحدودة على مناطق تعدها شبه محررة. وتتجسد السلفية الجهادية التونسية في ثلاثة تنظيمات هما: أنصار الشريعة، تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحزب التحرير الإسلامي، وهو الأقل نشاطا بينها. ويرى المراقبون للحركات الجهادية في شمال إفريقيا أنه نتيجة فشل أيديولوجيا القاعدة التي تقوم على الدمج بين العدو القريب والبعيد، واختيار العمل المسلح سبيلا وحيدا للتغيير، بل والاعتماد على عولمة الجهاد لكسب الرأي العام، فقد طور قيادات السلفية الجهادية الجدد من تنظيماتهم المستحدثة، المتمثلة في تنظيم أنصار الشريعة بتونس وليبيا، وطوروا أيضا من استراتيجية التحرك ضد العدو المستهدف، وفقا للمعطيات الجديدة التي كان أهمها خروج حكومات الإخوان المسلمين وأحلافهم من بعض بلدان الربيع العربي التي تولوا فيها السلطة. عملت تلك التنظيمات الجديدة على إعادة هيكلة أولوياتها، ورهاناتها، وخياراتها دون التخلي عن البنية الصلبة لأيديولوجيا التيار. وتبدو تنظيمات أنصار الشريعة المنتشرة في تونس، وليبيا، والمغرب، واليمن مستقلة نسبيا، وهي ليست وحدة فيدرالية تحت سلطة قائد واحد، لكنها تظل محلية القرار. وتمثل تونس نقطة التمركز الرئيسية لتنظيم أنصار الشريعة، ويقود هذا التنظيم "سيف الله بن الحسين المكني"، الملقب ب "أبي عياض". ويؤكد المراقبون أن هذا التنظيم له طموحات كبيرة، وقد يطور من روابطه التنظيمية، وسيتبع استراتيجية جديدة في مواجهته مع الأجهزة الأمنية التونسية، يتخلي فيها في بعض أوقاته عن جناحه الاجتماعي والدعوي المكشوف للأمن، معتمدا على خلايا عنقودية، تعمل وفق منظومة فكرية مستقلة تنظيميا عن بعضها بعضا، تتبني تكتيكات قتالية خاطفة ومركزة، وذات موارد سهلة وبسيطة في محاولة للالتفاف على الحصار الأمني. ويتمركز تنظيم أنصار الشريعة التونسي في عدة مناطق على الخريطة التونسية، تتمثل في مناطق الحدود التي تربط جنوبتونسبالجنوب الغربي لليبيا، وأيضا في منطقة ولاية القصرين، وفي المناطق التونسية القريبة من ولايات الوادي، وتبسة، وبسكرة الجزائرية، ويتخذ في الوقت الراهن من جبال الشعانبي نقطة تمركزه الرئيسية، وهي المنطقة الأخطر لتنظيم أنصار الشريعة التونسي، والتي تمثل تمركزا لكتيبة عقبة بن نافع التابعة للتنظيم، والتي تبنت عملية الشعانبي في 16 تموز 2014، والتي راح ضحيتها ما يقرب من 15 شهيدا من الجيش والحرس الوطني. وتعد غابات محافظة جندوبة، بالإضافة إلى جبل بوشبكة بين الحدود التونسية - الجزائرية، مناطق حركية يستخدمها التنظيم بين الحين والآخر. أما التنظيم الثاني الموجود في تونس، فيتمثل في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهو يوجد في أجزاء متقطعة، أهمها الشريط الحدودي بين المغرب والجزائر، ومنطقة الوسط الغربي من جبال الشعانبي، وهي مجموعة نشطة يقودها الآن الجزائري "لقمان أبو صخر"، وتتبني على موقعها الإلكتروني الخط المركزي للقاعدة. يوجد أيضا التنظيم في جبال خمير "أولاد مناع"، وهي مجموعة تتبني - وفقا لما هو منشور على صفحاتها الإلكترونية - مبدأ التصعيد التدريجي في استهداف قوات الأمن والجيش التونسيين. أما التنظيم الثالث والأخير الموجود في تونس، فهو حزب التحرير الإسلامي التونسي، الذي يقتصر نشاطه العنيف على الداخل التونسي فقط، وله طموحات تتفق مع أنصار الشريعة، تتمثل في تجسيد مشروع إقامة الخلافة الإسلامية، والقضاء على الأنظمة الديمقراطية. وتتمركز قواعد هذا التنظيم في ضواحي العاصمة، ومدينة القيروان، وجندوبة، وماطر، وبنزرت. 3 - التنظيمات الجهادية في المملكة المغربية: يعد المغرب في الوقت الحالي أقل دول المغرب العربي الثلاث من حيث وجود وانتشار التنظيمات الجهادية، وبالتالي هي الأقل أيضا تعرضا لهجمات إرهابية أو اختراقا لحدودها. ويرجع ذلك إلى استقرار وضعها السياسي الداخلي بين حزب العدالة والتنمية (إخوان المغرب) وحكومة عبد الإله بنكيران. ويتمثل أهم التنظيمات الجهادية بالمغرب ذات التأثير المحدود في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وأنصار الشريعة، ويقتصر دورهما في الفترة الأخيرة على الدور التجنيدي فقط، أي تجنيد واستقطاب الشباب الناقم للجهاد الخارجي. { ثانياً - التشابكات المعقدة بين التنظيمات الجهادية في دول المغرب العربي: يصف بعض المراقبين الإرهاب الذي تعيشه منطقة شمال إفريقيا بأنه ليس إرهابا "محليا"، بل إرهاب إقليمي يمتد فيه القرار، والتدريب، والتنفيذ من إمارة الصحراء - أقوى فروع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي -ليبلغ منطقة جبال الشعانبي، أقوى تمركز لتنظيم أنصار الشريعة بتونس، وهذا يعني أن هناك علاقات متشابكة ميدانيا، وعسكريا، وعقائديا تجمع مختلف هذه التنظيمات التي تتمركز وتتحرك في بلاد المغرب الثلاث. ويمكن رصد تلك التشابكات والتحالفات بين تنظيمات الشمال الإفريقي الجهادية على مستويين مختلفين، الأول يتعلق بالتشابكات العابرة لحدود الدولة والتي قد تتعدي القوس المغربي، والآخر يتعلق بالتشابكات الداخلية، أي التي لم تتجاوز أيا من حدود دول المغربي العربي الثلاث. ويمكن القول إن الروابط بين الحركات الجهادية في المغرب العربي، أو الممتدة خارج حدوده، تتم على أساس مجموعة من العوامل المشتركة، منها المشترك الأيديولوجي، الذي يتمثل في العقيدة الجهادية الواحدة. وفي هذا العامل، يشترك كل من: تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم "المرابطون" الذي، يتشكل من حركة التوحيد والجهاد، والملثمين، وأنصار الشريعة في تونس، والمغرب، وليبيا، وكتيبة عقبة بن نافع. ويتمدد هذا المشترك الأيديولوجي بين تلك التنظيمات، وتنظيمات أخرى خارج نطاق المنطقة المغربية، هي تنظيم القاعدة في دولة العراق، وبلاد الشام، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا. وتتشابه أيضا في الرابط "اللوجيستي" والعملياتي، وهذا العامل تم تطبيقه على أرض الواقع على صعيدين، أولهما يتمثل في انتقال المقاتلين من نطاق جغرافي إلى آخر، مثل: انتقال مقاتلين من تونس إلى الجزائر، أو من تونس إلى ليبيا، أو من تونس وليبيا والمغرب إلى سورية والعراق. آخرهما يتمثل في نقل السلاح والمعدات من نطاق جغرافي إلى آخر، مثل نقل السلاح من الترسانة الليبية إلى عدة أماكن قتالية في جبال الشعانبي على الحدود التونسية - الجزائرية، أو إلى الإمارة الثانية بمنطقة جنوبالجزائر لكتائب طارق بن زياد، والفرقان، والملثمين قبل أن تتحول إلى جزء من تنظيم "المرابطون"، أو إلى تونسوالجزائر، وهو السلاح المستخدم من قبل أنصار الشريعة ضد الجيش الجزائري، أو ينتقل السلاح إلى خارج منطقة المغرب العربي إلى سوريا عبر دول مجاورة. وسوف نتعرض لهذه التشابكات بين التنظيمات الجهادية في المغرب بقدر من التفصيل: 1 - التشابكات العابرة لحدود الدولة: في ظل هذه التنظيمات العنقودية التي يصعب فك شفراتها الداخلية لعزلتها الإعلامية، ولتغير استراتيجية تحركها بين الحين والآخر، وكذلك غموضها وصعوبة اختراقها، يمكن أن نرصد التشابكات العابرة لحدود الدولة عن طريق رصد عمليات العنف التي ارتكبتها تلك التنظيمات، وأماكن ارتكابها، أو من خلال تتبع عمليات التهريب التي ارتكبتها تلك التنظيمات عبر حدود الإقليم. ويتمثل أهم عمليات التشابك التي تم رصدها بين قاعدة بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم أنصار الشريعة الممتد بين تونس والمغرب وليبيا، في الآتي: أ- هناك ارتباط لا يزال قائما بين تنظيم الملثمين بقيادة مختار بلمختار، وبعض التنظيمات السلفية الجهادية في الجزائر، منذ الهجوم المشترك على منجم عين أميناس في صحراء الجزائر. وهناك أيضا اتصال وتنسيق بين تنظيم أنصار الشريعة وفروعه في كل من تونس، والمغرب، وليبيا. ب- هناك ارتباط وثيق بين إمارة الصحراء، أهم معسكرات تنظيم القاعدة في الجزائر، والتي يقودها موسي أبو داود، الملقب بأمير الصحراء، وجماعة أنصار الشريعة في تونس، ويحاول هذا التنظيم التمدد داخل العمق التونسي، ويتخذ هذا التنظيم المزدوج من جبال الشعانبي نقطة تمركزه. وتشير صحف تونسية إلى أن موسى أبو داود، قائد معسكر "إمارة الصحراء"، دخل الأراضي التونسية، والتقي أكثر من مرة سيف الله الحسين الملقب ب "أبي عياض"، قائد تنظيم أنصار الشريعة، بل إنه باشر تدريب مئات التونسيين في معسكر "درناية" الواقع بين الحدود الجزائرية - التونسية بمنطقة جبل بوشبكة. وخير دليل على وجود تنسيق وتشابك بين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المتمثل في "إمارة الصحراء"، وتنظيم أنصار الشريعة في تونس المتمثل في "إمارة الشعانبي"، هو اعترافات كل من التنظيمين على موقعيهما الإلكترونيين بالمسؤولية عن مقتل 14 من أفراد الجيش، وحرس الحدود التونسي في 17 تموز 2014، من منطلق أنه رد فعل على ما قام به الجيش التونسي من عمليات ضخمة على المجاهدين بحبل الشعانبي. ج - هناك أيضا تنسيق وتشابك بين تنظيم "المرابطون"، وتنظيم القاعدة، متمثلا في كتيبة الفرقان بقيادة "جمال عكاشة" الملقب ب "يحيي أبو همام"، الذي يعد من أخطر عناصر إمارة الصحراء بتنظيم القاعدة، حيث لعب هذا الرجل دورا في مساعدة جلب السلاح لقائد تنظيم "المرابطون". د - هناك أيضا تنسيق ثلاثي بين تنظيم "المرابطون"، وأنصار الشريعة في تونس، وأنصار الشريعة في شمال ليبيا، حيث أشارت صحيفة "سونتاج الألمانية"، وفقا لما نشرته صحيفة الصباح التونسية في أيار 2014، إلى أن قادة تنظيم أنصار الشريعة في بنغازي اجتمعوا مع ممثلين من أنصار الشريعة في كل من تونس والمغرب، وكذلك مع ممثلين جزائريين عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بهدف وضع خطة قتال جديدة في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا. ولفتت الصحيفة إلى أن هذا الاجتماع حضره أبو عياض، زعيم أنصار الشريعة في تونس. المؤكد أنه إلى جانب هذا التنسيق والتشابك العسكري بين التنظيمات الجهادية الرئيسية في دول المغرب العربي، يوجد تنسيق وتشابك بينها في مصادر التمويل، سواء في عمليات التهريب، أو في عمليات نقل الأسلحة. فيلاحظ أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، متمثلا في "إمارة الصحراء"، يلعب الدور الرئيسي في إعداد المطارات البدائية التي تستخدم لنزول الشاحنات التي تنقلها طائرات صغيرة الحجم، ثم تتولي تنظيمات جهادية أخرى، أهمها تنظيم "المرابطون" بقيادة مختار بلمختار، إيصالها لمناطق التمركز. 2 - التشابكات الداخلية بين مختلف التيارات: يتمثل أهم التشابكات الداخلية التي لا تتعدى حدود الدولة، بين التنظيمات الجهادية المتمركزة في دول المغرب العربي، في عده نماذج، منها: التنسيق والاتصال بين تنظيم الموقعين بالدماء، وتنظيم أبناء الصحراء من أجل العدالة الإسلامية، حيث إن التنظيمين أعلنا عن تهديدهما للداخل الجزائري في وثيقة واحدة، تضمنت الوحدة فيما بينهما على مواجهة النظام الجزائري، وتحقيق العدالة الإسلامية. وهناك أيضا تنسيق جماعي، ومصلحة مشتركة بين "تنظيم "المرابطون"، وحركة أنصار الشريعة، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي داخل حدود كل دولة من دول المغرب العربي الثلاث "المغرب، وتونس، والجزائر"، حيث يوجد في الجزائر جناح شقيق يجمع كل هذه الحركات، يتمركز في جبل الشعانبي على الحدود الجزائرية. ثالثا - التداعيات المحتملة واستراتيجية المواجهة: لا شك في أن عودة نشاط هذه التنظيمات الجهادية في دول المغرب العربي، بعد خمولها، ستكون لها تداعيات أمنية، واقتصادية، وسياسية كبيرة، خاصة في حالة عودة المجاهدين المغاربة والتونسيين من سورية والعراق، ويتمثل أهم هذه المخاطر في: 1 - المخاطر الإقليمية: تتمثل هذه المخاطر في ثلاثة مستويات، إما أن تكون أمنية، أو اقتصادية، أو سياسية، أو الثلاثة معا، وهي كالتالي: أ- المخاطر الأمنية: هناك عدد من المؤشرات الأولية المهمة، تدلل على أن التنظيمات الجهادية في منطقة شمال إفريقيا تعيد ترتيب أوراقها من جديد، وتحاول أن تنسق فيما بينها في الفترة القادمة، خاصة في ظل ظهور تنظيمات جهادية جديدة. كما أنه من المحتمل أن تكون هناك موجة جديدة من العنف خلال الفترة القادمة، خاصة أن التنظيمات الجهادية استغلت فترة الهدوء الأخيرة في إعادة ترتيب أوضاعها، وتحسين قدراتها، بعد الضربة التي تلقتها في شمال مالي على أيدي القوات الفرنسية. كما أن عودة المقاتلين المغاربة والتونسيين من سورية والعراق قد تسهم في حدوث عمليات إرهابية في الداخل، وهذا يتزامن مع ما أعلنه بعض المقاتلين المغاربة مثل محمد حمدوش- الذي عرف في وسائل الإعلام ب "قاطع رؤوس السوريين" - من "أن المحطة القادمة لهم بعد العودة هي فتح بلاد المغرب بالذبح والدماء". لكن يمكن القول إنه مهما يحدث من تنسيق بين التيارات الجهادية في دول المغرب العربي، وشمال إفريقيا، فستظل العلاقة بينها علاقة تنافسية، وليست علاقة تكاملية، بمعني أن كل تنظيم جهادي سيحاول القيام بعمليات إرهابية أكبر وأكثر عددا من التنظيمات الأخرى، ليثبت أنه التيار الأكثر جهادا، وأنه يستحق صدارة المشهد الجهادي في تلك المنطقة، مما سيؤدي إلى موجة عنف مقبلة، لاسيما في تونس، وليبيا. ب- المخاطر الاقتصادية: قد تسعي التيارات الجهادية إلى استهداف المؤسسات الاقتصادية العامة في الدول التي تتصارع فيها مع أنظمتها السياسية، مثل استهداف خطوط وشركات الغاز والنفط، واستهداف السياحة بالاعتداء على السائحين، واختطافهم من أجل الحصول على المال، بالإضافة إلى ضرب وتدمير المنشآت الحكومية تحت مسمي الجهاد. ج - التداعيات السياسية، وهي تتمثل في وجود خطر دائم على الأنظمة السياسية في دول المغرب العربي الثلاث، وبالأخص في دولتي تونسوالجزائر، بعد سقوط حكومة النهضة في تونس، ونجاح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لدورة رئاسية رابعة في الجزائر. ومن ثم، قد تدخل هذه التنظيمات في مواجهة مسلحة مع هذه الأنظمة التي تصفها بالكافرة لإقامة دولة إسلامية بديلة. وهذا ما أكده تنظيم "المرابطون" بقيادة مختار بلمختار في بيانه التأسيسي، حيث دعا باقي التنظيمات الجهادية في دول المغرب العربي للانضمام إليه، مؤكدا في دعوته أن هدفه هو قيام الدولة الإسلامية. 2 - المخاطر العابرة للإقليم: إن تصاعد نشاط هذه التنظيمات في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا يمثل تهديدا مباشرا أيضا على المصالح الغربية والأمريكية بصفة خاصة، حيث أعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي صراحة أن كلا من دولتي اسبانياوفرنسا هما العدوان الأبعد جغرافيا في المقام الأول. لكن التوقيت الأكثر خطورة على الحكومات الإقليمية الشريكة لدول المغرب العربي، وعلى أوروبا، والولاياتالمتحدةالأمريكية، سيكون عند عودة المقاتلين التونسيين، والمغاربة من العراق وسورية، بل قد تتزايد احتمالات انتقال بعض هذه العناصر إلى أوروبا، لاسيما فرنسا، وإسبانيا، خاصة أن هناك تقارير اسبانية عديدة صدرت أخيرا تشير إلى احتمال انتقال بعض الجهاديين المغاربة من المغرب إلى إسبانيا عبر سبتة، ومليلة. 3 - استراتيجيات المواجهة: تتطلب خطورة الرسالة المنسوبة ل "أبي عياض التونسي" في شهر حزيران 2014- والتي أشاد فيها ب "بطولات المجاهدين بالعراق"، داعيا فيها أيضا أيمن الظواهري، وأبي محمد الجولاني، إلى "أن يعجلا بمباركة الفتوحات، وما منَّه الله على إخوانهم في الدولة الإسلامية في العراق والشام - استراتيجية مواجهة مشتركة بين دول المغرب العربي الثلاث، والدول الأوروبية والغربية ذات المصالح المشتركة مع دول المغرب العربي، تقوم على الآتي: أ- تشديد الإجراءات الأمنية الحدودية بين الدول الثلاث، مع ضرورة ضبط الحدود المغربية - الجزائرية عن طريق حائط صد إلكتروني لمنع تسلل الجهاديين إلى أراضيهما، أو من الأراضي التونسية عبر الحدود الليبية. ب - تكثيف عمليات الملاحقة والضبط للعناصر العائدة من سورية، ومنع انتقال العناصر الجهادية المتمركزة في الجبال الفاصلة بين حدود تلك الدول إلى الداخل، وجعلها دائما تعيش في حالة من الانقسام والصراع على أحقية الولاية والقيادة. 3- المشاركة في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية، في إطار عملية تبادل الخبرات الدولية بشأن مكافحة الإرهاب، بحضور ممثلين عن كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفرنسا، وإسبانيا، ودول المغرب الثلاث، لتبادل المعلومات بعد تنامي الخطر الجهادي بشكل كبير في الشهور الأخيرة. وأخيرا، يمكن القول إن استمرار هشاشة النظام الأمني في غالبية دول المغرب العربي، وكذلك عدم الاستقرار السياسي في تونس، وانهيار المؤسسات الأمنية في ليبيا، قد يؤدي إلى منح "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" فرصة كبيرة، وحرية في التنقل من موريتانيا إلى تونس، مرورا بمالي، والجزائر، حتى ليبيا، وذلك سيكون عبر تحالفات تتجدد وتطور من خططها، كلما حدث إقصاء واستبعاد لأحلافهم من حركات الإسلام السياسي في دولهم. *باحث مصري في الحركات الإسلامية، سكرتير تحرير مجلة السياسة الدولية