قال وزير الصحة الحسين الوردي إن الإجهاض السري غير المأمون ووضعية النساء اللواتي يتعرضن له، تسائلنا جميعا حول إشكالية الحمل غير المرغوب فيه أو غير المبرمج والذي يشكل فاجعة بالنسبة للمرأة غير المستعدة لتحمل تبعاته، خاصة في حالة الاغتصاب أو زنى المحارم أو الأم العازبة، مما يؤدي إلى سلوكيات تترتب عنها مضاعفات خطيرة ومميتة أحيانا تساهم في الرفع من نسبة وفيات الأمهات مع ما يترتب من ذلك من آثار اجتماعية واقتصادية سلبية. وأضاف الوردي الذي كانت يتحدث في اللقاء الوطني الذي نظمته وزارة الصحة يوم أمس بالرباط حول «الإجهاض التأطير القانوني ومتطلبات السلامة الصحية»، أن الإجهاض السري غير المأمون يتم غالبا في ظروف غير صحية والتي لا تحترم ابسط قواعد السلامة، فمجموعة من الفتيات والنساء خوفا من تبعات القانون الجنائي الحالي المتعلق بالإجهاض والذي يعاقب سواء مرتكبه أو الوسيط أو المستفيدة منه بعقوبات تتراوح ما بين سنة وخمس سنوات، يلجأن إلى وسائل بدائية باستعمال أدوات حادة غير معمقة أو أعشاب سامة أو أدوية خطيرة، الشيء الذي تنتج عنه مضاعفات صحية من تعفن أو مزيف حاد أو قصور في جهاز التنفس وكذلك على مستوى الكبد، مما قد يؤدي إلى وفاة في ظروف جد مؤلمة. و أوضح الوردي في ذات اللقاء، إن حوالي 65 في المائة من الدول المتقدمة رفعت جميع الحواجز عن الإجهاض، والاختلاف الوحيد بينهم اليوم هو المرحلة من الحمل التي يمكن الإجهاض فيها، وكذلك هو الشأن بالنسبة لبعض الدول الإسلامية تونس، وتركيا، وكازاخسنان وازربيدجان، كما أن مجموعة من الدول الإسلامية الأخرى اشتغلت على مسألة الإجهاض ورفعت الحواجز بالنسبة لبعض الحالات الخاصة مثل إيران في حالة الاغتصاب أو زنة المحارم أو التشوهات الخلقية. وبخصوص المغرب، أبرز الوردي أن القانون الجنائي يتعرض لمسألة الإجهاض في الفصول ما بين 449 و 458 ولا يسمح بالإجهاض الطبي إلا إذا استوجب ضرورة الخوف على حياة أو صحة الأم في الفصل 453 والذي يبقى صعب التأويل باعتبار المنظمة العالمية للصحة وتعرف الصحة بحالة رفاه كامل بدني وعقلي واجتماعي. واعتبر الوردي أن هذا القانون أصبح متجاوزا ولا يستجيب للتحديات الحالية والخاصة بالحفاظ على صحة الأم بالمغرب وتمتيعها بجميع حقوقها الإنجابية، حيث بين التقرير الثاني للجنة الخبراء الوطنية الخاص بالتدقيق السري لوفيات الأمهات لسنة 2010، أن مضاعفات الإجهاض تتسبب في حوالي 4.2 في المائة من مجموع وفيات الأمهات و5.5 في المائة من وفيات الأمهات الناتجة عن التعقيدات المباشرة للولادة. وأوضح الوردي في هذا اللقاء الوطني، الذي حضرته فعاليات قانونية ودينية وطبية، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني ووزارة العدل والحريات والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن رفع الحواجز على الإجهاض للحفاظ على الصحة البدنية والنفسية للأم وفي حالات الاغتصاب وزنى المحارم والتشوهات الخلقية للجنين ستكون لها آثار ايجابية على البلاد من حيث خفض نسبة مرض ووفيات الأمهات الناجمة عن الإجهاض لبسري غير المأمون، و تمكين الأطباء من العمل في إطار قانوني وفي ظروف تحترم السلامة الصحية، ثم العمل في شفافية، مما سيعطي المغرب مصداقية أكثر أمام دول العالم فيما يخص الحقوق والصحة الإنجابية، وأخيرا خفض الكلفة المادية سواء بالنسبة للنساء أو للدولة فيما يخص تكلفة التكفل بالمضاعفات الناتجة عن الإجهاض السري. ومن جانبه نوه مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي لوجدة بهذا اللقاء حول موضوع الإجهاض، معتبرا النقاش فيه بالفعل حضاريا، وأردف قائلا على أنه للمرة الثانية يتلقى دعوة من وزير للنقاش في إحدى القضايا الشرعية التي تهم حياة المواطنين، مذكرا أن المرة الأولى، وللأسف، كانت من طرف وزير هولندي، وكان اللقاء بأوتريخت لمناقشة تبرع المسلمين بأعضاء من أجسادهم لغير المسلمين، وقلنا رأينا في الموضوع، وحسمت القضية وتمت اعتمادها بالبرلمان الأوربي، والثانية هي اليوم من وزارة الصحة للنقاش في هذا الموضوع. وأوضح بن حمزة بصفة شخصية وليس كرئيس للمجلس الأعلى العلمي، باعتبار أن هذا الأخير له لجنة إفتاء، أننا نريد أن يطمئن المغاربة في قضية الإجهاض، ونريد كذلك أن نبتعد عن الغلة والشذوذ والتطرف في هذه القضية، لأن ليس من مصلحتنا ذلك، كما لا نريد أن نرضي لا زيد ولا عمر في هذه القضية، وأن ما يهم هم المغاربة الذين يجب أن تكون لهم قوانين ترتقي بحياتهم جميعا والاعتبار في هذه القضية هو الوطن. وعبر بنحمزة أن يكون جالسا الى جانب الطبية لمناقشة هذا الموضوع، ولا أريد أن أتحمل مسؤولية الطبيب و أن أسلم بما يقرر ولا أدخل مجاله ، كما أن الطبيب لا يمكنه أن يدخل في مجال النصوص، وعبر بنحمزة أن قضية الإجهاض لا يجب أن تبقى في دائرة الضوضاء، باعتبار أن هذه القضية تدخل في إطار ما يسمى بالكليات الخمس المحافظة على النفس. وأضاف بنحمزة في السياق ذاته أن المحافظة على النفس مقدمة على المحافظة على الدين، فالمريض لا يمكن أن يصوم مثلا، أما القضية الثانية والتي تهم النسب، فالإسلام بالنسبة له ليست قضية تاريخية بقدر ما هي قضية تماسك اجتماعي بحث أن الإنسان حين يعلم أن هذا سليله سيضحي من أجله.