إلى الفنان الشاب امبارك، مع المتمنيات بتمام الشفاء والعافية رجل سبعيني شابّ، بشوش، يلج قلبك بلا استئذان لمجرد مجالسته لبعض الوقت ، حتى دون أن تكون لك سابق معرفة به من قبل . يستقبلك بترحاب وكرم حاتمي معهودين في ساكنة المنطقة . يقفل دكانه/معمله ب»ملاعب» ليتفرغ ل»خدمتك» . يخجلك بأريحيته وتواضعه الجم وطيبوبته وبساطته العفوية أيضا. يتحرك بحيوية ونشاط الشاب اليافع دون أن يفقد وقاره . ببراءة وفرح طفوليين، يحدثك عن أشعاره وأغنياته وعزفه ومخزونه من محفوظ شعراء المنطقة، فيبهرك ببديع فنه وقوة ذاكرته. يخبرك أنه، في الغالب لا يغني إلا من كلماته، وحين يلحن أشعار غيره يذكُر ذلك، وليس مثل البعض الذين ينسبون أشعار غيرهم إليهم، خصوصا تلك الأشعار غير الموَثقة والمتداولة شفويا. أما عندما يعانق الشيخ بوعزامة احماد (أوهاشم) «الاوتار»، فتلك قصة أخرى . يحضن الآلة بشغف، ويداعب أوتارها ، وبعد لحظة قد تطول، في تسوية الإيقاع ينطلق في العزف والشدو بالأمازيغية (أو الدارجة المغربية أحيانا) . حينئذ يكاد ينقطع عن العالم ويتوحد مع الآلة العجيبة، ويندمج مع العزف، فيتخلق منهما (الفنان والآلة) ما سماه جبران وفيروز «سر الوجود» . تتغير ملامح وجهه البشوش، ويتمايل جسده ذات اليمين وذات الشمال ، وتتجه نظراته المعبّرة عن ذكاء فطري حاد، نحو الأعالي، ويصدح صوته القوي الأخاذ بالإنشاد، وتداعب أنامله الاوتار بلطف وحنان حينا وبقوة وإصرار حينا آخر، وحين يفيق من وجده (جذبته)، يتطلع إلى وجوه الحاضرين، مستخبرا عن تأثير أدائه الصادق فيها. وعندما يلمح انشداههم وتجاوبهم وإعجابهم بما سمعوا، ينشرح وتنفرج أسارير وجهه، ويحس بنشوة الظافر، وكأنه تلقى أثمن هدية يمكن أن يتلقاها الإنسان . الشيخ بوعزامة يجيد أيضا الغناء بمصاحبة الضرب على «البندير»، كما يحسن الإنشاد والأداء بدون آلة (إنشاد شعره أو شعر غيره) . الشيخ بوعزامة فنان شعبي أصيل، له عدة تسجيلات لأغنياته بالأمازيغية والعربية الدارجة . إلا أن إنتاجه الشعري والغنائي، ومحفوظه من أشعار مبدعي المنطقة، في حاجة ماسة إلى مزيد العناية بالجمع والتوثيق والتسجيل . فلعله يحظى بالتفاتة من جهة ما، تقوم بالمهمة.