من منا لم يملك ‹›الهيضورة›› (جلد الكبش وصوفه) في منزله يوما أو لم يجلس عليها؟ إلى وقت ليس بالبعيد كانت ‹›الهيضورة›› تتربع على عرش الديكور في قاعات الجلوس بالبيوت المغربية، بل وكانت تستعمل كفراش ينام عليه البعض، ولا يزال الأمر على ما هو عليه في بعض المداشر والقرى خارج العاصمة الاقتصادية. تعرف ‹›الهيضورة›› بشكلها الدائري ولونها الأبيض الناصع، تؤمن لمن يجلس عليها دفئا وتتطلب جهدا كبيرا لتتحول من فروة صوف خروف إلى فرش تزين بها المنازل، أما اليوم فقد أصبحت المزابل مقرا لها، خاصة مع انتشار أمراض الحساسية بين الصغار والكبار ، فالدافع الصحي ووجود البديل بالأسواق جعلها تفقد أهميتها ومكانتها بالمنازل المغربية. كشفت لنا الجولة التي قمنا بها ببعض شوارع العاصمة الاقتصادية وبعض البيوت البيضاوية ، عن التوافق الكبير في الآراء حول ‹›الهيضورة›› وتراجع قيمتها ومكانتها داخل الأسر المغربية، حيث صبت معظم الانطباعات حول الاستغناء عنها بسبب إصابة بعض أفراد الأسرة بأمراض الحساسية بالدرجة الأولى، بينما اتجهت آراء أخرى إلى اعتبارها ديكورا تقليديا يحمل في طياته بعض السلبيات، ومع التنوع في الأفرشة بالأسواق أصبح الاستغناء عنها أمرا يسيرا ، بمجرد الانتهاء من الذبح توضع ‹›الهيضورة›› في كيس بلاستيكي لرميها إلى جانب القمامة... إنه مصير « الهيضورة» عند بعض النسوة اللواتي تم استجوابهن والسبب وراء ذلك هو عدم الرغبة في تزيين المنزل بها كونها تحولت إلى فرشة تقليدية، ناهيك عما تتطلبه من جهد كبير لتنظيفها، كما أن زمن ‹›الهيضورة›› قد اندثر، وصنف ضمن ما يسمى بالعادات والتقاليد، هو الرأي الذي عبرت عنه السيدة سعاد من سباتة، حيث حدثتنا قائلة « أذكر كيف كانت والدتي تتعب في تنظيف ‹›الهيضورة››، حيث تقوم بعد الذبح مباشرة برشها بالملح ، وبعد ثلاثة أو أربعة أيام تقوم بغسلها بالصابون جيدا ثم تضعها لتجف، بعدها تأتي مرحلة تنظيف كل الشوائب العالقة بها، بحيث ينبغي أن يتحول لون الصوف إلى أبيض ناصع، ولابد أن يجف جيدا، كل هذه الخطوات كانت تتعب وترهق والدتي كثيرا، وهذا الأمر الذي دفعني بعد أن تزوجت إلى رمي ‹›الهيضورة››، لأنها بالنسبة لي أصبحت شيئا تقليديا للأسف، ولأني لا أجد لمن أتصدق بها، كما أن الجلوس عليها لم يعد محببا عند الكثيرين خاصة وأن صوف ‹›الهيضورة›› يلتصق بالثوب ويعطيه منظرا بشعا، لذا يتجنب الكثيرون الجلوس عليها، هذا إلى جانب أن ‹›الهيضورة›› أيام الشتاء الباردة حيث تكون الرطوبة عالية، تخلف إن وضعت على الأرض، بقعة من الزيت الناتجة عن الجلد. إزالة الصوف عنها أو التصدق بها إذا كانت بعض الأسر المغربية تتخلص من «الهيضورة» برميها، فإن أخرى تقوم بتجريدها من صوفها، وصنع وسادات أو أفرشة، وهو الرأي الذي لمسناه عند العديد من المستجوبات، حيث حدثتنا السيدة فتيحة (موظفة) عن مصير هيضورتها قائلة: «حقيقة كنت متعودة على تنظيفها وتحويلها إلى فرشة للجلوس، ولكن شيئا فشيئا استغنيت عنها لا سيما مع ما يؤمنه السوق اليوم من تنوع في الأفرشة وبأثمان وأشكال مختلفة، وعليه فعوض أن أقوم برميها أقوم بوضعها في كيس بلاستيكي مدة من الزمن، ثم أقوم بإزالة الصوف، فأرمي الجلد وأغسل الصوف، وأحولها إلى وسادات أو أفرشة من الصوف أزين بها قاعة الجلوس، فالصوف كما تعلمون كنز لا يفنى». بينما حدثتنا السيدة لطيفة ، مشيرة إلى أنها تعتبر أنه من الخطأ رمي ‹›الهيضورة›› على اعتبار أن هناك الكثير من الحلول للاستفادة منها، ولعل من أهم هذه الحلول تقول: ‹›نحن مثلا في حينا لا نقوم مطلقا برمي ‹›الهيضورة›› وإنما بعد ذبح الأضاحي نقوم بجمع الهيضورات من العائلات التي لا ترغب في الاحتفاظ بها، ثم نقدمها لشخص يعمل بالمسجد الذي يقوم ببيعها لبعض الأشخاص الذين ينشطون في مجال الجلود، وبمالها يتم تجهيز المسجد ببعض الحاجيات››، وتضيف «ىحقيقة فقدت الهيضورة مكانتها لدى عدد من العائلات المغربية خاصة بالمدن، ولكن ببعض المداشر والقرى لا تزال محافظة على مكانتها، خاصة أيام البرد، حيث تتحول إلى مدفأة متحركة». أمراض الحساسية من أهم أسباب التخلي عنها تبين لنا من خلال حديثنا مع عدد من المواطنات والمواطنين أن السبب الرئيسي وراء الاستغناء عن الهيضورة في المنازل المغربية هو التنوع في الأفرشة بالأسواق المغربية، وإصابة بعض أفراد الأسرة بمرض الحساسية، فهذه الحاج أحمد يقول ‹›إنه لم يكن على علم بمرضه، وكانت «الهيضورة» خير فرشة يجلس عليها خاصة أيام الشتاء، إلا أنه بعد أن علم بإصابته بالحساسية وتأكيد الطبيب له ضرورة الابتعاد عن كل ما له علاقة بالصوف، تصدق بكل الهيضورات التي كان يملكها بمنزله، بينما أكدت لنا السيدة مليكة أن ابنتها كانت مصابة بمرض الحساسية، ووجود الهيضورات بالمنزل زاد من تأزم الحساسية لديها. ولمزيد من التوضيح حول هذه المسألة التقينا بطبيبة مختصة في امراض الحساسية ، سميرة ب، فقالت «من لا يعانون من مرض الحساسية لا يمكن مطلقا أن يتولد مرض الحساسية لديهم من الهيضورة، ولكن من يعانون من هذا المرض فالأجدر بهم من الناحية الصحية تجنب «الهيضورة» وكل الأشياء المصنوعة من الصوف، لأنه يحتوي على شعيرات رقيقة تنتقل عبر القصبات الهوائية بفعل جلوس المريض عليها أو لمسها، وبعد لحظات تنتاب المريض حالة من العطاس تدل على تحسسه من صوف «الهيضورة»، لذا ينصح الأطباء المصابين بتجنبه» . وحول كيفية تأزم الحساسية لدى المريض قالت الطبيبة : «المصابون بحساسية بسيطة يمكن أن تتحول حساسيتهم من مرض موسمي إلى مرض مزمن بحكم احتكاكهم ب»الهيضورة» لأن القصبات الهوائية للمريض تكون جافة، ولكن بوجود الصوف تتحول إلى مخاطية يعجز الجسم عن مقاومتها، وتظهر على المريض في شكل حكة شديدة بالأنف والعينين وعطاس شديد، هذه العوامل تدل على إصابة المريض بحساسية مزمنة تتطلب علاجا طويل المدى، وتزداد صعوبة الأمر إذا كان المريض كبيرا في السن، لذا من الأفضل أن يتم الاستغناء عنها، فالوقاية خير من ألف علاج».