لمن لايعرف «الحاجة كرمومة»، أقول له إنها هي المسؤولة الأولى عما وصلت إليه الأوضاع بمجموعة من الجماعات ببلادنا، تتحمل مسؤولية الصفقات غير القانونية والمشبوهة، تتحمل مسؤولية عدم إتمام الأشغال بالأوراش أو الغش فيها، تتحمل أيضا تبعات حالات الغش في التصاميم وتراخيص البناء الممنوحة. «الحاجة كرمومة» تتحكم في تسيير مجموعة من المجالس الجماعية، هي الآمر الناهي فيها لم لا، وهي التي كانت تملك مفاتيح الفرج بها وكانت تسهل توقيع المسؤولين بالجماعة على الوثائق من دون تأخير! «الحاجة كرمومة» تستعين في بسط سيطرتها بمجموعة من المستشارين والموظفين وحتى بعض المسؤولين إذا كان الطلب غاليا، هم وليدات الحاجة! بكل بساطة، الكرمومة مصطلح يتم تداوله بين مجموعة من المستشارين في إشارة إلى «الرشوة» التي يحصلون عليها جراء توسطهم من أجل إرساء صفقات على شركة بعينها أو تسهيل الحصول على تراخيص البناء لمنعش عقاري أو التصويت على قرار جماعي يقضي بتفويت عقار أو قطعة أرضية لشخص ما، المهم وكما يقول بعض المستشارين، « والله ماكانت الكرمومة لادازت هاذ النقطة » ! هكذا ، وببساطة ، تدار الأمور في بعض جماعاتنا، هكذا يتعامل عدد من المستشارين عديمي الضمير مع المال العام.. لقد تمكنت منهم «الحاجة كرمومة» لدرجة لاتتصور. يحكى، والعهدة على الرامي - عفوا الراوي- أنه في إحدى الجماعات تقدم أحد رجال الأعمال للإنتخابات، كان همه الوحيد الحصول على إحدى الصفقات الكبرى للجماعة والتي في حالة ما إذا ظفر بها ستقفز به إلى مصاف كبار رجال الأعمال! نجح في الإنتخابات وشرع في كسب ود المستشارين والموظفين أصحاب الحل والعقد في الجماعة، بدأ يوزع المال يمينا وشمالا، وهم يعدونه بالعمل على تفويت الصفقة له بدون منازع، كانوا يوهمونه بأن الأمر محسوم لصالحه وأن ماعليه فعله هو توسيع مصنعه لكي يساير حجم العمل المطلوب من خلال الصفقة! قام باقتناء بقعة أرضية جديدة في ضواحي المدينة وأنشأ مصنعا بعد أن حصل على قرض كبير من البنك.استعد للحصول على الصفقة واعدا إياهم بأن الكرمومة كبيرة، لكن المسكين لم يكن يعلم أن الحاجة كانت لها وجهة أخرى. الصفقة رست على شركة أخرى، رغم أنف اللجنة المشرفة على فتح الأظرفة، «فالمطرقة جات من الفوق! » والصفقات للأقربين أولى!! ثارث ثائرة مجموعة من هؤلاء الذين كانوا يظنون أنهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من الحصول على ود الكرمومة ولكن هيهات هيهات قضي الأمر وانتهى كل شيء. سقط المستشار المقاول طريح الفراش، تقاطرت عليه الشيكات بدون رصيد، تحركت البنك لحجز ممتلكاته وأفلس المسكين، حيث أصبح حديث المجالس بين المستشارين ومادة خصبة للتفكه قبل أن ينتعش من جديد بعد أن استوعب الدرس جيدا! «الحاجة كرمومة» تأتي في مائة لبوس ولبوس، ولمن أراد رؤية الحاجة تصول وتجول، فما عليه إلا أن يزور ملحقات المجالس الجماعية المنتشرة في كل أرجاء المدينة والخالية من الموظفين إلا من مول البريسا و من النوادل!! حيت تتم عمليات البيع والشراء. كنت وصديقي في ملحقة إحدى الجماعات نحتسي القهوة وكان بجانبنا ثلاثة أشخاص من خلال حديثهم تبين لي بأنهم مستشارون كانوا يتحدثون عن الكيفية التي سيتمكنون بها من ضمان رسو الصفقة على شخص معين، فقد دفع أكثر ! تبين أن الدفع الذي كانوا يتحدثون عنه ليس في قيمة الصفقة بل في الكرمومة!! أحدهم أقسم بأغلظ أيمانه إن لم ترس الصفقة على صاحبهم كما تم وعدهم فإنه، على حد تعبيره، «غادي نرونهم ونبلوكي ليهم كولشي»! هكذا إذن تدار أمورنا على الصعيد المحلي، «فالحاجة كرمومة» هي التي تملك وتمسك بخيوط الشأن المحلي، وهي التي تتحكم في رقابنا وترهن مستقبل جماعاتنا بعد أن دمرت حاضرها ، والبقية تأتي ...