منذ عهد الرئيس الأمريكي ترومان الذي اعترف بدولة إسرائيل عام 1948 وإلى عهد الرئيس الحالي باراك أوباما ، أصر كل الرؤساء على توضيح أن ( إسرائيل قوية )هي مصلحة أمريكية إستراتيجية ، وأن الحفاظ على وجود إسرائيل مهمة أمريكية أساسية ، وأن أمريكا حريصة على أن تبقى إسرائيل أقوى عسكريا من الدول العربية منفردة ومجتمعة لاشك أن هناك أسبابا عديدة تكمن وراء هذا الموقف الأمريكي.. 1- فالولاياتالمتحدةالأمريكية كقائدة للمعسكر الغربي ، ورغم انتهاء الحرب الباردة ، فإنها لا زالت تعطي أهمية خاصة للدور الذي يمكن أن تلعبه إسرائيل ضمن الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة العربية والشرق الأوسط وجنوب آسيا وجنوب ووسط أوروبا . 2- والولاياتالمتحدة تنظر إلى الكيان الصهيوني كنظير أو توأم من حيث النشأة والتكوين ككيان قام على اغتصاب الأرض وطرد أو قتل أهلها وجلب مهاجرين من مختلف بقاع الدنيا ليحلوا محلهم . 3- والولاياتالمتحدة اعتمدت عند قيامها على نظرية عنصرية تقول بتفوق الرجل الأبيض سار على خطاها الكيان الصهيوني باعتماده على نظرية عنصرية تقول بأن اليهود هم ( شعب الله المختار ) . 4- ورغم أن الولاياتالمتحدة في دستورها دولة علمانية ، إلا أن فيها طوائف مسيحية كثيرة لها تأثير بالغ في صنع القرار الأمريكي ، أبرزها طائفة المسيحيين الإنجيليين التي تعطي للتوراة نفس القداسة التي تعطيها للإنجيل من حيث يرى أتباعها بأن التوراة والإنجيل يشكلان معا ( الكتاب المقدس ) وترى أن واجبها الديني تحقيق تعليمات التوراة . وهذه الطائفة كان الرئيس السابق جورج بوش الابن ينتمي إليها هو وغالبية طاقمه الذين كان يطلق عليهم ( المحافظون الجدد). إضافة إلى وجود جماعات دينية أخرى تنظر بعداء إلى الإسلام ، وازداد هذا العداء بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 التي ألصقت ومنذ اللحظات الأولى وقبل الإمساك بأي خيط يدل على مرتكبيها ، بالإسلام والمسلمين . وقد سعت بعض هذه الجماعات إلى جعل الإسلام يحل محل المعسكر الاشتراكي المنهار كعدو أول للولايات المتحدة والغرب عموما . 5- وقبل هذا لابد لنا من التذكير بأن الحركة الصهيونية قامت بالأساس على يد أوروبيين غربيين مسيحيين ، من أجل تحقيق أهداف أوروبية محضة . في مقدمتها التخلص من يهود أوروبا الذين كانوا ينافسون الرأسماليين الأوروبيين المسيحيين بقوة في أسواق التجارة والمال، مما دفعهم إلى العمل على التخلص منهم بكل الوسائل . كما أن سكنى اليهود في غيتوات خاصة بهم وممارستهم لطقوس غريبة عن الوسط المسيحي خلق نوعا من الشك والريبة تجاههم تحول مع السنين إلى كراهية ورغبة في التخلص منهم عند طبقات العامة في أوروبا الذين كانوا والى حينها يرون في اليهود ( قتلة السيد المسيح ) . وأخيرا فإن رغبة الدول الاستعمارية الأوروبية في الحصول على نصيبها من تركة ( الرجل المريض ) الدولة العثمانية المتداعية للسقوط ، جعل هذه الدول تفكر في إنشاء ( جسم غريب في المنطقة العربية يكون عدوا لها وصديقا للغرب )كما جاء في مقررات مؤتمر( كامبل بنرمان ) الاستعماري عام 1906 . وانطبقت هذه المواصفات على اليهود فوقع عليهم الاختيار لينشئوا دولة لهم في فلسطين ، مستغلين الشعور الديني لليهود تجاه القدس ( أورشليم ) وتمشيا مع خرافات التوراة التي تقول بأن فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد بها الرب لإبراهيم الذي يعتبرونه جد اليهود وحدهم . هذا دون أن نغفل أن اليهود أخذوا موقفا معاديا للحركة الصهيونية في بداية الأمر ، وأن كثيرا من اليهود أجبروا على الهجرة إلى فلسطين بأساليب التآمر والخداع والتضليل وأحيانا باستخدام العنف والإرهاب كما حصل مع يهود العراق واليمن والمغرب ، أو باتفاقات سرية بين الحركة الصهيونية والنازية في الحرب العالمية الثانية، حيث تم تهجير يهود المناطق الأوروبية التي خضعت للاحتلال النازي مقابل مبالغ مالية كبيرة دفعتها الحركة الصهيونية للنازيين ، مع تضخيم حجم الاضطهاد النازي لليهود وتأجيج نار المحرقة التي طالت أعدادا ليست قليلة من اليهود ، مع أن أرقام ضحايا النازية من اليهود ضئيلة جدا بالمقارنة مع ضحايا النازية من الأوروبيين المسيحيين . بعد كل ما ذكرنا نرى لزاما علينا أن ننبه إلى خطورة الحملات السياسية والإعلامية الصهيونية الأمريكية التي تريد أن تزرع في عقولنا أن الولاياتالمتحدة دولة ديمقراطية متسامحة بودها أن تقوم الدولة الفلسطينية وأن يتم إنصاف الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ، ولكنها ( مسكينة غلبانة ) لا تستطيع أن تحقق ذلك بسبب اللوبي الصهيوني المتحكم في السياسة الأمريكية بفضل تحكمه في المال والإعلام الأمريكي . إن نظرة فاحصة إلى حجم الرساميل العاملة في الولاياتالمتحدة تكتشف أن حجم الرساميل الصهيونية فيها ضئيل . كما أن نظرة على منظمة ( إيباك ) لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية تكشف أن مؤسسها الأول هو الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور عام 1953 باسم ( اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة )، وأنه عندما ساءت علاقتها بالرئيس ايزنهاور أمر بإجراء تحقيقات مع اللجنة أدت إلى حلها وإنشاء منظمة ( ايباك ) ، والتي لا تقتصر عضويتها على اليهود فقط بل تضم أمريكيين مسيحيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ممن يرون أن إسرائيل ( مصلحة أمريكية عليا ) وأن وجودها يرتبط بالإستراتيجية الأمريكية ، أي أن اللوبي الصهيوني الفاعل والمؤثر في السياسة الأمريكية هو لوبي يضم يهودا ومسيحيين يؤمنون بالصهيونية وبأهمية الدور الذي تؤديه إسرائيل للولايات المتحدة. من هنا نستخلص بأن الإدعاء بإمكانه خلق فجوة بين إسرائيل والولاياتالمتحدة أمر مستحيل لأنهما شيء واحد ، وأن إشغالنا بمحاولة دعم هذا الرئيس الجمهوري أو ذاك الديمقراطي بادعاء أن له مواقف مؤيدة أو قريبة من القضايا العربية ، أمر يهدفون من ورائه الحصول على الدعم المالي العربي أثناء الحملات الانتخابية ، وكذا تبرير الصفقات العسكرية والمدنية ذات الأرقام الفلكية التي تعقدها بعض الأنظمة العربية مع الولاياتالمتحدة ،تبريرها أمام الجماهير العربية بأنها تدخل في إطار محاولات تغيير الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل ، مما يعني بطريقة غير مباشرة أن حكامنا - جازاهم الله خيرا- لا يدخرون من وقتهم وفكرهم ومالهم شيئا في سبيل قضية فلسطين وقضايا الأمة . وقبل أن نختم هذا المقال، نجد أن من الواجب علينا أن نجيب عن سؤال قد يبدو ساذجا يقول : يشتكي المسؤولون الأمريكيون دائما من أن العرب والمسلمين يكرهون أمريكا ،وهم يعلمون أن سياستهم المنحازة للكيان الصهيوني والمعادية للقضايا العربية والإسلامية هي السبب ، ومع ذلك يستمرون على نفس المواقف، بل ويزدادون تصهينا من رئيس إلى رئيس، فما هو تفسير ذلك ؟ وفي رأيي المتواضع أن التفسير الوحيد، لكل ذلك هو علم الولاياتالمتحدة بأن الجماهير العربية والإسلامية ولغاية هذا اليوم لا زالت غير قادرة على تغيير مواقف أنظمتها المتعلقة والمتشبثة بالأهداب الأمريكية والراكعة على عتبات البيت الأبيض والمستعدة لتقديم ما يملكون ومالا يملكون من أشياء مادية أو معنوية من أجل كسب الرضا الأمريكي . ولدي قناعة بأنه في الوقت الذي تستطيع الجماهير العربية والإسلامية إيصال حكامها إلى اتخاذ موقف من العلاقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ، موقف يقول : عليكم أن تختاروا ، فإما نحن أو الكيان الصهيوني . عندها فقط يتغير الموقف الأمريكي.