لقد اتسمت الحركة الاحتجاجية بقطاع العدل منذ تأسيس الفعل النقابي في بداية هذا العقد بالتدرج والتنويع في الأشكال النضالية واتخاذ صيغ احتجاجية رمزية بداية من حمل الشارة إلى الوقفات خارج المحاكم لمدة ساعة ، إلى الإضراب الجزئي الذي يشارك فيه جزء من الموظفين دون كتاب الجلسات و موظفي مكتب الشكايات و الاستنطاق بالنيابة العامة ونواب وكيل الحسابات بصناديق المحاكم إلى الاضطراب العام لمدة 24 ساعة الخ... ثم أبدعت النقابة الديمقراطية أشكالا احتجاجية إشعاعية راقية من قبيل جلسات الاستماع على ثلاث فترات واحدة منها نظمت بنادي المحامين بالبيضاء ومحاكمة رمزية أقيمت بنادي المحامين بالرباط سنة 2008 واستغلت العديد من المنتديات والفضاءات والمنابر للتحسيس بالملف المطلبي لكتابة الضبط ولفت انتباه جميع الفاعلين السياسين ( الأحزاب و الفرق البرلمانية، سواء تلك المعارضة او الموالية للحكومة ) و الفاعلين الحقوقيين لعل أهمها تنسيقية الجمعيات الحقوقية التي قدمت مذكرة إصلاح القضاء ،وكذا الشركاء في قطاع العدل من هيئات المحامين بالمغرب، و الودادية الحسنية للقضاة ومختلف المدراء بالإدارة المركزية . لقد اتخذت النقابة الديمقراطية للعدل أشكالا احتجاجية بشكل حضاري وسلمي طيلة سبع سنوات للتعبير عن رفضها للواقع الذي تعيشه شغيلة العدل ، رغم ما واجه فيها مناضلوها من بطش وجبروت المسؤولين ، مستخدمين كل أنواع التضييق على حرياتهم وحقوقهم النقابية وتعرضوا للتمييز والإقصاء والطرد و الابتزاز، أحيانا بسبب توجههم النقابي . ولجأت النقابة غير ما مرة إلى توقيف حركتها الاحتجاجية لإبداء حسن النية من طرفها واستعدادها للتعاطي الايجابي مع ملتمسات الوزارة ومنحها مهلة كي تستطيع تنفيذ التزاماتها المتفق بشأنها في محاضر جلسات الحوار، إلا أن الوضع بقي كما كان عليه دون وجود أي مبادرة ايجابية من قبل الوزارة، حيث واكب هذه الحركة الاحتجاجية ثلاثة وزراء خلال ثلاث حكومات متتابعة دون أن تتمكن شغيلة العدل من انتزاع حقها الرئيسي في النظام الأساسي الذي يشكل جوهر مطالبها والذي يجسد هويتها المهنية، مستندة في ذلك على خطب جلالة الملك بتاريخ 29 يناير 2003 ، و بتاريخ 20 غشت 2009 ،و8 أكتوبر 2010 . كما أن جلسات الحوار التي أشرتم إليها والتي حسبما ذكر وزير العدل بلغت 23 جلسة، فهي لا تقاس بعددها وبكميتها، بل بمضمونها ونتائجها ولم تكن دائما مرتبطة بموضوع المطالب الأساسية للنقابة الديمقراطية للعدل بل هي جلسات خاصة بحل القضايا الفردية التي يواجهها الموظفون في المحاكم ، مع الأخذ بعين الاعتبار غياب المعايير المؤسساتية للتفاوض القطاعي المعروفة. 2- أما ما أشار إليه السيد وزير العدل من كون النظام الأساسي الخاص بكتابة الضبط قد أخذ مساره التشريعي فتستوجب التوضيح كما يلي : أولا: أن الأمر لا يتعلق بمسار تشريعي، بل بمسطرة تنظيمية تدخل في نطاق السلطة التنظيمية للحكومة على اعتبار أن الأمر يتعلق بمشروع مرسوم تطبيقي للنظام العام الأساسي للوظيفة العمومية وليس بمشروع قانون ، والذي يتم إيداعه بعد الانتهاء من إعداده في الغالب بمديرية الشؤون العامة بالأمانة العامة للحكومة التي تلعب دورا تنسيقيا بين القطاعات الوزارية المعنية ، فتقوم بدراسته من الناحية التقنية والفنية حسب الاختصاصات الموكولة إليها من قبل مستشاريها، ثم فيما بعد تقوم بإرسال المشروع إلى القطاعات المعنية به ( وازرة المالية ووزارة تحديث القطاعات ) على أساس أن توقع على المشروع كدليل على موافقتها الأولية على مشروع المرسوم أو أن تبدي ملاحظاتها في ما يرجع إليها من اختصاص وتعيده إلى الأمانة العامة للحكومة، هذه الأخيرة التي قد تشكل لجانا وزارية مختلطة للتوفيق بين وجهات النظر و قد تعرضه على تحكيم الوزير الأول على أساس عرضه على المجلسين الحكومي والوزاري للمصادقة ونشره في الجريدة الرسمية ، ومع الأخذ بعين الاعتبار لعدم انتظام دورية انعقاد المجلس الوزاري، فإن عملية إصدار المرسوم لا تزيد في أقصى الحالات عن ستة اشهر( راجع : القانون البرلماني المغربي لمؤلفه محمد بوعزيز ،طبعة 2006) لكن حسب ماهو شائع في النموذج المغربي، فإن المسار اللائحي لمشاريع المراسيم قد تستغرق بضعة أيام( كما حصل مع مرسوم الإعانات بكتابة الضبط )، وقد تستغرق عشر سنوات أو ما يزيد دون أن يكون لذلك أي مبرر باستثناء الخلفية السياسية لتلك المراسيم . كما انه جرت العادة أن يتم عرض مسودة مشروع المرسوم قبل ايداعها بالأمانة العامة للحكومة على الوزارات المعنية وهو ما حصل بالنسبة لمشروع مرسوم النظام الأساسي الخاص بكتابة الضبط ، حيث تم إرسال مسودة المشروع إلى وزارة تحديث القطاعات وفيما بعد إلى وزارة المالية واللذان أبديا على التوالي اعتراضيهما وتحفظهما على مضامينه ، ورغم ذلك فإن وزارة العدل لجأت إلى طمأنة النقابة الديمقراطية العدل بأن ما تم الاتفاق بشأنه هو ما سيتم إصداره وذلك بعد أن تقوم وزارة العدل بإقناع مختلف مكونات الحكومة المعنية . والواقع يكشف زيف هذا الادعاء ، حيث أن الوزارات المعنية متمسكة بمواقفها و ماضية في مخططاتها التي أقدمت عليها منذ مدة : - فبالنسبة للحكومة يبدأ مخطط تحديث تدبير الموارد البشرية من إصلاح نظام الوظيفة العمومية والأنظمة الأساسية لموظفي القطاع العام ( أكثرمن 68 نظام أساسي) بغرض توحيد القواعد المؤطرة لتطور المسارات المهنية لمختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، وقد شرعت منذ سبتمبر2005 في إصدار العديد من المراسيم التي توحد نظام التنقيط والترقية وسارعت إلى المصادقة على مشاريع مراسيم الأنظمة الأساسية الخاصة بالمتصرفين والمحررين والتقنيين في المجلس الوزاري الأخير رغم اعتراض المركزيات النقابية على ذلك، بل أن هذه الأنظمة معروضة على طاولة الحوار الاجتماعي، مما يؤكد تصميم الحكومة على إصلاح نظام الوظيفة العمومية بشكل منفرد ورفضها لأي نظام أساسي لا ينسجم مع ما سطرته بخصوص منظومة التوظيف ، وقواعد الترقي ، ومكونات الأجر، ومنظومة التدبير، وهي محاور أملتها المؤسسات المالية الدولية المانحة لمشروع الإصلاح. أمام ذلك فالقول بوجود مسار تشريعي للنظام الأساسي هو ضرب من الخيال أو أسلوب للتضليل والتمويه والقول كذلك بأن مشروع المرسوم لم يسحب ولم يرفض، يعني القول أن المشروع في مستودع التجميد المثلج للقوانين والمراسيم المنسية بأحد المكاتب التابعة للأمانة العامة في حفظ الله ورعايته !! 3- حول الزيادات التي تدعي وزارة العدل أن النقابة الديمقراطية للعدل رفضتها. إن المتتبع للمسار التفاوضي بين النقابة الديمقراطية للعدل باعتبارها النقابة ذات التمثيلية المطلقة ووزارة العدل يعرف جيدا أن الاتفاق يتضمن : - إصدار النظام الأساسي المتوافق في شأنه بين الطرفين ؛ - الزيادة في حجم الإعانات المستخلصة من الحساب الخاص بالشكل الذي يرفع من القيمة الدنيا ويقلص الفوارق بين القيم الموزعة على مختلف السلاليم كما هي عليها الان بالمرسوم الحالي الصادر بتاريخ 8 يوليو 2008 . وتعديل النظام التقني لكيفة صرفه - إشراك النقابة الديمقراطية للعدل بصفتها النقابة الأكثر تمثيلية في مشروع المؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية؛ - تحسين ولوج موظفي كتابة الضبط إلى مختلف المهن المتعلقة بالقضاء؛ إلا أن ما أقدمت عليه الوزارة يختلف تماما مع المنهجية المؤسساتية للتفاوض القطاعي ، فبعد اجتماعها مساء يوم الأحد 10 اكتوبر 2010 مع ممثلين عن وزارة المالية في الوقت الذي كان الجميع ينتظر انعقاد اللجنة الخماسية التي شكلها المجلس الحكومي، استدعت وزارة العدل الأخ الكاتب العام عبد الصادق السعيدي يوم الاثنين 11 أكتوبر 2010 لتبليغه الرد الحكومي بخصوص مطالب النقابة الديمقراطية للعدل والذي ورد في صيغته الاقتراحية كما يلي : - اولا : الموافقة على مطلب الزيادة في إعانات الحساب الخاص (دون ان تراعي المقترحات الخاصة بتقليص الفوارق بين السلاليم وتحسين طريقة صرفه ) مقابل عدم مطالبة النقابة الديمقراطية للعدل بإصدار النظام الأساسي المتفق عليه. - ثانيا : أن يقبل هذا المقترح الحكومي كله بالصيغة الواردة أعلاه أو يرفض كله . - ثالثا : تقديم رد النقابة الديمقراطية للعدل قبل يوم الأربعاء 13 مارس 2010 وبعد أن اجتمعت الأجهزة الوطنية للنقابة كان ردها على هذا المقترح كمايلي : تحويل الزيادة في إعانات الحساب الخاص إلى تعويضات مرتبطة بالنظام الأساسي بنفس الغلاف المالي ( 250 مليون درهم ) مادام الأمر يتعلق بأموال عمومية مع الالتزام بجدول زمني لإصدار النظام الأساسي . فكان جواب الوزارة هو رفض الجواب النقابي وبالتالي العدول عن مقترحها المشار إليه أعلاه ، لكن ما فاجأ شغيلة العدل هو عرض مشروع مرسوم الإعانات الحساب الخاص على المصادقة بمجلسي الحكومة والوزراء رغم الادعاء بالعدول عن هذا المقترح. ومع كل ذلك، ظلت النقابة الديمقراطية للعدل كما طبع مسارها النضالي دائما متمسكة بأفضلية الحوار والتشاور والاستجابة لكل مساعي الوساطة والتحكيم لفض النزاع و إنهاء التوتر بالقطاع . كما أن النقابة الديمقراطية للعدل عند كل حركة احتجاجية تتقيد بما يمليه عليها الواجب في خلق التوازن بين المصالح المهنية و المصلحة العامة كما تم توضيحه أعلاه . إن لجوء النقابة الديمقراطية للتصعيد هو لجوء شرعي و اضطراري أملته فداحة الوضع واستنفاذ جميع المحاولات بالشكل الذي يمكن القول معه ان النقابة الديمقراطية للعدل قد قامت من جانبها بالواجب الذي يبرر بشكل شرعي لجوءها إلى الإضراب العام . المراجع: 1 الفصل 14 من الدستور المراجع لسنة 1996 2 جواب السيد محمد الطيب الناصري وزير العدل بجلسة الأسئلة الشفوية ليوم 26 أكتوبر 2010 ، جريدة الصباح ، عدد 3281، بتاريخ 28 أكتوبر 2010 3 حكم صادر عن المحكمة الإدارية بمكناس عدد 63 -2001 محمد شيبان ضد وزير التربية الوطنية 4 حكم صادر عن المحكمة الإدارية بفاس قسم قضاء الإلغاء عدد 732 بتاريخ 17-07- 2007 في الملف عدد 358 /07 غ - غير منشور.