انطلقت صباح امس الجمعة بالرباط، أشغال الدورة الخامسة للجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، بمشاركة وفود برلمانية تمثل البرلمانات الأعضاء، وبحضور ممثلين عن مجموعة من المنظمات الدولية والمجتمع المدني. ويتضمن جدول أعمال الدورة مداخلات ممثلين عن عدد من المنظمات الدولية حول قضايا ومواضيع ذات أهمية خاصة بالنسبة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط ، كالسلم والأمن والبيئة والاقتصاد والتجارة وحوار الحضارات. كما تتميز أعمال هذه الدورة على الخصوص بانتخاب رئيس جديد للجمعية للسنتين المقبلتين2011 -2012 ، والمصادقة على برنامج عمل الجمعية خلال هذه الفترة. وقد تلا رئيس مجلس النواب عيد الواحد الراضي كلمة افتتاحية بالمناسبة جاء فيها: «يسعدني أن أرحب بكم بالرباط عاصمة المملكة المغربية، بلد تلاقح الحضارات العربية الإسلامية والأمازيغية والإفريقية والأندلسية، البلد الذي تشكلت حضارته وهويته من خلال التفاعل والحوار مع محيطه الجهوي الأوروبي، وكرس عبر تاريخه تقاليد التعايش والتسامح بين الأديان والحضارات. إن انعقاد هذه الدورة بالمملكة المغربية، يشكل تعبيرا عن الانخراط القوي للبرلمانيين المغاربة في آليات ومؤسسات العمل البرلماني المشترك على الصعيد الدولي والمتوسطي، وذلك من أجل مجابهة التحديات المطروحة على عالمنا اليوم، وصياغة الأجوبة الملائمة بشأنها انطلاقا من القيم والمبادئ الكونية التي نتشبث بها في المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وهي مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والعمل من أجل بناء عالم يعمه العدل والإنصاف والتضامن، وتحكم العلاقات بين مكوناته قوة القانون وليس قانون القوة. إن انعقاد هذه الدورة يشكل مناسبة للتنويه بحصيلة جمعيتنا البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، التي كان لنا شرف رئاستها عند تأسيسها بعمان سنة 2006، حيث تمكنت الجمعية خلال فترة وجيزة أن تصبح أحد المخاطبين البرلمانيين الأساسيين على الصعيد المتوسطي بعد أن شكلت هياكلها، وفتحت مقرها ووفرت الآليات الضرورية لعملها. لقد استطاعت الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، عبر دوراتها واجتماعات لجانها وندواتها، أن تؤطر حوارا برلمانيا بين ضفتي المتوسط على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، عبر تشخيص التحديات والمشاكل، واقتراح البدائل حتى تصبح البحيرة المتوسطية عامل تلاقي وتعاون وتضامن، وفضاء للسلم والاستقرار على أسس مبادئ القانون الدولي. إن المنطقة المتوسطية التي تعتبر مهد الديانات السماوية التوحيدية، والحضارات الكبرى العربية الإسلامية، والإغريقية الرومانية المسيحية واليهودية، والأنساق الفلسفية الكبرى، إن هذه المنطقة التي كانت لها مساهمة بارزة في تطور الإنسانية على مختلف الأصعدة، تعتبر اليوم من أكثر المناطق في العالم التي تتسم بعدد كبير من الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فهي المنطقة التي مازالت تتسم بفوارق هائلة في المداخيل، وفي مستوى العيش والاستفادة من الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية، والتجهيزات الأساسية، إذ على الرغم من المجهود الذي تبذله عدد من دول الجنوب وضمنها المغرب من أجل تأهيل بنياتها الاقتصادية والاجتماعية، وتحديث مؤسساتها، وتطوير تجهيزاتها الأساسية، فإن حجم الخصاص لايزال كبيرا بالنظر لاعتبارات تاريخية عديدة، مما يقتضي منا جميعا نحن برلمانيي وبرلمانيات المتوسط، عملا جماعيا سريعا وفعالا حتى لا يصبح البحر جدارا جديدا فاصلا بين عالمين. إن الجوار والمشترك الثقافي والحضاري، ومتطلبات الأمن والاستقرار والسلم، ومحاربة العنف والانغلاق، تقتضي الوعي الجماعي بأن أمننا واستقرارنا مرتبط بما سنساهم به كمجموعة متوسطية من أجل الرخاء المشترك لشعوبنا. إن السلم والأمن كانا وسيظلان دائما الشرطين الضروريين للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والإبداع الثقافي، والتلاقح الحضاري والتعاون المثمر، ولذلك فإن المعضلة الكبرى التي يعتبر حلها المدخل الضروري لاستقرار منطقتنا تظل هي أزمة الشرق الأوسط بكل عواقبها الكارثية على الأمن والاستقرار، ليس على صعيد المنطقة فقط بل على الصعيد العالمي. لقد شكلت هذه الأزمة السبب المباشر وغير المباشر في العديد من الحروب والتوترات والنزاعات الإقليمية وغيرها التي شهدها القرن العشرون، ومازالت مصدّرا ومصدرا في القرن الواحد والعشرين لكل مظاهر العنف، وذلك بسبب استمرار إسرائيل في سياسة الاستيطان وهدم المنازل والتشريد ومحاصرة مدنيين عزل، والتماطل في تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ووضع كل العراقيل أمام مفاوضات السلام من خلال الشروط التعجيزية، والعمل على فرض الأمر الواقع. إن الأوضاع المتردية للشعب الفلسطيني نتيجة الحصار، وسياسة القمع الممنهج والتجويع والاعتقالات، والخرق السافر لحقوق الإنسان في أبسط مكوناتها التي تنهجها إسرائيل، إن هذه الأوضاع بعواقبها الوخيمة على ظروف عيش الفلسطينيين وصحتهم وأمنهم، أصبحت أكثر من أي وقت مضى تسائل بقوة الضمير العالمي والمنتظم الدولي، وتطرح بالإضافة للإشكالات السياسية والقانونية المتعلقة بخرق المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وتحدي كل القرارات الأممية ودعوات قوى السلم في العالم لإنصاف الشعب الفلسطيني عبر إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. إن هذه الأوضاع تطرح إشكالا أخلاقيا كبيرا على المجموعة الدولية بالنظر لتفاقم وتردي وضعية الشعب الفلسطيني، واستمرار الظلم التاريخي الذي يعاني منه كل هذه العقود منذ القرن الماضي بدون أي أفق لحل جدي عادل ونهائي وشامل. إن آنية وأولوية الحل النهائي لأزمة الشرق الأوسط، بالإضافة لكونها ستشكل شرطا للأمن والاستقرار في المنطقة، ونزع أسباب التوتر والعنف، ستشكل أيضا تجسيدا لإرادة المنتظم الدولي، ومن خلاله الإنسانية جمعاء لإنصاف الشعب الفلسطيني، وضمان حقوقه المشروعة في العيش الكريم ضمن دولة مستقلة، وهي الحقوق التي تؤكدها حقائق التاريخ، وتجسدها قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وتقتضيها القيم الكونية لحقوق الإنسان التي أصبحت اليوم معيار الانتماء إلى العالم المتحضر والمجموعة الدولية، والالتزام بمواثيقها. ولذلك فنحن مطالبون كبرلمانيين وبرلمانيات، ممثلي شعوب المتوسط، بالدفاع عن حق شعوبنا في الأمن والاستقرار عبر إنهاء هذا النزاع الذي يرهن حاضر ومستقبل المنطقة، والذي لن يتأتى حله إلا عبر الإنصات لصوت العقل والحكمة وهي متجذرة في حضارتنا المتوسطية، حتى نخلف للأجيال المقبلة فضاء للخلق والإبداع والتعاون والتضامن، بدل فضاء الحقد والمواجهة والكراهية. إن مسؤولية المتوسطيين اليوم في استتباب السلم والأمن والوفاق على المستوى العالمي تعتبر جسيمة، لأن المدخل الأساسي للسلم العالمي هو الحل العادل والشامل والنهائي للنزاع العربي الإسرائيلي على قاعدة قرارات الأممالمتحدة ومبادئ العدل والإنصاف. ذلك هو المدخل الذي لا محيد عنه لكي نتمكن من التفرغ الجماعي للمساهمة في بناء المجموعة الأورومتوسطية باستثمار الجذور التاريخية والثقافية المشتركة العريقة، وتجاوبا مع تطلعات شعوبنا، ومراعاة للديناميات الاقتصادية والاجتماعية التي تتجه نحو الاندماج بفعل ضرورات المبادلات التجارية والحركات الهجروية، وعلى أساس العقل والقيم الكونية المتمثلة في الديمقراطية وحقوق الإنسان، تلك القيم الموحدة التي ستمكننا من بناء تحالف الحضارات. تكتسي الدورة الخامسة للجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، أهمية بالغة بالنظر للظرفية السياسية والاقتصادية والجهوية والدولية العامة التي تنعقد في إطارها، ولنوعية القضايا التي حضرت في شأنها تقارير اللجان سواء تعلق الأمر بالقضايا السياسية ومستلزمات الأمن والاستقرار، أو القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، أو قضايا الحوار بين الثقافات والحضارات، والمساواة بين الجنسين، وهي كلها انشغالات تعبر عن جدية الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط وتفاعلها مع محيطها، حيث تمكنت الجمعية بعد أربع سنوات من تأسيسها من أن تصبح مخاطبا محترما من طرف المنظمات البرلمانية الدولية والجهوية، الأمر الذي أتاح لها تعزيز صفوفها، والحصول على صفة العضو الملاحظ في العديد من المنظمات على رأسها منظمة الأممالمتحدة، التي نتوجه بأحر التشكرات إلى أمينها العام السيد بان كيمون على رسالته الموجهة لهذه الدورة، والتي تبرز المكانة الخاصة لمنظمتنا لدى الهيئة الأممية، والاهتمام الخاص الذي توليه منظمة الأممالمتحدة للمنطقة المتوسطية بالنظر للتأثير المباشر للتوترات بهذه المنطقة وأزماتها، وعلى رأسها أزمة الشرق الأوسط على السلم والاستقرار العالميين. إن هذه الدورة تشكل مناسبة أخرى للتنويه والإشادة بالمجهود الجبار الذي بذله رئيس الجمعية السيد رودي سال لما قام به من دور كبير في ترسيخ وتوسيع إشعاع الجمعية، فاسمحوا لي أن أعبر له باسمي الخاص ونيابة عن كافة أعضاء الجمعية عن أحر التشكرات والتهاني، كما أتوجه بنفس التشكرات إلى الأمين العام لجمعيتنا السيد سيرجيو بيازي، على ما قام به من عمل جدي بكفاءة ومهنية عالية في تحضير اجتماعات اللجان ودورات الجمعية وتتبع قراراتها وتوصياتها، وأتوجه أيضا بجزيل الشكر لكافة السيدات والسادة أعضاء مكتب الجمعية ورؤساء اللجان على ما قام به الجميع لوضع أسس برنامج برلماني للتعاون المتوسطي، ننتظر منه الكثير على المدى المتوسط والبعيد. متمنياتي بكامل التوفيق والنجاح لأشغال هذه الدورة، ولجمعيتنا البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط في سعيها للمساهمة في تحقيق مشروعنا الكبير، مشروع الرخاء المشترك والأمن والعدل والإنصاف والسلم بالمنطقة المتوسطية لحل مشكلات الحاضر وتجاوبا مع تطلعات المستقبل. وشكرا على حسن إنصاتكم».