صدر في مستهل هذه السنة الجامعية 2010 عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية كتاب «رهانات الفلسفة العربية المعاصرة» في 431 صفحة من المقياس الكبير. ويضم بين دفتيه حصيلة أشغال مؤتمر «رهانات الفلسفة العربية المعاصرة»، الذي انعقد بكلية الآداب بالرباط ما بين 20-21 نوفمبر 2009 (بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور)، وهي 21 بحثا بالإضافة إلى تقديم منسق محمد المصباحي. وكُتّاب هذه الأبحاث هم نخبة من الفلاسفة العرب الذين ينتمون إلى مختلف الحساسيات الفكرية من مختلف البلدان العربية (الجزائر، تونس، مصر، لبنان، الأردن بالإضافة إلى المغرب). و»يضم هذا الكتاب خمسة أبواب؛ يتطرق الباب الأول منها إلى رهانات الفلسفة العربية السياسية المتصلة بموضوعات الحضارة والمقاومة والمصالحة السياسية والعولمة والحرية. وتعالج أبحاث الباب الثاني الرهانات الفلسفة الدينية التي تخص الإصلاح الديني والعلمانية وشروط إمكان قيام فلسفة للدين في الفكر الفلسفي العربي المعاصر. وتعكف مقالات الباب الثالث على النظر في رهانات مجتمع المعرفة والصورة والأخلاقيات التطبيقية والتواصلية. وحاولت أبحاث الباب الرابع، رهانات حاضر الفلسفة العربية، التفكير تفكيرا نقديا في مفاهيم الرهان والتبرير والحاضر والترجمة. أما أبحاث الباب الخامس فقد تناولت دلالة ومدى حضور الفلسفة الغربية في الثقافة العربية المعاصرة، وهل من المشروع أن تنعت هذه الأخيرة بأنها عربية، بينما اختصت مقالتان في النظر في الفلسفة المغربية». ويقول صاحب التقديم بأن هناك ثلاثة محركات للقول الفلسفي في العالم العربي: (1) اختزان اللغة العربية لتجربة الاحتكاك بالقول الفلسفي قديما وحديثا «مما أهّلها في الأزمنة الحديثة أن تقوم بمغامرة جديدة هي قيد الإنجاز مع اللغات الفلسفية الأوروبية الحديثة لتحديث جهازها المفاهيمي وأدواتها المنهجية والرؤيوية». (2) المحرك الثاني يتمثل في التزام القول الفلسفي العربي في الماضي كما في الحاضر بالرهانات الحية للمجتمع والتاريخ « مما يعني أن رهان الحداثة في العالم العربي اليوم مرتبط ارتباطا جوهريا بعودة قوية وجريئة لّلغة العربية إلى الفلسفة». (2) المحرك الثالث هو إيمان المشاركين بأن التحديث في العالم العربي «لا يمكنه أن ينتقل إلى مرتبة الحداثة، ما لم تَسْرِ فيه روح الفلسفة، محوِّلة إياه إلى ملكة راسخة للحداثة تكون عبارة عن حساسية تجاه الزمن الذي نحيا فيه من أجل التفاعل الخلاّق معه». وقد حددت مقدمة الكتاب «الرهان الأكبر» للفلسفة العربية اليوم، وهو « أن يحصل لها الوعي بأنها لن تستطيع التأثير في الفضاء العمومي لدفعه للانخراط في مغامرة الحداثة بكل ما تتطلبه من همَّة ومخاطرة، ما لم تعمل هي نفسها على تغيير نفسها بنفسها بتحديث أسئلتها ولغتها وآفاقها، أي بتحديث رهاناتها». ومن جملة ما يتطلبه هذا التغيير الذاتي «خلق مجال مشترك حي وحقيقي للقراءة والحوار والنقد والاعتراف المتبادل». «فالنقاش الفلسفي داخل الحقل العربي، كما يقول التقديم، هو الذي سيسمح لنا بإمكانية حقيقية للنقاش مع المجتمع الفلسفي العالمي». إن الرغبة في التأثير في المجال العمومي ينبغي أن لا يذهب إلى «تحويل الفلسفة إلى إيديولوجية» تسخرها لحساب رجال السياسة أو الدين أو المال. «فالمحافظة على غريزة الحرية» والنظر «بمقتضى الشيء في ذاته» لا بمقتضى نفعه، رهانان قَبْليان لممارسة الفلسفة الحقة، وإلا «تحولت الفلسفة إلى إيديولوجيا أو علم كلام». وقدّم صاحب المقدمة في حق الفلاسفة العربي المعاصرين شهادة إيجابية تقول بأن « أن كتاباتهم لا تقل عمقا وابتكاراً عن أقرانهم الأوروبيين، لأنها ثمرة جهد ومكابدة»، ولو أن القاموس الفلسفي العربي لا يسعفهم في التعبير عن الجديد بالجديد. ولكن هناك أملا في أن اللغة العربية «ما زالت تحمل في أحشائها إمكانيات هائلة للتوليد والابتكار» لطرح أسئلة مشاغبة تتنكب الطرق الخضراء وتقتحم الخطوط الحمراء. فالفلسفة مطالبة بأن «ترفع في كل مرة سقف تطلعاتها»، وأن تكشف عن وجها لا أن تقتدي بما فعله « الغزالي، أي ذلك الفيلسوف المُبَرقَع، الذي يأكل من فاكهة الفلسفة بكل حرية ويلعن أصحابها والآكلين منها». حاول المشاركون قدر الإمكان الابتعاد عن مسألة إثبات أو نفي وجود فلسفة عربية اليوم، وعيا منهم بأن المطلوب هو «إنقاذنا من الكارثة الثقافية والوجودية التي تهددنا... بنظرة مجردة وشاملة تذهب بنا توّاً إلى جوهر الأمور» كي تبدد جو القنوط واليأس، بالرجوع بالإنسان إلى إنسانيته الحقيقية المؤمنة بحريتها وقدرتها على تغيير ذاتها والانفتاح على الآخرين وبهذا سنكون «قد ربحنا أحد الرهانات الكبرى للفلسفة العربية المعاصرة».