بمشاركة وازنة لكبار المفكرين و فلاسفة العالم العربي احتضنت الرباط يومي الجمعة 20 والسبت 21 نونبر 2009 ندوة دولية في موضوع « رهانات الفلسفة العربية المعاصرة»، ناقش فيها المشاركون عدة محاور تهم أسئلة مستقبل الفلسفة العربية ودرها في خلق إنسان جديد مبدع وفاعل . وانصبت نقاشات هذه الندوة المنظمة من قبل مجموعة فلسفة الحق الأخلاقي والسياسي بقسم الفلسفة بكلية الاداب بالرباط ومؤسسة كونراد أديناور ستيفتونغ على مجموعة من القضايا منها: الفلسفة وقضايا الإنسان العربي الراهنة: الديمقراطية ودولة الحق والقانون، حقوق الإنسان، العدالة، التعدد الثقافي والعيش معا، المقاومة والإرهاب، الفلسفة العربية وأزمة السلطة: الديمقراطية، الليبرالية، العلمانية، الطائفية، قضايا المجتمع المدني. الفلسفة العربية وأسئلة العالم المعاصر: العولمة، مجتمع المعرفة، الإتيقا البيولوجية والمعلوماتية، قضايا البيئة، مستقبل الإنسان في زمن التكنولوجيات الجديدة، أو كيف يجب أن تفكر الفلسفة في زمن مجتمع المعرفة؟ أنحاء تجاوب الفلسفة العربية مع التيارات الفلسفية المعاصرة (التأويلية، الفينومينولوجية، النقدية، التحليلية، البرجماتية، الفلسفة السياسية الأمريكية الخ). الفلسفة العربية في مواجهة مصيرها: انتقادها لأصنامها ومناهجها ومفاهيمها؛ عوائق قيام القول الفلسفي في بعض الدول المنتمية إلى العالم العربي؛ الفلسفة العربية بين المحلي والعالمي؛ تحديات الترجمة؛ حضور الفلسفة في المدرسة والجامعة. منزلة الفلسفة ودورها في التأثير في المجال العام وتجديد الفكر والحياة في العالم العربي : دورها التأويلي والتغيير والنقدي للمفاهيم والرؤى الكونية في العالم العربي (في مجالات السياسة والثقافة والاجتماع والدين الخ). و جاء في ورقة الندوة مايلي : «ليس الغرض من هذه الندوة تقييم ومراجعة وضع الفلسفة العربية منذ بداياتها الحديثة، ولا فرز تياراتها وتحقيبها والتساؤل عن قيمتها بالنسبة لواقعها أو بالنسبة لواقع الفلسفة العالمي، وإنما الغرض هو رصد تفاعل القول الفلسفي العربي (الأكاديمي وغير الأكاديمي) مع الهموم والرهانات التي يطرحها العالم المعاصر محليا ودوليا، بكل تجلياته الإنسانية والعلمية والتكنولوجية والتواصلية والبيئية والثقافية. لا نريد أن يكون المؤتمر مناسبة للكلام عن صدمة الحداثة، أو عن النهضة الأولى والثانية، أو عن تقابل التراث والمعاصرة، أو عن تقابل الشريعة والحكمة، أو الذات والآخر، أو حتى عن الدور الذي لعبته الفلسفة العربية الحديثة في تأويل العالم أو تغييره، وإنما نريد أن نتكلم عن الفلسفة العربية هنا والآن، عن كيفية مواجهتها للأسئلة الجديدة التي تهم الإنسان العربي من حيث هو مرآة للإنسان العالمي. إذن، تنطلق هذه الندوة من أن الفلسفة العربية موجودة فعلا، وأنها حققت في الأزمنة الأخيرة تراكما كبيرا على مستوى الكم والكيف معا، هذا التراكم الذي لم يتم الانتباه إليه بعد، لأنه لم يكتسب بعد قوة التأثير في المجال العام. فالإنتاج الفلسفي العربي في تزايد مطرد، والمجالات التي يرتادها الفلاسفة العرب بأجيالهم المختلفة في تجدد وتنوع في علاقة مع تجدد تحديات وآفاق الفكر والواقع العربي والعالمي. ولكن هذه الندوة تنطلق أيضا من معاينة أن الفلسفة العربية المعاصرة تواجه تحديات خطيرة ترهن وجود الإنسان ومصير الأرض التي يسكن فيها، تحديات واقعية وفكرية، داخلية وخارجية. ذلك أن استفحال الشك في العقل ولواحقه النظرية والعملية، من علمٍ وفلسفةٍ وحرية وديمقراطية وحقوق إنسان، وطغيان ثقافة اليأس والعدمية والانغلاق على الهويات الضيقة غير القابلة للحياة، جراء شعور مرير بالإحباط والفشل على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كل هذا يُفقِد الإنسان ثقته في نفسه وفي قدرته على التحدي والإبداع. فإذا أضفنا إلى ذلك التحديات الخارجية المتمثلة، من جهة، في المواجهات الساخنة الفكرية والعملية بين الذات والآخر (الغرب) والتي تركت جروحا كبيرة في الضفتين معا في العقود الأخيرة ؛ ومن جهة ثانية، في التدفق الهائل لسيل من الأسئلة والمفاهيم والمعارف والتقنيات والعلمية الجديدة والرؤى الفلسفية غير القابلة للإحاطة... لأدركنا مدى اللَّبس الذي يتخبط فيه الإنسان العربي اليوم. لقد تراكمت الأخطاء السياسية والتاريخية والاقتصادية والثقافية في العالم العربي إلى درجة أضحت تهدد بكوارث تاريخية كبرى أدخلت العالم العربي في نفق مسدود، أهم علاماته سيادة التطرف الأعمى بمختلف أجناسه وفصوله، وغياب حرية التفكير والتدبير. وقد أجمع المتتبعون على أن السبب الرئيسي لهذا الوضع يعود بخاصة إلى غياب الفكر النقدي. نعم، لا يمكن أن ننكر بأن للفكر العربي تقاليد مشهوداً بها في النقد واللوم الذاتي، غير أن هذا النقد كان في غالب الأحيان نقدا إيديولوجيا أو سياسيا أو طائفيا، والحال أن الإنسان العربي يحتاج بخاصة إلى النقد الفلسفي، نقد المفاهيم والمسلمات والمعتقدات والصور الراسخة عن الذات وعن الآخر معا. في هذا الجو المشحون بالأسئلة والتحديات والعوائق داخليا وخارجيا، أجمع كل الفاعلين العموميين على أن لا مناص من الفلسفة لإعادة بناء الإنسان وترتيب البيت الداخلي للمجتمعات العربية بروح من النقد والعقلانية والحرية والحوار والتسامح. وهنا نتساءل ما الذي يمكن للفلسفة أن تقدّمه لنشر ثقافة جديدة، ثقافة غايتها الخلق والتحدي، لوضع العالم العربي في طريق الحداثة والتنوير، كي يحتل المكانة اللائقة به في الفضاء العمومي لعالمنا المعاصر؟ ما الذي يمكن أن تفعله الفلسفة من أجل خلق إنسان جديد قادر على الإبداع والمقاومة حتى لا ينهار عالمه أمام عينيه؟».