يقع الشباب اليوم في قلب اهتمامات السياسات الحكومية في مختلف بلدان العالم بالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية التي تحظى بها هذه الشريحة الاجتماعية الواسعة، حيث تُظهر التقارير والدراسات المنجزة من طرف العديد من الهيئات مزيدا من الاستثمار الموجه لهذه الفئة... وفي هذا الإطار تأتي مبادرة «الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان» في مساءلة أوضاع الشباب المغربي في التقرير الذي أنجزه حول « تقييم السياسات العمومية ذات الصلة بالشباب»، والذي تناول فيه بالرصد والتحليل نشاط خمس قطاعات حكومية في مجال الشباب تحديدا خلال ثلاث سنوات 2007- 2008- 2009. وسنعمل في هذه التعقيب وانطلاقا من قراءة سريعة لأهم ما ورد في هذا التقرير إبداء مجموعة من الملاحظات التالية: 1. في البداية لا بد من التنويه بهذا العمل الذي أنجزه مركز الوسيط بإشراف الزميل حسن طارق بالنظر إلى كون هذا العمل هو الأول من نوعه على مستوى التقارير التي تنجز حول الشباب، حيث لم يسبق أن اطلعنا على تقرير يتناول السياسات العمومية في مجال الشباب لأكثر من قطاع. وهذا ما يجعل هذا العمل يشكل في واقع الأمر إضافة نوعية وقيمة مضافة لشكل ونوعية التقارير المنجزة. 2. كما تنبغي الإشادة بالورشات التكوينية التي قام بها مركز الوسيط لفائدة عدد من الطلبة الباحثين الذين ساهموا في إنجاز هذا التقرير، وهذه أيضا من النقط الإيجابية التي قلما نجدها في تقارير مماثلة، مما يضفي أهمية خاصة على هذا التقرير الذي أنجزه مجموعة من الشباب حول قضايا الشباب. 3. لقد ناقش التقرير في محوره الأول المرجعيات الدولية والوطنية المتعلقة بقضايا الشباب من خلال التذكير بأهم المحطات التي عكست اهتمام المجتمع الدولي بهذه الشريحة الاجتماعية، وكذا مدى حضور الشباب في خطابات الفاعلين السياسيين المغاربة في العقود الأخيرة، وأيضا ما تضمنه الدستور المغربي والتصاريح الحكومية وخطب صاحب الجلالة. 4. اعتمد التقرير على مقاربة قطاعية لقضايا الشباب من خلال التركيز على أنشطة وبرامج كل قطاع على حدة، وعلى الرغم من أهمية هذه العملية في تتبع ورصد عمل كل قطاع ونتائج تدخلاته لفائدة الشباب إلا أنها تبقى قاصرة عن مقاربة الحاجيات الحقيقة للشباب من خلال السياسات العمومية، لذا نقترح مقاربة أفقية يتم بناء عليها رسم الحاجيات الأساسية للشباب على شكل محاور يُفرغ فيها كل التدخلات والأنشطة القطاعية بهدف تقييم السياسات القطاعية ومقارنتها والتعرف على مدى استيفاء الحاجيات الأساسية للشباب. 5. إن الاعتماد الكلي على السياسات العمومية في مجال الشباب للقطاعات المعنية بالتقرير يبقى قاصرا للإحاطة بما تقدمه هذه السياسات، فلا بد في هذا الجانب من الإطلاع على التقارير الموازية التي تنجزها هيئات ومنظمات غير حكومية والتي من شأنها أن تشكل قيمة مضافة وبالتالي إغناء المعطيات المتوفرة، وإن كان من الصعب التوفر على هذه التقارير لغياب مراكز لتتبع ورصد الظاهرة الشبابية، ولا شك أن العاملين في مجال إعداد التقارير والدراسات يشعرون بالنقص الكبير في المعطيات، وأيضا صعوبة الحصول عليها من مصادرها الرسمية. 6. التقرير الذي بين أيدينا يضع مجموعة من المؤشرات المتعلقة بالسياسات العمومية في مجال الشباب، والحديث عن المؤشرات هنا يقودنا بالضرورة إلى محاولة إعطاء فكرة عن كيفية التمييز بين المؤشرات وبين غيرها من المتغيرات الأخرى، وذلك في أفق وضع مؤشرات خاصة بالشباب يتم اعتمادها من لدن الدارسين والباحثين في مجالات الشباب. فاستخراج المؤشرات عملية ضرورية في الدراسات والأبحاث التي تعنى بالشباب فهو الذي يوضح كافة الأبعاد المتعلقة بالمتغيرات الموجودة في الظاهرة، ذلك أن المؤشرات لا تمثل أسباب أو نتائج الظاهرة المدروسة بل أهميتها تتمثل في إغناء الدراسة أو البحث برموز دالة، فهي توضح المعاني أو الأشكال الذي يتخذها المتغير أو البعد بصفة عامة. لاستخراج المؤشرات يجب على الباحث أن يسأل نفسه السؤال التالي: * ما هي العلامات الملاحظة في الواقع والتي يمكن من خلالها تحديد أبعاد المتغير X (متغير من متغيرات الشباب: القيم لدى الشباب ? الاتجاهات السياسية....). وللإجابة على هذا السؤال من الضروري أن يعود الباحث إلى معارفه وتجربه وخبرته وحدسه، وترتيب هذه الملاحظات في قائمة للمؤشرات يمكن اعتمادها في إنجاز تقارير ودراسات على كثير من الأهمية. 7. أبان التقرير عن أهمية خلق وإنشاء مركز متخصص في رصد الظاهرة الشبابية وتوفير قاعدة للمعطيات تمكن الباحثين من مختلف التخصصات والروافد العلمية من الاطلاع عليها والاستفادة منها في إنجاز تقاريرهم ودراساتهم على غرار المراكز المتخصصة في الغرب. 8. لقد ناقش التقرير ما سمي ب»الإستراتيجية المندمجة للشباب» التي شرعت وزارة الشباب والرياضة في إعدادها، وأوضح التقرير الهفوات الكثيرة التي صاحبت مراحل إعداد هذه الإستراتيجية، خاصة غياب الانخراط الجماعي للقطاعات المعنية بالشباب والمجتمع المدني بإشراف الوزارة الأولى. مما بات يتطلب من كل الفاعلين (وعلى رأسهم الحكومة) الانكباب على وضع إستراتيجية مندمجة للشباب تأخذ بعين الاعتبار الهفوات المعلن عنها لإحداث قفزة نوعية في التعبير عن انشغالات وهموم الشباب والاستجابة بشكل أفضل لحاجياته. (*) أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس السويسي