عندما يحتفل أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه اليوم السبت بعيد ميلاده السبعين، يستطيع الجوهرة السوداء أن يستعيد ذكريات بفخر مسيرته الكروية الرائعة والتاريخية، والتي نقلته من الحياة البسيطة في الأحياء الفقيرة فى البرازيل إلى الشهرة العالمية والثروة وإعجاب الملايين من البشر. وولد إديسون أرانتيس دو ناسيمينتو «ملك كرة القدم» في تريس كوراكوس، وهي بلدة فقيرة بولاية ساو باولو وسرعان ما اشتهر بلقب بيليه بسبب طريقته الخاطئة في نطق اسم لاعبه المفضل بيليه حارس مرمى فاسكودا غاما البرازيلي. وتعلم بيليه أساسيات لعبة كرة القدم على يد والده دوندينيو، الذي كان مهاجما شبه محترف حتى تسببت إصابة بكسر في ساقه في تدمير مسيرته الكروية. وكان على بيليه أن يساعد عائلته الفقيرة بالعمل في فترة صباه كماسح للأحذية ونادل. ورغم ذلك، كان الصبي الصغير يجد الوقت دائما للعب كرة القدم بقدمين حافيتين مع أصدقائه على قطعة أرض قاحلة، وذلك بكرة مصنوعة من قطع القماش البالية والخيوط. ولكن، سرعان ما جذب بيليه الأنظار إليه بفضل ساقيه القويين وإمكانياته في التعامل مع الكرة بالقدم، وكذلك بالرأس إضافة إلى سرعته الفائقة ورؤيته الثاقبة. واكتشفت موهبة بيليه الحقيقية عندما كان في الحادية عشر من عمره، وذلك عن طريق أحد أبرز اللاعبين في البرازيل آنذاك، وهو فالديمار دي بريتو. واصطحب بريتو الصبي بيليه ذا العينين الواسعتين إلى مدينة سانتوس وأبلغ مسؤولي نادي سانتوس بأن «هذا الصبي سيصبح أفضل لاعب في العالم. إنه يمتلك كل شيء». ومن هنا بدأت قصة الحب التي استمرت على مدار 18 عاما بين نادي سانتوس البرازيلي لكرة القدم والجوهرة السوداء بيليه. ووضع النادي العريق برنامجا غذائيا رائعا للاعب النحيل، مما ساهم في نمو بنيته العضلية بشكل جيد. وسجل بيليه هدفا رائعا في أولى مبارياته مع الفريق الأول لسانتوس، وكانت في مواجهة كورنثيانز ليقود الفريق، الذي ضم لاعبين بارزين آخرين مثل زيتو وبيبي وكوتينيو إلى الفوز 7 - 1 في هذه المباراة، التي أعلنت عن مولد نجم جديد في السادسة عشر من عمره. وفي غضون شهور، أصبح بيليه أصغر لاعب يتوج بلقب هداف دوري ولاية ساو باولو، حيث كان في السابعة عشر من عمره وساعده ذلك على الانضمام لقائمة المنتخب البرازيلي في كأس العالم 1958 بالسويد. وفي ذلك الوقت، كان بيليه هو أصغر لاعب يشارك في بطولة كأس العالم عبر تاريخها. وبدأ بيليه مسيرته في البطولة كلاعب بديل، وذلك بسبب الإصابة التي تعرض لها في ركبته ولكنه شارك في المباراة أمام منتخب ويلز في دور الثمانية بالبطولة، وسجل الهدف الوحيد في هذه المباراة الصعبة. وأصبح بيليه بعد ذلك أبرز نجوم البطولة بتسجيله ثلاثة أهداف (هاتريك) في شباك المنتخب الفرنسي في الدور قبل النهائي للبطولة، كما سجل هدفين في المباراة النهائية أمام المنتخب السويدي صاحب الأرض. واختير هدف بيليه الأول في شباك السويد بهذه المباراة كأحد أفضل الأهداف في تاريخ بطولات كأس العالم، كما أصبح أجمل الأهداف التي سجلها العبقري بيليه على مدار مسيرته الكروية، حيث تسلم بيليه إحدى الكرات العالية بصدره وعبر به من فوق المدافع السويدي أورفار بيرجمارك، وانطلق بها دون أن يترك الكرة تهبط على أرض الملعب، ليسجل الكرة في الشباك ليعزز تقدم فريقه 3 - 1. وبعدها، توج بيليه إنجازاته في هذه البطولة بهدف ثان من ضربة رأس رائعة في الدقيقة الأخيرة من المباراة التي فاز فيها المنتخب البرازيلي 5 - 2. وغادر بيليه ملعب راسوندا، الذي أقيمت عليه المباراة وعيناه مغرورقتان بالدموع، بعدما منح الجماهير في الملعب وملايين المشجعين عبر شاشات التلفزيون نجما أسطوريا جديدا في عالم الساحرة المستديرة. وبذلت الأندية الأوروبية الكبيرة جهدا كبيرا للتعاقد مع بيليه، ولكن الحكم العسكري الديكتاتوري في البرازيل اعتبر اللاعب «كنزا قوميا رسميا» ورفض انتقاله إلى أي ناد خارج البرازيل. وشارك بيليه مع المنتخب البرازيلي في أربع بطولات لكأس العالم، ولكن بطولتي 1958 و1970 فقط حملتا له الذكريات السعيدة. وقاد بيليه المنتخب البرازيلي ، الذي ربما كان في ذلك الوقت أفضل منتخب للبرازيل عبر تاريخ اللعبة حتى الآن، للفوز بلقب كأس العالم للمرة الثالثة في مونديال 70. ويحظى بيليه بسجل مدهش ورائع من الإحصائيات والأرقام في مسيرته الكروية، حيث سجل 1280 هدفا في 1360 مباراة خاضها على مدار مسيرته، ليصبح الأفضل في هذا المجال خلف أسطورة برازيلي آخر هو آرتور فريدينريش. وعلى مستوى الأندية، حطم بيليه كل الأرقام القياسية في البرازيل، حيث سجل 127 هدفا لسانتوس في عام 1959 و110 أهداف في عام 1961 و101 هدف في عام 1965، وقاد الفريق للفوز بلقبيين في بطولات العالم للأندية. كما يحمل بيليه الرقم القياسي في عدد مرات تسجيل ثلاثة أهداف (هاتريك) في مباراة واحدة، حيث نجح في ذلك 92 مرة، وكذلك في عدد الأهداف التي يسجلها على المستوى الدولي (97 هدفا). وإلى جانب ذلك، اشتهر بيليه بأخلاقه العالية وروحه الرياضية ولم يتم إنذاره، ناهيك عن عدم تعرضه للطرد طوال مسيرته كلاعب. واعتزل بيليه اللعب في عام 1974 وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، ولكن المشاكل المالية دفعته إلى ترك البرازيل في العام التالي للعب في فريق نيويورك كوزموس الأمريكي. وفي أول أكتوبر 1977، وصلت مسيرة بيليه الكروية الرائعة إلى خط النهاية حيث كانت آخر مبارياته هي المباراة الاستعراضية الودية بين فريقي كوزموس وسانتوس، والتي نفدت تذاكرها قبل ستة أسابيع من إقامتها، وحرص على تغطيتها 650 صحفيا وبثت تلفزيونيا إلى 38 دولة.