أيمكن لكلمة دارجة مثل «لحريك» أن تتحول إلى مفهوم فلسفي ؟ ماهو لحريك؟ هل هذا سؤال فلسفي، أيكمن السؤال الفلسفي في الدلالات المختلفة لذات الكلمة؟ «لحريك» تاريخيا مفهوم قديم قدم الإنسان يمكن أن نعود به إلى تيه اليهود أيام الفرعون و إلى عبور البحار في تجربة عوليس، وإلى ترحال البدو عبر الصحاري والبراري و إلى تجربة الغجر....وإلى تجارب تقافية عدة. وهو مفهوم سوسيولوجي يرتبط باابطالة والتصحر والفوارق الطبقية القاتلة والحكرة و يعود سيكولوجيا إلى الإحباط والحلم والروتين والرتابة والإستلاب.. وهو مفهوم فلسفي أو نريد له ذالك .مفهوم أملته ضرورة تكتيف كل تلك الحالات والمحتذيات وكل تلك الإحساسات والمشاعر ليرتفع بها إلى مستوى من التجريد القادر على جمع ولم وإحراق المسافات والأوراق وإحراق السفن للعبور قسرا وسرا إلى الضفة الأخرى من الجغرافيا أو من الذات بحرقة الهوية والانتماء ، للاندماج بالآخر وتدجينه أو تهجينه ، فيما سبق أن سمي المورو أو الموريسكو ...(الإستشراق الإسباني. غوتيسولو). «الحراكة عبر التاريخ تجارب شتى كلها تتشابه مع الحريك الآن في وجه من أوجهه المختلفة .( هناك التيه عبرالصحراء (اليهود ( وهناك مغامرات البحار(عوليس والسندباد) وهناك الرحالة البدو عبر الثلث أو الربع الخالي ، وهناك تنقل الغجر عبر هوامش البلدان، وهناك تجارب أدبية فكرية سجلت لنا التجربة في قوالب فنية شتى كتجربة زارادشت نيتشه وتجربة الطيب صالح (السودان) وتجربة شعراء المهجر بل يمكن اعتبار أن الثقافة الفرنسية الأدبية والفكرية ما كان لها من حظوة ولا اعتبار لولا «الحريك» اللغوي والجغرافي الذي تلمظ به أمثال وأنداد يوجين يونسكو، وإميل سيوران وميلان كونديرا وجوليا كريستيفا وهنري ترويا وشارل أزنافور... والطاهر بنجلون وعبد اللطيف اللعبي وفؤاد العروي... وفي هدا الصدد يتميز الأدب الإغريقي القديم ، بملحمتين.الأولى»الإلياذة» تجسد قوة انتشار العرق اليوناني على شواطئ آسيا الصغرى، بارزة فيما يسمى بحرب «طروادة» وحصانها الشهير، والثانية تشير إلى قدرة هذا الشعب على التكيف مع محيطه بروح المغامرة والعبور «والحريك» عبر البحار كما يجسدها عوليس في «الأوديسا» كقصيدة للبحر. عوليس مغامر بحار و «حراك كبير يذهب في ترحال طويل تاركا وراءه زوجته الجميلة بنولوب الحكيمة ومولوده الصغير تيليماك. مغامرته تطول حتى يعتقد علية القوم أن عوليس قضى نحبه في عباب البحر. لقد رحل فيما يقال للبحث عن سم قاتل أو ترياق مفيد لسنان رماحه ، هو المعروف بقوسه الأسطوري الذي مازال يرن من قوة جذبه وسرعته في متحف من متاحف اليونان. نفس»الترياق» مازال «الحراكون» المهاجرون يغامرون بأرواحهم من أجله و يسترخصون فيه كل شيء. يقال أن بوسيدون (إله الماء والبحر) هو الذي عاقب عوليس بالتيهان في البحر بعيدا عن بلاده إتياك(Ithaque). وهو نفس الإله الحارس للمياه الآن الذي يغرق يوميا المراكب المختلفة كأنها القش البئيس في أعالي البحار .نفس الأسماك والوحوش التي خبرها عوليس مازال المغاربيون والأفارقة يواجهونها، ونفس الرياح التي لا تنتهي بمعاقلها وأوصدتها الكامنة في غور ما من أغوار المتوسط كانت تلعب وتلهو بمصير عوليس ومصير كل مغامر «حارك» الآن . ورغم قوة عوليس وبأسه وحيله انتهى به البوح إلى القول: لقد تبعني الشقاء بدون كلل»(ص 204 l›odyssee).لكن عوليس انتصر في الأخير على كل أعدائه الطامعين في زوجته والطامحين إلى ملكه و وطنه فهل سينتصر المغاربي الإفريقي ويفلح بالعودة إلى وطنه بعد أن ينعم بمقام مؤقت في شبه الجزيرة الإبيرية أو البريطانية؟.