بعدما استأثرت منطقة ورزازات الكبرى، خلال العقود الأخيرة، باهتمام متزايد من طرف ثلة من أشهر المخرجين السينمائيين العالميين، وكبريات شركات إنتاج الأفلام، خاصة منها الأمريكية والأوربية، تبلورت لدى المغرب قناعة راسخة حول ضرورة النهوض بهذا القطاع الإنتاجي الحيوي، وجعله يحتل المكانة التي يستحقها ضمن النسيج الاقتصادي الوطني. فقد أصبح من البديهي لدى مختلف الفاعلين الاقتصاديين المغاربة، خاصة العاملين منهم في الحقل السينمائي وفي باقي القطاعات الإنتاجية والخدماتية المرتبطة به، أن المؤهلات الطبيعية والكفاءات البشرية المتوفرة لدى المغرب، لم تعد تسمح بأن يبقى إنتاج الأفلام السينمائية على أرض المغرب، يجري وفق شروط أصبحت متجاوزة، لاسيما وأن جملة من المؤهلات المتوفرة من شأنها أن تمكن المغرب من وضع اللبنات الأولى الكفيلة بخلق صناعة سينمائية حقيقية. وفي هذا السياق أقدم كل من مجلس جهة سوس ماسة درعة، والمركز السينمائي المغربي على إطلاق دراسة مع مجموعة «أوروسيف إيكوترا» وذلك قصد بلورة رؤية إستراتيجية طموحة تروم تحويل منطقة ورزازات وجهة سوس ماسة درعة عموما، إلى قبلة عالمية للصناعة السينمائية، وذلك في أفق سنة 2016، حيث تم تقديم هذه الإستراتيجية إلى جلالة الملك محمد السادس في 28 دجنبر من سنة 2007. وتتأسس هذه الإستراتيجية، التي بلغ الغلاف المالي الإجمالي المخصص لها 43 مليون درهم، على رؤية شمولية موزعة على ست ورشات كبرى من شأنها أن تشكل ركيزة قوية قادرة على ضمان انطلاقة موفقة لخطة تطوير الصناعة السينمائية بورزازات. ومن بين أهم هذه الأوراش الست، هناك ورش التواصل والتعريف بالمؤهلات المتوفرة في منطقة ورزازات وجهة سوس ماسة درعة عموما، حيث أنشأت لأجل هذه الغاية «لجنة فيلم ورزازات» في شهر يناير من سنة 2008، وذلك بمبادرة من مجلس جهة سوس ماسة درعة، والمركز السينمائي المغربي. وأوضح عبد الرزاق الزيتوني مدير«لجنة فيلم ورزازات» أن هذه الهيئة أنيطت بها مهمة إنعاش الإنتاج السينمائي بالجهة، وتسهيل عمليات التصوير في ورزازات، إضافة إلى توفير ظروف عمل مريحة لفائدة مهنيي السينما وفرق التصوير على صعيد المجال الترابي للجهة. وأضاف الزيتوني، أن «لجنة فيلم ورزازات» تعمل أيضا على تثمين الكفاءات المتواجدة على صعيد جهة سوس ماسة درعة، من خلال توفير الإمكانيات المساعدة على تعزيز تواجد هذه الكفاءات على صعيد السوق الدولية، فضلا عن العمل على تعزيز وتقوية جاذبية منطقة ورزازات، باعتبارها موقعا متميزا لتصوير الأفلام والأعمال السمعية البصرية، وذلك وفق معايير من الجودة تستجيب لمقاييس العمل المتعارف عليها دوليا في هذا المجال. ومباشرة بعد تأسيس«لجنة فيلم ورزازات»، شرعت هذه الهيئة في عملية تنفيذ المهام الموكولة إليها لاسيما في الجانب المتعلق بالترويج لمنطقة ورزازات كوجهة تتوفر على كافة المؤهلات المساعدة على تصوير الأفلام السينمائية، حيث كان للجنة حضور متميز خلال شهر نونبر من السنة الماضية في معرض أشبيلية الدولي للسينما (أشبيلية أنترناسيونال لوكاسيون إكسبو) المعروف اختصارا باسم (سيل)، والذي يصنف في المرتبة الأولى من بين المعارض الأوربية المخصصة لاستكشاف العروض والمستجدات التي تهم عالم الفن السابع، سواء تعلق الأمر بالتصوير أو الإنتاج أو غيرهما. كما كان ل«لجنة فيلم ورزازات»، إلى جانب «المركز السينمائي المغربي»، حضور متميز في الدورة 63 لمهرجان كان السينمائي الدولي خلال شهر ماي الماضي، حيث أقام المغرب ضمن فعاليات هذه التظاهرة السينمائية العالمية، رواقا للعرض اعتبر من طرف نور الدين الصايل المدير العام للمركز السينمائي المغربي «مكسبا للسينما الوطنية» و«جسرا نحو السوق الأوروبية بشكل رئيسي». وسجل الصايل، الذي يشغل أيضا مهمة رئيس لجنة فيلم ورزازات، أن الرواق المغربي، الذي أقيم في مهرجان كان «قدم خدمة كبيرة للسينما المغربية، سواء على مستوى السمعة، التي أضحت تتمتع بها هذه السينما على المستوى العالمي، أو وضوح الرؤية، وكذا على مستوى تطور الاتصالات مع المهنيين الدوليين والأوروبيين وخاصة الموزعين والقنوات التلفزية والمنتجين». وضمن جهود الترويج والتواصل التي تنهض بها «لجنة فيلم ورزازات» لفائدة النهوض بالقطاع السينمائي المغربي، شاركت اللجنة أيضا خلال الفترة الممتدة ما بين 14 و17 أبريل الماضي في الدورة 25 للملتقى السينمائي العالمي «رابطة اللجان الدولية للفيلم» (أسوسياسيون أوف فيلم كومسيسيونر أنترناسيونال( الذي نظم في مدينة سانتا مونيكا بلوس أنجلوس الأمريكية ) ولاية كاليفورنيا). وقد كانت مشاركة المغرب في هذا الملتقى السينمائي العالمي، وهي الأولى من نوعها، جد مثمرة حيث أقام الوفد المغربي رواقا خاصا به، كما عقد لقاءات مع العديد من الفاعلين في حقل الإنتاج السينمائي على الصعيد العالمي تم خلالها التعريف بالتشجيعات والتسهيلات التي يقدمها المغرب للراغبين في تصوير أفلام فوق التراب المغربي عموما، وفي منطقة ورزازات على وجه الخصوص. كما شكلت مشاركة المغرب في هذا الملتقى العالمي فرصة للقاء مع عمدية المقاطعة الرابعة للوس أنجلوس قصد إحياء مشروع التوأمة بين ورزازات وهوليوود، حيث أكدت مساعدة عمدة هذه المقاطعة السيدة كاميليا بلانشي على أهمية هذا المشروع، الذي سيشكل موضوع مشاورات لاحقة بين الطرفين من أجل إخراجه إلى حيز الوجود مستقبلا. و بفضل هذا المبادرات الترويجية المتواصلة، استطاع حقل الإنتاج السينمائي المغربي، عبر «لجنة فيلم ورزازات» و«المركز السينمائي المغربي»، أن يقطف الباكورة الأولى لهذا المسلسل التواصلي حين تمكن من إقناع الشركاء في مشروع «موفيميد»(الشبكة المتوسطية للسينما والسمعي البصري) باستضافة المغرب للدورة الثانية من «لقاءات موفيميد»، التي من المقرر أن تنظم بمدينة ورزازات في الفترة ما بين 20 و22 يناير القادم . وقد شكل هذا الموضوع محور مناقشة من طرف لجنة القيادة الخاصة ببرنامج «موفيميد»، وذلك خلال الاجتماع الذي عقدته نهاية الأسبوع قبل الماضي في ورزازات، حيث وقف أعضاء لجنة القيادة على رصد التقدم الحاصل في الاستعدادات الجارية من أجل احتضان ورزازات لهذا الحدث. وسيرا على هذا النهج المتبع سواء في مجال التواصل، أو في ما يتعلق بوضع اللبنات الأولى التي ستشكل ركيزة تتأسس عليها صناعة سينمائية مغربية، صادق المجلس الإداري ل«لجنة فيلم ورزازات» المنعقد خلال شهر مارس الماضي على مخطط عمل اللجنة، الذي يرتكز بالخصوص على الاهتمام بالتواصل والإنعاش والتكوين وإحصاء الكفاءات، مع مواصلة تنفيذ المحاور الخاصة بإستراتيجية تطوير الصناعة السينمائية، وذلك من خلال وضع البنيات الأساسية المرتبطة بالتصوير، ومتابعة النظام الخاص بالتحفيزات المالية، فضلا عن العمل من أجل بلورة «مدينة سينمائية»(أون سطوب شوب) . وتأسيسا على ما سبقت الإشارة إليه، يمكن القول بأن المغرب شرع في تنفيذ خارطة طريق قادرة على خلق نهضة سينمائية حقيقية من شأنها أن تشكل مخططا ل«مغرب الصوت والصورة»، الذي يجري تنفيذه حاليا بالموازاة مع تنفيذ «مخطط لمغرب الأخضر» في المجال الفلاحي، و«مخطط المغرب الأزرق» في المجال السياحي.